عيوب الرضاء في عقد الهبة في القانون المدني

عيوب الرضاء في عقد الهبة في القانون المدني

يشترط لصحة الرضاء في عقد الهبة أن يكون خالياً من العيوب التي تشوبه، كالإكراه أو الغلط أو التدليس، شأنه في ذلك شأن سائر العقود في القانون المدني. فإذا ثبت أن رضاء الواهب أو الموهوب له قد شابه عيب من هذه العيوب، جاز للطرف الذي لحقه العيب أن يطلب إبطال الهبة خلال المدة المقررة قانونًا. ويُراعى في الإكراه أن يكون من شأنه التأثير على إرادة الواهب بحيث يدفعه إلى التبرع دون رغبة حقيقية، وفي الغلط أن يكون جوهريًا يؤثر في محل العقد أو شخص المتعاقد، أما التدليس فيكون إذا استُخدمت وسائل احتيالية لحمل أحد الطرفين على إبرام عقد الهبة. وتُطبق القواعد العامة للرضاء والعيوب الواردة في القانون المدني على هذه الحالات.

تطبيق حكم القواعد العامة :

تُطبق القواعد العامة للعقود على عقد الهبة من حيث أركانه وشروط صحته، ما لم يرد نص خاص يُخالف هذه القواعد في أحكام الهبة. فيسري على الهبة ما يسري على غيرها من العقود من حيث ضرورة توافر الرضاء الصحيح والمحل والسبب المشروع، كما تخضع لأحكام بطلان العقود وإبطالها والفسخ والتفسير وتنفيذ الالتزامات. ويُعمل بالقواعد العامة كذلك فيما يخص الأهلية، وعيوب الإرادة، وتوافر الشكلية في الأحوال التي يوجبها القانون، وغيرها من الأحكام التي تضمن صحة التعاقد وسلامة إرادة المتبرع والمتبرع له.

إلتزامات الواهب

الإلتزام الأول : نقل ملكية الموهوب إلى الواهب :

نقل ملكية المال الموهوب إلى الموهوب له يُعدّ الأثر الأساسي لعقد الهبة في القانون المدني، إذ تترتب عليه انتقال حق الملكية من الواهب إلى الموهوب له دون مقابل. ويتم هذا النقل وفقًا لنوع المال الموهوب؛ فإذا كان المال عقارًا، فلا تنتقل الملكية إلا بالتسجيل، أما إذا كان المال منقولا، فيكفي التسليم الفعلي أو الحكمي لنفاذ الهبة في حق الغير. ويشترط أن يكون الواهب مالكًا للشيء الموهوب وقت الهبة، وأن تكون الهبة مستوفية لأركانها القانونية من رضاء ومحل وسبب وشكلية إذا كانت واجبة، وإلا بطلت ولا تنتج أثرها في نقل الملكية.

مضمون الإلتزام :

يتحدد مضمون التزام الواهب في عقد الهبة بما يترتب عليه من آثار قانونية، أبرزها نقل ملكية المال الموهوب إلى الموهوب له دون مقابل، وتسليمه له تمكينًا من الانتفاع به. ويشمل هذا الالتزام كل ما يلزم لتحقيق الغرض من الهبة، مثل الالتزام بعدم التعرض للمستفيد في الانتفاع بالشيء الموهوب، والامتناع عن أي تصرف من شأنه تعطيل انتقال الملكية. وإذا كانت الهبة محمّلة بشرط أو تكليف، فإن مضمون الالتزام يمتد ليشمل تنفيذ هذا التكليف ما لم يكن مخالفًا للنظام العام أو الآداب. ويظل هذا الالتزام قائمًا ما لم تُفسخ الهبة أو تُرجع وفقًا لحالات الرجوع المقررة قانونًا.

نقل الملكية في هبة المنقول :

يتم نقل الملكية في هبة المنقول في القانون المدني بطريقتين تختلفان بحسب ما إذا كانت الهبة تمت بعقد رسمي أو تمت بالقبض. فالأصل أن نقل ملكية المنقول في الهبة لا يتم إلا بالتسليم الفعلي أو الحكمي، أي بالقبض، ويشترط أن يتم ذلك بعقد رسمي أو بورقة رسمية. فإذا لم تُستوفِ الهبة الشكلية المطلوبة، فإنها تُعد باطلة. ولكن يجوز تصحيح هذا البطلان إذا تم تنفيذ الهبة تنفيذًا اختياريًا من الواهب، أي إذا سلّم الشيء الموهوب بالفعل إلى الموهوب له. ويعتبر هذا القبض في حد ذاته سببًا كافيًا لنقل الملكية، ما دامت الهبة قائمة على إرادة صحيحة، وكان الواهب مالكًا للشيء الموهوب وقادرًا على نقله.

نقل الملكية في هبة العقار :

يتم نقل الملكية في هبة العقار وفقًا لأحكام القانون المدني عن طريق الإشهار والتسجيل في الشهر العقاري، ولا تنتقل الملكية بمجرد العقد حتى ولو كان رسميًا، بل يشترط لنقلها أن يتم شهر الهبة طبقًا لقواعد التسجيل العقاري. فالهبة في العقار تعد من العقود الشكلية، ويجب أن تُحرر في عقد رسمي وأن تُشهر ليترتب عليها أثرها في مواجهة الغير. وإذا لم تُشهر الهبة فإنها لا تنتج أثرها في نقل الملكية، حتى ولو تم تسليم العقار فعليًا إلى الموهوب له، لأن العقارات لا تنتقل ملكيتها إلا بالقيد في السجلات الرسمية.

الإلتزام الثاني : تسليم الشئ الموهوب إلى الموهوب له :

يُعد تسليم الشيء الموهوب إلى الموهوب له من العناصر الجوهرية في بعض أنواع الهبة، وخاصة هبة المنقول بدون محرر رسمي، إذ لا تتم هذه الهبة ولا تُعد صحيحة إلا إذا اقترنت بالتسليم الفعلي أو الحكمي للشيء محل الهبة. فالتسليم هو الذي يُظهر نية الواهب الجدية في التبرع، وبه يتم نقل الحيازة إلى الموهوب له، مما يجعل الهبة تامة ونافذة. أما إذا لم يحصل التسليم، فإن الهبة تظل مجرد وعد لا يرتب أثرًا قانونيًا، ويجوز للواهب الرجوع فيه متى شاء، ما لم يتحقق ركن التسليم.

النص القانوني للمادة 493 مدني تنص على :-

إذا لم يكن الموهوب له قد تسلم الشيء الموهوب ، فان الواهب يلتزم بتسليمه إياه ، وتسري في ذلك الأحكام المتعلقة بتسليم .

مضمون الإلتزام بتسليم الشئ الموهوب :

يتحدد مضمون الالتزام بتسليم الشيء الموهوب في أن يقوم الواهب بنقل الحيازة الفعلية أو القانونية للشيء محل الهبة إلى الموهوب له، تمكينًا له من الانتفاع به واستعماله تصرفًا يطابق صفته كمالك جديد. ويشمل هذا الالتزام أيضًا ما يتصل بالشيء الموهوب من ملحقات ومستلزمات ضرورية لاستعماله. ويجب أن يكون التسليم مطابقًا لما تم الاتفاق عليه من حيث طبيعة الشيء وصفته وحالته، ما لم يكن هناك اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك. وفي حال امتناع الواهب عن التسليم دون مبرر، جاز للموهوب له أن يطلب تنفيذ الالتزام عينيًا أو التعويض بحسب الأحوال، متى كانت الهبة لازمة.

ما يجب تسليمه :

يجب على الواهب أن يسلم الموهوب للموهوب له بجميع عناصره وملحقاته التي تدخل في تكوينه وتتمم الانتفاع به، ما لم يُتفق على خلاف ذلك. ويشمل ذلك الشئ الموهوب ذاته، وكل ما أعد بصفة دائمة لخدمته واستعماله، كالأدوات الملحقة أو المستندات الضرورية لإثبات الملكية أو تسهيل الاستعمال. كما يجب أن يكون الشيء المسلم مطابقًا من حيث النوع والكمية والوصف لما تم الاتفاق عليه. وإذا نقص التسليم أو وقع جزئيًا، كان للموهوب له أن يطلب إتمامه أو أن يطالب بالتعويض إذا لحقه ضرر، وذلك وفقًا للقواعد العامة في تنفيذ الالتزامات.

طريقة التسليم :

يتم تسليم الشيء الموهوب إما تسليمًا فعليًا أو حكميًا، بحسب طبيعته والاتفاق بين الطرفين. فالتسليم الفعلي يكون بتمكين الموهوب له من وضع اليد على الشيء الموهوب وتمتعه بالحيازة المادية له، كأن يسلمه الواهب المفتاح أو ينقله إلى مكان يخص الموهوب له. أما التسليم الحكمي، فيتحقق دون نقل مادي، كما لو كان الموهوب في حيازة الموهوب له قبل الهبة، أو إذا استمر واضع اليد عليه بوصفه نائبًا عن الموهوب له بعد الهبة. ويُشترط أن يكون هذا التسليم، سواء كان فعليًا أو حكميًا، ظاهرًا ويدل على نية التخلي ونقل الحيازة، تحقيقًا للعلنية وحماية لحقوق الغير.

زمان ومكان التسليم :

يُحدد زمان ومكان تسليم الشيء الموهوب بحسب ما يتفق عليه الطرفان في عقد الهبة، فإن لم يوجد اتفاق خاص، وجب الرجوع إلى القواعد العامة. فيُنفذ التسليم في الزمان الذي تقتضيه طبيعة الشيء وظروف التعامل، ويُفترض أن يكون بمجرد انعقاد الهبة الصحيحة وقبول الموهوب له، خاصة إذا كانت الهبة مقرونة بالقبض. أما مكان التسليم، فهو عادة موطن الواهب ما لم يتفق على غير ذلك، أو إذا اقتضت طبيعة الشيء الموهوب نقله إلى مكان معين، كما في حالة العقار أو المنقول الثقيل. ويُراعى في جميع الأحوال تيسير استلام الموهوب له للشيء الموهوب بما يحقق الغرض من الهبة ويُظهر نية التبرع من جانب الواهب.

جزاء الإخلال بالإلتزام بالتسليم :

يترتب على الإخلال بالالتزام بتسليم الشيء الموهوب من جانب الواهب جزاء قانوني يتمثل في إمكانية إجباره على التنفيذ العيني، أي تسليم الشيء نفسه، ما دام ذلك ممكناً، وذلك تطبيقاً للقواعد العامة في العقود الملزمة للجانبين. فإن تعذر التنفيذ العيني، جاز للموهوب له المطالبة بفسخ عقد الهبة إذا كان قد قبلها، ويجوز له كذلك المطالبة بالتعويض إذا لحقه ضرر نتيجة هذا الإخلال، شريطة أن يكون الواهب قد تصرف بسوء نية أو ارتكب خطأ أدى إلى عدم التسليم. أما إذا كان عدم التسليم راجعاً إلى سبب أجنبي لا يد له فيه، فلا يُسأل الواهب، ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك.

نفقات الهبة بما فيها نفقات التسليم :

تُعد نفقات الهبة، بما في ذلك نفقات التسليم، من التكاليف التي تقع في الأصل على عاتق الواهب، ما لم يُتفق على خلاف ذلك. ويشمل ذلك مصروفات تحرير العقد الرسمي إذا كانت الهبة تستلزم ذلك، ومصاريف التسجيل في حالة العقارات، ومصاريف نقل الحيازة أو تسليم المنقولات. والقاعدة أن الواهب هو من يتحمل هذه النفقات لأنه هو الذي يبادر إلى التبرع، ولا يُطلب من الموهوب له – كونه لا يدفع مقابلاً – أن يتحمل أعباء تنفيذ الهبة. غير أنه يجوز للطرفين الاتفاق على توزيع هذه المصروفات أو تحميلها كلها للموهوب له، ولا يُعد هذا الشرط مخالفاً للنظام العام طالما تم برضاء الطرفين.

المستشار محمد منيب

أفضل محامي لكتابة عقود البيع والشراء والمقاولة والمشاركات وعقود الهبة

error: