عقد ” الهبة ” في القانون المدني

عقد ” الهبة ” في القانون المدني

عقد الهبة هو عقد يتصرف بموجبه الواهب في مال مملوك له دون عوض لفائدة الموهوب له، ويُعد من التصرفات القانونية التي تنشأ بالإرادة المنفردة إذا كانت الهبة بدون قبول، أو من العقود إذا كانت مقترنة بالقبول. ويشترط لصحة الهبة توافر الأركان العامة للعقود من رضا ومحل وسبب، بالإضافة إلى وجوب أن يكون الواهب مالكًا للمال محل الهبة، وألا تكون الهبة محظورة بنص القانون. وقد يشترط القانون شكلاً معينًا لإبرام الهبة، كالهبة العقارية التي لا تتم إلا بعقد رسمي. كما يجوز للواهب أن يُقيد هبته بشرط أو قيد معين، ما لم يكن ذلك مخالفًا للنظام العام أو الآداب. ويجوز الرجوع في الهبة في حالات حددها القانون كالجحود من الموهوب له، أو وقوع عذر مقبول، ولكن لا يجوز الرجوع فيها إذا كانت لذوي الرحم أو تمت بعوض أو ترتب عليها التزام في ذمة الموهوب له.

التنظيم التشريعي لعقد الهبة :

نظّم القانون المدني عقد الهبة في إطار دقيق يوازن بين حرية التبرع وضرورة حماية أطراف العقد. وقد خصّص المشرّع لهذا العقد بابًا مستقلًا ضمن العقود المسماة، تناول فيه تعريف الهبة، وشروطها، وآثارها، وأسباب بطلانها أو الرجوع فيها. ويبدأ التنظيم من المادة 486 إلى المادة 500 من القانون المدني المصري، حيث عرّف الهبة بأنها تبرع بالمال دون عوض، وبيّن أن الهبة لا تكون ملزمة إلا بالقبول، وأنها قد تكون بعوض رمزي أو معنوي. كما أوجب في بعض الحالات الشكل الرسمي، خاصة إذا تعلقت الهبة بعقارات. وراعى المشرّع التفرقة بين الهبة التعاقدية والهبة بالإرادة المنفردة، وأوضح آثارها، كالالتزام بتسليم الشيء الموهوب وضمان استحقاقه. ومنع الرجوع في الهبة إلا بشروط محددة حمايةً لاستقرار المعاملات، مع استثناءات تتعلق بالجحود أو الإعسار المفاجئ للواهب. ويُظهر هذا التنظيم التشريعي حرص المشرّع على ضبط الهبة كتصرف خطير من حيث الأثر، لما فيه من خروج المال من الذمة دون مقابل.

خصائص عقد الهبة

اولا : الهبة عقد بين الأحياء :

تُعد الهبة من العقود التي تبرم بين الأحياء، أي أنها تصدر من شخص حي إلى آخر حي حال حياته، وتُنتج آثارها القانونية فور انعقادها، بخلاف الوصية التي لا تنفذ إلا بعد وفاة الموصي. ويترتب على اعتبار الهبة عقدًا بين الأحياء أنها تخضع للقواعد العامة للعقود من حيث الأهلية، والرضا، والمحل، والسبب، ويجوز الرجوع فيها بشروط معينة خلال حياة الواهب، كما يجوز الطعن عليها ببطلان أو بفساد إذا اختلت أركانها أو شابها عيب في الإرادة. ولا يُشترط في الهبة أن تكون مقترنة بسبب الوفاة، بل تقوم على إرادة فورية في التبرع، ويترتب عليها انتقال الملكية إلى الموهوب له حالًا أو بعد تحقق شرط معين، ولكن دائمًا في حياة الطرفين. ولهذا تخضع الهبة لضريبة التصرفات العقارية إذا كانت متعلقة بعقار، ولا تعامل معاملة التركات أو الوصايا، مما يميزها من حيث الطبيعة القانونية والآثار المترتبة عليها.

ثانيا : تصرف الواهب في ماله :

يُعد تصرف الواهب في ماله عن طريق الهبة من أبرز صور التبرعات، حيث يخرج المال من ذمته بغير مقابل إلى ذمة الموهوب له، وهو تصرف قانوني يجب أن يصدر من شخص له أهلية التبرع، أي أن يكون مالكًا للشـيء الموهوب ومتمتعًا بالأهلية الكاملة للتصرف. ويملك الواهب حرية التبرع في ماله كله أو بعضه، ما لم يكن التصرف مُخالفًا للقانون أو النظام العام، كما إذا أضرّ بحقوق الورثة في حال اقتراب الوفاة، حيث يُعامل في هذه الحالة معاملة الوصية. ويشترط في المال محل الهبة أن يكون موجودًا ومملوكًا للواهب وقت الهبة، وألا يكون مما لا يجوز التبرع به قانونًا، كالأموال العامة. ويجوز للواهب أن يشترط شروطًا في تصرفه، كاستفادة الموهوب له بعد مدة أو بتحقق أمر معين، بشرط ألا يكون الشرط غير مشروع. ويُظهر تصرف الواهب في ماله عن طريق الهبة طابع الحرية الشخصية، ولكنه في الوقت نفسه يخضع لرقابة القانون منعًا للإضرار بالغير أو التحايل على الحقوق.

ثالثا : التصرف في المال بدون عوض :

يُقصد بالتصرف في المال بدون عوض، كل تصرف قانوني يخرج بمقتضاه المال من ذمة شخص إلى ذمة شخص آخر دون أن يتقاضى مقابلًا أو عوضًا، ويُعد من أبرز صوره عقد الهبة، وكذلك الوصية. ويمتاز هذا النوع من التصرفات بطابع التبرع، حيث يُقدِم المتصرف على نقل ملكية المال بدافع العطاء أو الإحسان أو المودة، لا بغرض تحقيق مصلحة مادية. ويشترط لصحة هذا التصرف توافر الأهلية الكاملة في المتبرع، وأن يكون المال محلًا جائزًا للتصرف فيه. كما أن القانون يفرض عليه بعض القيود حمايةً لمصالح الغير، مثل عدم الإضرار بحقوق الدائنين أو الورثة، أو الحيلولة دون التحايل على النصوص المتعلقة بالوصية والمواريث. ويُخضع القانون هذا التصرف لبعض الشروط الشكلية، خاصة إذا تعلق بعقار أو مال ذي قيمة كبيرة. ورغم أن التصرف بدون عوض يتم بمحض الإرادة، إلا أن القانون قد يجيز الرجوع فيه أو إبطاله في حالات معينة كالغش أو الجحود أو الإعسار، وذلك حفاظًا على العدالة ومبدأ حسن النية.

رابعا : نية التبرع :

تُعد نية التبرع الركن المعنوي الجوهري في عقد الهبة، إذ لا تُعتبر الهبة صحيحة إلا إذا توافرت لدى الواهب إرادة حرة ومجردة في التخلي عن المال دون انتظار مقابل أو عوض. فالهبة لا تقوم على مجرد نقل الملكية، بل على إرادة صادقة في الإثراء المجاني للموهوب له. وتُستخلص نية التبرع من ظروف العقد وملابساته، وقد تكون صريحة أو ضمنية، ويقع عبء إثباتها على من يتمسك بوجود الهبة، خاصة إذا أنكرها الواهب أو ورثته. ولا يُفترض التبرع في التعامل، بل الأصل في التصرفات أنها معاوضات، ولذلك فإن أي شك في نية التبرع يُفسر لصالح عدم وجود الهبة. وتُميّز نية التبرع الهبة عن العقود الأخرى التي قد تُشبهها في الشكل، كعقد البيع بثمن رمزي، أو القرض بدون فائدة، إذ لا يكفي غياب العوض الظاهر، بل لا بد من قيام القصد إلى التبرع نفسه. ولهذا تُعد نية التبرع العنصر الذي يضفي على الهبة طابعها التبرعي الخالص، ويُبرر ما تخضع له من قواعد خاصة في القانون المدني.

أكبر محامى في القضايا المدنية المستشار / محمد منيب المحامى

13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774 

error: