تمييز عقد القرض عما يشتبه به من العقود في القانون المدني

تمييز عقد القرض عما يشتبه به من العقود في القانون المدني

يشتبه عقد القرض بعدة عقود أخرى، ويجب التمييز بينه وبينها لتحديد الآثار القانونية الصحيحة. ومن أبرز هذه العقود: العارية، والتي تختلف عن القرض في أن محلها أشياء غير مثلية تُرد بعينها، بينما القرض يرد فيه المثل لا العين. كما أن العارية لا تنقل الملكية، أما القرض فينقل ملكية الشيء المقترض إلى المقترض. كذلك يختلف القرض عن الوديعة، فالمودَع لا يحق له الانتفاع بالشيء، بينما في القرض يُعطى المال للمقترض لينتفع به ويرده مثله. ويجب أيضًا تمييزه عن البيع بالتقسيط أو البيع المغلف بقرض، حيث يكون هناك نقل للملكية مقابل ثمن، وقد يُصاحب البيع اتفاق على تمويل، لكنه يظل بيعًا لا قرضًا. ويُعد التمييز بين هذه العقود ضروريًا لأن لكل منها نظامًا قانونيًا خاصًا من حيث المسؤولية، والآثار، وطرق الإثبات.

أركان عقد القرض في القانون المدني

اولا : التراضي في عقد القرض :

يُعد التراضي الركن الأساسي في انعقاد عقد القرض، إذ إنه من العقود الرضائية التي تتم بمجرد توافق إرادتَي الطرفين: المقرض والمقترض، دون حاجة إلى شكلية معينة في الأصل. ويتحقق التراضي بتلاقي الإيجاب الصادر من أحد الطرفين مع القبول الصادر من الطرف الآخر بشأن القرض ومقداره وأجل رده، وما إذا كان بفائدة أو بدونها. ويجب أن يكون الرضا سليمًا وخاليًا من عيوب الإرادة كالغلط أو الإكراه أو التدليس، فإذا شابه عيب من هذه العيوب، كان العقد قابلاً للإبطال. كما يجب أن يصدر التراضي عن شخص متمتع بالأهلية القانونية للتصرف، فلا ينعقد القرض صحيحًا إذا صدر عن ناقص أو فاقد الأهلية دون إذن من ممثله القانوني.

توافق الإيجاب والقبول :

يُعد توافق الإيجاب والقبول جوهر التراضي وركنًا أساسيًا لانعقاد عقد القرض وغيره من العقود، ويقصد به تطابق الإرادتين الصادرتين من الطرفين بشأن العناصر الجوهرية للعقد. فالإيجاب هو العرض الذي يتقدم به أحد الطرفين لبيان رغبته في التعاقد بشروط معينة، أما القبول فهو موافقة الطرف الآخر على هذا العرض دون تعديل أو تحفظ. ويشترط أن يكون القبول مطابقًا تمامًا للإيجاب حتى يُقال إن هناك توافقًا تامًا، إذ إن أي اختلاف بينهما يُعد رفضًا للإيجاب ويفسِد التراضي. كما يجب أن يتم التوافق بين الإيجاب والقبول في فترة زمنية معقولة، وألا يسبق القبول الإيجاب أو يرد بعد فوات الأجل المحدد له، وإلا اعتُبر الإيجاب مرفوضًا.

صور مختلفة لعقد القرض :

يتخذ عقد القرض في التطبيق العملي عدة صور تختلف باختلاف الغرض منه وطبيعة الأطراف المتعاقدة. فمن أبرز صوره: القرض بدون فائدة، وهو الصورة التقليدية التي يُقرض فيها المال تبرعًا دون مقابل، وغالبًا ما يتم بين الأقارب أو في المعاملات الشخصية. وهناك القرض بفائدة، وهو الذي يُشترط فيه أن يدفع المقترض للمقرض فائدة مقابل الانتفاع بالمبلغ، ويشيع هذا النوع في التعاملات التجارية والبنوك، ويخضع لضوابط قانونية تحظر الربا وتحدد معدلات الفائدة المسموح بها. كما يوجد القرض الاستهلاكي الذي ينعقد لتمويل احتياجات شخصية أو معيشية، والقرض الإنتاجي الذي يُمنح لأغراض تجارية أو زراعية أو صناعية. وقد يتخذ القرض أيضًا شكل القرض العقاري إذا كان مخصصًا لتمويل شراء عقار بضمان العقار ذاته. وتُظهر هذه الصور مرونة عقد القرض وتعدد تطبيقاته بما يتلاءم مع احتياجات الأفراد والأنشطة الاقتصادية.

حكم إقراض مال الغير :

يُعد إقراض مال الغير تصرفًا غير جائز قانونًا إذا تم دون إذن أو تفويض من مالكه، لأن القرض عقد ناقل للملكية، ولا يجوز لشخص أن يُنقل ملكية شيء لا يملكه. فإذا قام شخص بإقراض مال لا يخصه دون علم مالكه، فإن القرض لا يُرتب أثرًا قانونيًا صحيحًا، ويُعد باطلًا لانعدام المحل المشروع. أما إذا كان المُقرِض نائبًا عن المالك، كأن يكون وليًا أو وكيلًا أو وصيًا، وكان مخولًا بذلك قانونًا أو بموجب تفويض، فإن القرض يكون صحيحًا في حدود هذا التفويض. وإذا أُعير مال الغير بدون إذن، ثم استُحق من يد المقترض، جاز للمالك الرجوع مباشرة على المستعير، كما قد يُسأل من أقرض عن الضمان والتعويض إن ثبتت سوء نيته أو إهماله.

ثانيا : المحل والسبب

(أ) المحل :

يُعد المحل ركنًا جوهريًا في عقد القرض، وهو يتمثل في الشيء الذي يلتزم المقرض بتسليمه للمقترض. ويشترط أن يكون المحل من الأشياء المثلية، أي التي يمكن تقديرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو القياس، كالمال أو الحبوب أو المواد السائلة، لأن التزام المقترض هو رد مثل الشيء لا ذاته. ويجب أن يكون المحل موجودًا أو ممكن الوجود، ومشروعًا، ومحددًا أو قابلاً للتحديد وقت تنفيذ العقد. ولا يجوز أن ينصب القرض على أشياء غير قابلة للإحلال، كالأشياء المعينة بذاتها، لأن رد المثل سيكون متعذرًا. فإذا اختل شرط من شروط المحل، كان القرض باطلًا لعدم توافر أحد أركانه الأساسية.

إحالة إلى القواعد العامة :

إذا لم يرد في القانون نص خاص ينظم مسألة معينة تتعلق بعقد القرض، فإن الحكم فيها يُرجع فيه إلى القواعد العامة في نظرية الالتزام، وذلك باعتبار أن عقد القرض، كغيره من العقود، يخضع في تنظيمه العام إلى المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون المدني. وتشمل هذه القواعد ما يتعلق بصحة التراضي، وعيوب الإرادة، وتنفيذ الالتزامات، والفسخ، والتعويض، والتقادم، وغيرها من الأحكام. فمثلًا، إذا أخل أحد الطرفين بالتزامه، ولم يوجد نص خاص ينظم الجزاء، يُطبّق حينها حكم الفسخ أو التعويض طبقًا للقواعد العامة. وتُعد هذه الإحالة ضمانًا لتكامل النظام القانوني، وتحقيقًا للعدالة في الحالات التي لم يُنظمها المشرّع تفصيلًا.

المسألة الأولى : الشروط الخاصة الواجب توافرها في الشئ محل عقد القرض :

يشترط في الشيء محل عقد القرض، إلى جانب الشروط العامة للمحل في العقود، شروط خاصة تميّزه عن غيره من العقود. وأهم هذه الشروط أن يكون الشيء مثليًا، أي مما يمكن استبداله بمثله دون أن تتغير قيمته أو طبيعته، كالقمح، والأرز، والنقود، والزيت، لأن التزام المقترض هو برد مثل ما أخذ، لا ذاته. كما يُشترط أن يكون الشيء مملوكًا للمقرض، أو له حق التصرف فيه، وإلا كان القرض باطلًا لعدم مشروعية المحل. كذلك يجب أن يكون الشيء قابلاً للتعامل فيه قانونًا، وألا يكون مما يحظره القانون أو النظام العام، فلا يصح إقراض المخدرات أو الأسلحة دون ترخيص. وتُعتبر هذه الشروط ضرورية لصحة عقد القرض، ويؤدي الإخلال بأي منها إلى بطلان العقد أو عدم نفاذه.

المسألة الثانية : فوائد القرض :

تُعد فوائد القرض من المسائل الجوهرية التي يثيرها عقد القرض في التطبيق، وهي تمثل المقابل الذي يدفعه المقترض للمقرض نظير الانتفاع بالمبلغ المقترض خلال مدة معينة. والأصل في القانون المدني أن القرض لا يترتب عليه فائدة إلا إذا نُص على ذلك صراحة في العقد، فإذا لم يُشترط دفع فائدة، اعتبر القرض تبرعًا. ويُشترط لصحة شرط الفائدة أن يكون محددًا وواضحًا وألا يتجاوز الحد الأقصى المقرر قانونًا، حتى لا ينقلب إلى ربا باطل. وإذا تم الاتفاق على فائدة غير مشروعة أو مُبالغ فيها، جاز للمحكمة أن تُنقصها إلى الحد القانوني أو تقضي ببطلان الشرط وحده إذا أمكن فصلُه عن العقد. كما يُشترط أن تكون الفائدة نقدية في الغالب، وتستحق غالبًا بحسب المدة التي يبقى فيها المال في يد المقترض، ما لم يُتفق على غير ذلك.

صورة الفائدة :

تتمثل صورة الفائدة في عقد القرض في كونها مبلغًا نقديًا يُضاف إلى أصل الدين، يُلزم المقترض بسداده إلى المقرض نظير انتفاعه بالمبلغ المقترض خلال مدة معينة. وغالبًا ما تُحدد الفائدة بنسبة مئوية سنوية من قيمة القرض، كأن يُتفق مثلًا على فائدة قدرها 10% سنويًا، تُحسب ابتداءً من تاريخ تسليم المبلغ وحتى تاريخ السداد. وقد تكون الفائدة ثابتة طوال مدة القرض، أو متغيرة ترتبط بمؤشر معين أو سعر فائدة سوقي. ويشترط أن تكون الفائدة صريحة وواضحة ومشروعة حتى تكون ملزمة، ويُبطل القضاء عادةً كل شرط فائدة مُبهم أو مُبالغ فيه يتجاوز الحد المسموح به قانونًا، حمايةً للمقترض من الاستغلال.

سعر الفائدة :

يُقصد بـسعر الفائدة في عقد القرض النسبة التي تُحتسب على مبلغ القرض الأصلي، وتُحدد كمقابل لانتفاع المقترض بالمبلغ خلال مدة معينة. ويُشترط لصحة الاتفاق على الفائدة أن يكون سعر الفائدة محددًا بوضوح في العقد، وأن لا يتجاوز الحد الأقصى الذي يجيزه القانون أو لوائح البنك المركزي، وذلك منعًا للربا والاستغلال. وقد يكون السعر ثابتًا لا يتغير طوال مدة القرض، أو متغيرًا بحسب مؤشرات اقتصادية كالسعر المعلن من البنك المركزي أو وفقًا لتغيرات السوق. وإذا لم يُتفق على فائدة أو كان الاتفاق غير صريح، اعتُبر القرض بلا فائدة، تطبيقًا للأصل في القانون المدني. وفي حال الاتفاق على سعر فائدة مرتفع بصورة مبالغ فيها، جاز للقاضي التدخل لتخفيضه إلى الحد القانوني، حماية للطرف الضعيف ومنعًا للتحايل.

أثر تجاوز سعر الفائدة :

إذا تم الاتفاق في عقد القرض على سعر فائدة يتجاوز الحد الأقصى المقرر قانونًا، فإن هذا الشرط يُعد باطلًا بطلانًا نسبيًا في حدود ما جاوز السعر المشروع، ويجوز للمقترض أن يطلب إنقاص الفائدة إلى الحد القانوني، كما يجوز للمحكمة أن تتدخل من تلقاء نفسها إذا ثبت لها أن الشرط ينطوي على استغلال. ويترتب على ذلك أن المقرض لا يحق له المطالبة بالفائدة الزائدة، كما لا يجوز له التمسك بشرط جزائي لتعويضها. وإذا لم يمكن فصل الفائدة الباطلة عن باقي العقد، جاز أن يمتد البطلان إلى العقد كله. ويهدف هذا التنظيم إلى حماية المقترض من التعسف والاستغلال، وتكريس مبدأ التوازن العقدي، لا سيما في العلاقات التي يكون فيها المقرض في مركز اقتصادي أقوى.

أكبر محامى قضايا المدنى المستشار محمد منيب المحامى

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

error: