ضمان الإستحقاق إذا كان القرض بدون أجر في القانون المدني

ضمان الإستحقاق إذا كان القرض بدون أجر في القانون المدني

في القانون المدني، إذا كان القرض بدون أجر، فإن التزام المقرض بـ ضمان الاستحقاق يكون محدودًا، فلا يُلزم به على وجه العموم، لأن العقد في هذه الحالة يقوم على التبرع لا المعاوضة، ومن ثم لا يتحمل المقرض تبعة نقل شيء غير مملوك له. ومع ذلك، يُلزم المقرض بالضمان إذا ثبت أنه كان سيئ النية، أي يعلم وقت القرض أن الشيء المقترض مملوك للغير أو مثقل بحق عيني، وسكت عن ذلك، أو أخفى الأمر عن المقترض. ففي هذه الحالة، يُطبق على المقرض حكم الضامن، ويلتزم برد الضرر الذي أصاب المقترض بسبب الاستحقاق. ويُعد هذا الاستثناء تطبيقًا لمبدأ منع الغش والإضرار بالغير، حيث لا يُحرم المقترض حسن النية من الحماية القانونية لمجرد أن القرض بلا مقابل.

مكررا ـ سريان أحكام العارية :

متى كان القرض بدون أجر، فإنه يُعد من الناحية القانونية أقرب إلى العارية منه إلى القرض المأجور، ولهذا السبب قرر القانون المدني في بعض المواضع أن تسري على القرض بلا مقابل أحكام العارية، فيما لا يتعارض مع طبيعته الخاصة. ويظهر ذلك بوضوح في مسائل مثل عدم ضمان الاستحقاق إلا في حال سوء نية المقرض، أو في مدى التزام المقترض بالمحافظة على الشيء واستعماله فيما أُعير له. ويُبرر هذا الإلحاق أن كلا العقدين يقومان على التبرع، ويهدفان إلى تمكين أحد الطرفين من الانتفاع بشيء دون مقابل، مما يبرر تطبيق قواعد المسؤولية الأخف على من قدّم الشيء للغير دون عوض، مع حفظ حقوق الطرف الآخر متى ثبت الغش أو الإهمال الجسيم.

ضمان العيوب الخفية

الصلة بين أحكام ضمان العيوب الخفية المنصوص عليها في عقد البيع وبين ضمان العيوب الخفية في عقد القرض :

تُوجد صلة وثيقة بين أحكام ضمان العيوب الخفية في عقد البيع وتلك المنصوص عليها في عقد القرض، خاصة إذا كان القرض بأجر. ففي كلا العقدين، يلتزم من يسلم الشيء (البائع أو المقرض) بأن يكون هذا الشيء صالحًا للاستعمال المألوف وخاليًا من العيوب الخفية التي تُنقص من قيمته أو منفعته أو تجعله غير صالح للغرض المقصود. وفي عقد القرض المأجور، يُعامل المقرض معاملة البائع في هذا الشأن، ويخضع لنفس أحكام الضمان المنصوص عليها في المواد الخاصة بالبيع، فيضمن العيوب التي لم يُعلِم بها المقترض، والتي لم يكن ليقبلها لو علم بها. أما إذا كان القرض بغير أجر، فإن المقرض لا يضمن العيوب الخفية، إلا إذا كان عالمًا بها وسكت، تطبيقًا لقواعد العارية. وهكذا، فإن القاعدة هي إلحاق القرض المأجور بالبيع في الضمان، بينما يُلحق القرض المجاني بالعارية، ويُراعى في كل ذلك مبدأ حسن النية والعدل في تبعة العيب.

أحكام ضمان العيوب الخفية المنصوص عليها في عقد البيع

المقصود بالعيب الخفي :

العيب الخفي هو كل نقص أو خلل في المبيع يُنقص من قيمته أو منفعته أو يجعله غير صالح للاستعمال في الغرض الذي أُعد له، وكان خفيًّا وقت البيع، أي لا يستطيع المشتري أن يكتشفه بالفحص المعتاد الذي يجريه الشخص العادي. ويُشترط أن يكون العيب قديمًا، أي موجودًا قبل البيع أو أثناءه، وأن يكون غير ظاهر ولا يمكن كشفه بسهولة، وأن لا يكون المشتري عالِمًا به وقت التعاقد. وقد يكون العيب ماديًا، ككسر داخلي أو عيب في المحرك، أو معنويًا، كوجود قيود قانونية تحد من الانتفاع بالمبيع. والغاية من حماية المشتري من العيوب الخفية هي تحقيق التوازن العقدي، وتمكينه من الاستفادة من المبيع كما توقع وقت الشراء دون غش أو خداع.

بيوع لا ضمان فيها للعيب الخفي :

توجد بعض الحالات في القانون المدني لا يلتزم فيها البائع بضمان العيب الخفي، وتُعرف بـ البيوع التي لا ضمان فيها. من أبرز هذه الحالات: إذا أُبرم البيع على أساس “العقد على ما هو عليه”، أي أن المشتري قبل المبيع بحالته الراهنة مع ما قد يكون فيه من عيوب، بشرط أن يكون ذلك صريحًا وواضحًا. وكذلك إذا كان المشتري متخصصًا في نوع المبيع وكان بمقدوره اكتشاف العيب بسهولة، أو إذا كان العيب مألوفًا وشائعًا لا يجهله مثله من المشتغلين به. وأيضًا يسقط الضمان إذا ثبت أن المشتري كان عالِمًا بالعيب وقت التعاقد، أو أنه كان بإمكانه اكتشافه بالفحص المعتاد وأهمل في ذلك. غير أن هذه القواعد تسقط إذا ثبت أن البائع كان سيئ النية وأخفى العيب عمدًا، ففي هذه الحالة يبقى ملتزمًا بالضمان رغم أي اتفاق مخالف.

وجوب مبادرة المشترى إلى فحص المبيع وإخطار البائع بالعيب :

يُلزم القانون المدني المشتري بأن يبادر إلى فحص المبيع بمجرد تسلمه، وأن يُخطر البائع بالعيب الذي اكتشفه خلال فترة زمنية معقولة، وإلا سقط حقه في الرجوع بالضمان. ويُعد هذا الالتزام تطبيقًا لمبدأ حسن النية في تنفيذ العقود، ويهدف إلى حماية استقرار التعاملات ومنع النزاعات المتأخرة. فإذا تأخر المشتري في الفحص أو في الإخطار، فقد يُعتبر ذلك قبولًا ضمنيًا بالمبيع، ولا يُقبل منه بعد ذلك الادعاء بوجود عيب خفي، ما لم يكن العيب من الجسامة أو التعقيد بحيث يتعذر اكتشافه إلا بعد مدة. ويُراعى في تحديد مهلة الفحص والإخطار طبيعة المبيع وظروف التعامل، ومدى خبرة المشتري، مع التأكيد على أن الإخطار يجب أن يكون صريحًا ومحددًا، لا مجرد تحفظ عام.

أحكام ضمان العيوب ف عقد البيع :

تقوم أحكام ضمان العيوب في عقد البيع على حماية المشتري من العيوب التي تكون موجودة في المبيع وقت التسليم، والتي تُخفي عن نظر المشتري، بحيث تنقص من قيمته أو منفعته أو تجعله غير صالح للاستعمال في الغرض الذي أُعد له. ويشترط لتحقق الضمان أن يكون العيب قديمًا وخفيًا، وأن لا يكون المشتري قد قبله مع علمه به. فإذا ثبت وجود العيب بهذه الشروط، جاز للمشتري أن يطلب إما فسخ العقد ورد المبيع، أو إنقاص الثمن مع الاحتفاظ بالمبيع، وله أن يطلب تعويضًا إذا ثبت أن البائع كان عالِمًا بالعيب وسكت عنه. وهذه الأحكام قابلة للتعديل بالاتفاق، فيجوز الاتفاق على الإعفاء من الضمان أو تحديده، إلا إذا كان البائع سيئ النية، ففي هذه الحالة يبقى مسؤولًا عن الضمان رغم أي اتفاق مخالف، تطبيقًا لمبدأ عدم جواز التحلل من المسؤولية عن الغش.

تقادم دعوى ضمان العيب الخفي :

تسقط دعوى ضمان العيب الخفي في عقد البيع بمرور سنة واحدة من تاريخ تسلم المشتري للمبيع، وفقًا لما نص عليه القانون المدني. ويُقصد بذلك أن المشتري، إذا اكتشف عيبًا خفيًا في المبيع يُنقص من قيمته أو منفعته، فعليه أن يرفع الدعوى خلال سنة، وإلا سقط حقه في الرجوع على البائع، سواء بطلب الفسخ أو إنقاص الثمن أو التعويض. ولا يبدأ سريان هذه المدة من تاريخ اكتشاف العيب، بل من تاريخ التسلم، مما يوجب على المشتري السرعة في الفحص والإبلاغ. ومع ذلك، إذا ثبت أن البائع كان عالِمًا بالعيب وأخفاه غشًا، فلا تسري مدة السنة، وتُطبق في هذه الحالة مدة التقادم الطويل (15 سنة)، باعتبار أن الدعوى أصبحت قائمة على الغش لا مجرد العيب.

تقادم دعوى ضمان العيب الخفي المادة 452 من القانون المدني

تنظم المادة 452 من القانون المدني المصري مدة تقادم دعوى ضمان العيوب الخفية في عقد البيع، وتُحدد أجلًا قصيرًا نسبياً لسقوط هذه الدعوى، وهو سنة واحدة من تاريخ تسلُّم المبيع. ويُعد هذا النص من أهم الضمانات القانونية لتحقيق التوازن بين استقرار المعاملات وحماية المشتري من الغش أو الإهمال في حالة وجود عيب خفي في المبيع.

النص القانوني للمادة 452 مدني :

(1) تسقط بالتقادم دعوى الضمان إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع ولو لم يكشف المشتري العيب إلا بعد ذلك ما لم يقبل البائع أن يلتزم بالضمان لمدة أطول.

(2) على أنه لا يجوز للبائع أن يتمسك بالنسبة لتمام التقادم إذا ثبت به تعمد إخفاء العيب غشا منه.

الإتفاق على تعديل أحكام الضمان :

يجيز القانون المدني للأطراف في عقد البيع أن يتفقوا على تعديل أحكام الضمان، سواء من حيث مدى الضمان أو نطاقه أو آثاره، وهو ما يُعد تطبيقًا لمبدأ حرية التعاقد. فيجوز مثلًا الاتفاق على تشديد الضمان بمدّه ليشمل كل العيوب أو جميع الأضرار، كما يجوز الاتفاق على تخفيفه أو إعفاء البائع منه كليًا، بشرط أن يكون ذلك صريحًا ومقبولًا من المشتري. لكن هذا الاتفاق لا يُعتدّ به إذا كان البائع قد أخفى العيب أو كان سيئ النية، لأن الضمان في هذه الحالة يتحول إلى مسؤولية عن الغش لا يجوز الاتفاق على الإعفاء منها. وهكذا، يُسمح بتعديل أحكام الضمان اتفاقًا ما دام في إطار حسن النية، ودون الإضرار بالمشتري عن طريق الخداع أو التغرير.

مكتب المحامى محمد منيب فى الهرم 

error: