تعديل أحكام ضمان الاستحقاق سواء بالتشديد أو بالتخفيف من التزام البائع في القانون المدني

تعديل أحكام ضمان الاستحقاق سواء بالتشديد أو بالتخفيف من التزام البائع في القانون المدني

يجيز القانون المدني للمتعاقدين الاتفاق على تعديل أحكام ضمان الاستحقاق، سواء بالتشديد أو بالتخفيف من التزام البائع، بل ويمكن أيضًا الاتفاق على إعفاء البائع من الضمان كليًا، بشرط أساسي هو ألا يكون البائع سيئ النية، أي ألا يكون عالِمًا وقت البيع بأن المبيع غير مملوك له أو مثقل بحق للغير. فإذا ثبت سوء نية البائع، كان الاتفاق على الإعفاء من الضمان باطلًا، ويظل ملزمًا بالضمان كاملًا طبقًا للقواعد العامة. ويُعد هذا التنظيم تعبيرًا عن مبدأ حرية التعاقد، حيث يُمكن للأطراف تعديل التزاماتهم التعاقدية بما يتلاءم مع ظروفهم الخاصة، ما دام ذلك لا يُخالف النظام العام أو يهدف إلى التحايل على القانون.

مكررا النصوص القانونية

المادة 445 من القانون المدني :

تتناول المادة 445 من القانون المدني المصري أحد الجوانب العملية الهامة المرتبطة بضمان الاستحقاق في عقد البيع، وهو واجب المشتري في حالة تعرضه لدعوى استحقاق من الغير، بأن يُدخل البائع في الدعوى، حفاظًا على حقه في الرجوع عليه بالضمان. وتُعد هذه المادة تجسيدًا لمبدأ حسن النية والتعاون بين المتعاقدين، ووسيلة لحماية المشتري دون الإضرار بالبائع دون علمه أو دون منحه فرصة الدفاع عن حقه.

النص القانوني للمادة 445 مدني :-

(1) يجوز للمتعاقدين باتفاق خاص أن يزيدا ضمان الاستحقاق ، أو أن ينقصا منه ، أو أن يسقطا هذا الضمان.

(2) ويفترض في حق الارتفاع أن البائع قد اشترط عدم الضمان إذا آان هذا الحق ظاهر أو كان البائع قد أبان عنه للمشتري.

(3) ويقع باطلا كل شرط يسقط الضمان أو ينقصه إذا كان البائع قد تعمد إخفاء حق الأجنبي.

 

المادة 446 من القانن المدني :

تُعد المادة 446 من القانون المدني المصري امتدادًا للمواد المنظمة لضمان الاستحقاق في عقد البيع، وتحديدًا في الحالات التي لا يُصدر فيها حكم قضائي بالاستحقاق، ولكن يُسلّم المشتري المبيع إلى الغير طواعية، إما لحسن نيته أو لتجنب نزاع قضائي. وتُحدد هذه المادة متى يجوز للمشتري الرجوع على البائع في هذه الحالة، رغم عدم وجود حكم نهائي بالاستحقاق، الأمر الذي يُشكل خروجًا نسبيًا عن القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 442.

النص القانوني للمادة 446 مدني :-

(1) إذا اتفق على عدم الضمان بقي البائع مع ذلك مسئولا عن أي استحقاق ينشأ من فعله ، ويقع باطلا كل اتفاق يقضي بغير ذلك.

(2) أما إذا كان استحقاق المبيع قد تنشأ من فعل الغير ، فان البائع يكون مسئولا عن رد قيمة المبيع وقت الاستحقاق ، إلا إذا ثبت أن المشتري آان يعلم وقت البيع سبب الاستحقاق ، أو أنه أشتري ساقط الخيار.

الضمان لا يتعلق بالنظام العام :

الضمان في عقد البيع، وبخاصة ضمان الاستحقاق أو العيوب الخفية، لا يُعد من قواعد النظام العام، مما يعني أنه يجوز للأطراف الاتفاق على تعديل أحكامه، سواء بالتخفيف من مسؤوليته أو الإعفاء منها كليًا. ويستند ذلك إلى مبدأ حرية التعاقد الذي يُجيز للمتعاقدين تحديد مدى التزاماتهم وشروط تعاملهم طالما لا يُخالف ذلك نصًا آمرًا أو يخل بمبدأ جوهري في القانون. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق لا يكون صحيحًا إذا ثبت أن البائع كان سيئ النية، كأن يعلم أن المبيع مملوك للغير أو معيبًا وسكت عن ذلك، ففي هذه الحالة يُبطل الإعفاء ويظل ملزمًا بالضمان. وبالتالي، فعدم تعلق الضمان بالنظام العام يمنح مرونة في التعاقد، لكنه لا يحمي الغش أو سوء النية.

حالات الإتفاق على تعديل أحكام الضمان

1- الإتفاق على زيادة الضمان :

يجوز في القانون المدني الاتفاق على زيادة الضمان في عقد البيع، سواء من حيث مداه أو مدته أو حالاته، وهو ما يُعد تطبيقًا لمبدأ حرية التعاقد. فيجوز مثلًا أن يُلزم البائع نفسه بضمان العيوب التي لم يكن يعلم بها، أو أن يمتد الضمان ليشمل ما لا يُضمن عادة، كحالات القوة القاهرة أو الاستحقاق الناتج عن سبب لاحق للبيع. كما يمكن أن يتفق الطرفان على أن يبقى الضمان ساريًا لفترة أطول من المدة القانونية، أو أن يتحمل البائع تعويضًا أوسع يشمل الأضرار غير المباشرة. ويشترط لصحة هذا الاتفاق أن يكون صريحًا، وألا يُخالف نصًا آمرًا أو يُرتب التزامًا تعجيزيًا يتعارض مع طبيعة العقد. ويُعد هذا النوع من الاتفاقات وسيلة لحماية المشتري وتأكيد حسن نية البائع، ويشيع في البيوع التجارية وعقود الاستهلاك.

2- الإتفاق على إنقاص الضمان :

يُجيز القانون المدني للمتعاقدين الاتفاق على إنقاص الضمان في عقد البيع، سواء من حيث مداه أو نطاق تطبيقه، ما دام المشتري قد قبل بذلك صراحة وبإرادة حرة، ولم يكن هناك غش أو تدليس من جانب البائع. فقد يُتفق مثلًا على أن البائع لا يضمن العيوب الخفية إلا إذا ظهرت خلال مدة قصيرة، أو أن يقتصر الضمان على الاستحقاق الجزئي دون الكلي، أو يُحصر التعويض في قدر معين. ومع ذلك، فإن هذا الاتفاق يُعد باطلًا إذا كان البائع سيئ النية، كأن يكون على علم بالعيب أو بالحق المدعى به من الغير ويُخفيه، لأن الضمان في هذه الحالة يتحول من التزام تعاقدي إلى مسؤولية عن الغش أو التدليس. ويُعد الاتفاق على إنقاص الضمان وسيلة مشروعة لتنظيم العلاقة التعاقدية بشرط احترام مبادئ حسن النية والشفافية.

3- الإتفاق على إسقاط الضمان :

يُعتبر الاتفاق على إسقاط الضمان أحد صور التعديل المسموح بها في عقد البيع، ويعني أن يتفق الطرفان صراحةً على إعفاء البائع من التزامه بضمان الاستحقاق أو العيوب الخفية. ويُعد هذا الاتفاق صحيحًا ونافذًا طالما صدر عن إرادة حرة من المشتري، ولم يكن هناك غش أو تدليس من جانب البائع. غير أن هذا الإعفاء لا يُعتدّ به إذا ثبت أن البائع كان سيئ النية، كأن يكون على علم بأن المبيع غير مملوك له أو معيبًا وسكت عن ذلك، إذ لا يجوز التحلل من الضمان بغرض الإضرار بالمشتري أو التحايل على القانون. ويُشترط لصحة هذا الاتفاق أن يكون صريحًا وواضحًا، وألا يكون فيه مخالفة للنظام العام أو انتقاص لحقوق المشتري الجوهرية دون علمه.

تقادم دعوى ضمان الإستحقاق :

تتقادم دعوى ضمان الاستحقاق في عقد البيع وفقًا للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، وتحديدًا وفقًا للمادة 452، حيث تسقط بالتقادم بعد خمس عشرة سنة من وقت وقوع الاستحقاق الفعلي للمبيع. ويُقصد بالاستحقاق الفعلي هنا صدور حكم نهائي بنزع المبيع من يد المشتري لصالح الغير، أو تسليم المبيع للغير بناءً على ادعاء جدي مقرون بعلم البائع وتخليه عن الدفاع. ولا يبدأ التقادم من تاريخ البيع، بل من تاريخ تحقق الضرر للمشتري نتيجة الاستحقاق. ويجوز وقف أو قطع هذا التقادم وفقًا للأسباب العامة لوقف أو انقطاع التقادم، مثل تقديم إنذار رسمي أو رفع دعوى قضائية. ويهدف هذا التنظيم إلى تحقيق الاستقرار في المعاملات، ومنع بقاء الالتزامات مهددة مدى الحياة.

مكتب المحامى محمد منيب ماجستير القانون الدولى

 

error: