رجوع الواهب عن الإيجاب قبل وصول القبول إلى علمه في القانون المدني

رجوع الواهب عن الإيجاب قبل وصول القبول إلى علمه في القانون المدني

لا ينعقد العقد إلا إذا اقترن الإيجاب بالقبول المطابق له، ووصل هذا القبول إلى علم الموجب. وبناءً عليه، فإن للواهب الحق في الرجوع عن إيجابه بالهبة ما دام القبول لم يصل إلى علمه بعد، لأن الإيجاب في هذه المرحلة لا يُعد ملزمًا ولا يُنتج أثرًا قانونيًا نهائيًا. فإذا عبّر الواهب عن نيته في التبرع بمال معين، ثم عدل عن ذلك قبل أن يتلقى علمًا بقبول الموهوب له، فإن الهبة لا تنعقد ولا يترتب عليها أي التزام. وهذا ما يتماشى مع الطبيعة التبرعية لعقد الهبة، التي تقتضي احترام حرية الواهب الكاملة في التراجع طالما لم يصدر رضا متبادل ونهائي. أما إذا وصل القبول إلى علم الواهب، فإن الهبة تعتبر قد انعقدت، ولا يجوز له الرجوع عنها إلا في الأحوال التي يجيزها القانون، كحالة الجحود أو الإعسار. وهكذا، فإن لحظة وصول القبول إلى علم الواهب تُعد فاصلة في تحديد ما إذا كان الرجوع عن الإيجاب منتجًا لأثره أم لا.

موت الواهب أو فقده لأهليته قبل وصول الإيجاب إلى الموهوب له :

إذا توفي الواهب أو فقد أهليته القانونية (كأن يُصاب بجنون أو يُحجر عليه) قبل أن يصل إيجابه بالهبة إلى علم الموهوب له، فإن هذا الإيجاب يُعد كأن لم يكن، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، ولا يمكن للموهوب له أن يُتم العقد بالقبول بعد ذلك. ويرجع ذلك إلى أن الإيجاب، قبل أن يصل إلى علم من وُجه إليه، لا يكتسب صفة الإلزام، ويظل مجرد اقتراح يمكن العدول عنه أو يسقط تلقائيًا بوفاة صاحبه أو زوال أهليته. كما أن الهبة بطبيعتها تصرف تبرعي يتطلب إرادة حرة وصحيحة من الواهب وقت انعقاد العقد، فإذا زالت هذه الإرادة قبل إتمام التلاقي بين الإيجاب والقبول، فلا يقوم العقد أصلًا. أما إذا كان الإيجاب قد وصل إلى علم الموهوب له قبل موت الواهب أو فقده لأهليته، فإن العقد يظل قابلاً للانعقاد إذا صدر القبول خلال المدة المناسبة، ما لم يكن الإيجاب مقترنًا بظروف شخصية تجعل الإرادة مرتبطة بشخص الواهب ذاته.

موت الموهوب له أو فقده الأهلية قبل القبول :

إذا توفي الموهوب له أو فقد أهليته القانونية قبل أن يصدر منه القبول الصريح أو الضمني للهبة، فإن العقد لا ينعقد وتعتبر الهبة كأن لم تكن، لأن القبول ركن جوهري في عقد الهبة لا يتم بدونه. ولا يكفي صدور الإيجاب من الواهب، بل لا بد من اقترانه بقبول صحيح يصدر من شخص ذي أهلية، وفي حال وفاة الموهوب له قبل القبول، تنتفي هذه الإمكانية، ولا تنتقل الهبة إلى ورثته، لأنها لم تصبح حقًا مكتسبًا في ذمته بعد. كذلك إذا فقد الموهوب له أهليته قبل القبول، كما في حالات الجنون أو العته أو الحجر، فإن الهبة لا تنعقد، إلا إذا قبلها الولي أو القيم نيابة عنه، وفقًا لما يقرره القانون من ضوابط لحماية عديمي الأهلية وناقصيها. أما إذا كان القبول قد صدر قبل الوفاة أو فقد الأهلية، وكانت الهبة قد اكتملت بالقبض، فإن العقد يُعد تامًا وتنتقل الملكية إلى الموهوب له، ويجوز أن تؤول إلى ورثته بعد وفاته وفقًا لأحكام الميراث.

الوكالة في الهبة :

يجوز قانونًا إبرام عقد الهبة عن طريق الوكالة، سواء من جهة الواهب أو من جهة الموهوب له، ولكن ذلك يخضع لضوابط خاصة بسبب الطبيعة التبرعية للعقد. فإذا كان الوكيل يُمثل الواهب، وجب أن تكون الوكالة خاصة أو منصوصًا فيها صراحة على التبرع، لأن التبرعات لا تفترض، ولا يُفترض أن الوكيل مأذون فيها بمجرد التوكيل العام. أما إذا كان الوكيل يُمثل الموهوب له، فيجوز له قبول الهبة نيابةً عن موكله متى كانت الوكالة تخوله ذلك، ولا يُشترط فيها نفس الصرامة المفروضة على وكالة الواهب. ويجب أن تتوافر في الوكيل الأهلية القانونية للقيام بالتصرف، كما يُشترط القبض باسم الموهوب له حتى تكتمل الهبة، ولا يُعتد بها قبل تمام هذا القبض. وتُطبق على الوكالة في الهبة القواعد العامة للوكالة، غير أن القانون المدني يحتاط في مسائل التبرع، حمايةً لإرادة الواهب وضمانًا لصدور التصرف عن رضا حقيقي، مما يجعل اشتراط التصريح بالتبرع في سند الوكالة من الأمور الجوهرية لصحة الهبة الصادرة عن طريق وكيل.

الشرط الثاني من شروط إنعقاد عقد الهبة

المحل في عقد الهبة :

يُقصد بالمحل في عقد الهبة الشيء الذي يلتزم الواهب بنقله إلى الموهوب له دون عوض، ويُعد المحل من الأركان الجوهرية في صحة العقد. ويشترط في محل الهبة أن يكون مالًا معينًا أو قابلاً للتعيين، وأن يكون موجودًا أو ممكن الوجود وقت إبرام العقد، وأن يكون قابلًا للتعامل فيه قانونًا، أي غير خارج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون، كالأموال العامة أو الأشياء المحرمة. كما يجب أن يكون المال مملوكًا للواهب وقت الهبة، لأن من لا يملك لا يستطيع التبرع، ولا تصح الهبة إذا تعلقت بمال غير مملوك أو بحق ليس للواهب سلطة التصرف فيه. وقد يكون محل الهبة شيئًا ماديًا كعقار أو منقول، أو حقًا معنوياً كحق المؤلف أو براءة اختراع. ويختلف الأثر القانوني للهبة بحسب طبيعة المحل، فإذا كان المحل عقارًا، وجب أن تتم الهبة بعقد رسمي، أما إذا كان منقولًا، فيمكن أن تتم بالرضا والتسليم. وبهذا يُظهر المحل دوره الجوهري في تحديد صحة الهبة ونوع الإجراءات القانونية اللازمة لإبرامها.

تطبيق القواعد العامة :

يخضع عقد الهبة، بوصفه عقدًا من العقود المدنية، إلى القواعد العامة في نظرية العقد المنصوص عليها في القانون المدني، ما لم يرد فيه نص خاص أو يقتضي طبيعته التبرعية خلاف ذلك. فتنطبق عليه القواعد المتعلقة بـالأهلية، والرضا، والمحل، والسبب، وكذلك ما يتعلق بعيوب الإرادة كالغلط والتدليس والإكراه. ويُطبق عليه أيضًا ما تقرره القواعد العامة بشأن بطلان العقود، أو بطلان بعض شروطها، أو قابليتها للإبطال، فضلًا عن أحكام التفسير والتنفيذ والفسخ. ومع ذلك، فإن الطبيعة الخاصة للهبة كتصرف تبرعي تقتضي أحيانًا الحياد عن بعض الأحكام العامة، كما في اشتراط الرسمية لهبة العقار، واشتراط القبض لانعقاد الهبة بوجه عام، وعدم جواز الرجوع فيها إلا بشروط، وكل ذلك حمايةً لإرادة الواهب وتحقيقًا للتوازن بين حرية التبرع والاستقرار القانوني. وبالتالي، فإن تطبيق القواعد العامة يتم في إطار يراعي خصوصية الهبة، فلا يُغفل الطابع التبرعي ولا يتعارض مع المقاصد التي أرادها المشرّع من تنظيم هذا العقد.

هبه الأموال المستقبلة :

لا تجوز الهبة إذا وردت على مال مستقبلي، أي مال لا يملكه الواهب وقت إبرام العقد، وذلك وفقًا للقواعد العامة في القانون المدني التي تشترط أن يكون محل العقد ممكنًا ومملوكًا للمتصرف فيه. فالهبة، باعتبارها تصرفًا ناقلًا للملكية، لا تنعقد إلا إذا كان الواهب مالكًا للشيء محل الهبة عند صدور الإيجاب، لأن التبرع بما لا يُملك يُعد تصرفًا باطلًا لانعدام المحل. ومثال المال المستقبلي: ما يتوقع الشخص امتلاكه في المستقبل عن طريق إرث، أو ما قد يكسبه من تجارة لاحقة. وقد استقر الفقه والقضاء على أن هبة الأموال المستقبلية باطلة بطلانًا مطلقًا، لأنها تفتقر إلى أحد أركان العقد الأساسية، وهو المحل القائم والمشروع. أما إذا كانت الهبة معلقة على شرط، وكان المال محل الهبة موجودًا وقت العقد، فتكون صحيحة بشرط تحقق الشرط. وبهذا يظهر أن القانون المدني يُحيط هبة الأموال بشيء من الحذر، منعًا للتصرف في ما لا يُملك، وضمانًا لاستقرار المعاملات.

محمد منيب المحامى خبير القضايا المدنية فى جمهورية مصر العربية

✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

error: