المرتب غير قابل للإستبدال في القانون المدني
الأصل في القانون المدني أن المرتب، سواء كان دائمًا أو مدى الحياة، قابل للاستبدال، بمعنى أن للمدين أن يعرض على الدائن مبلغًا دفعة واحدة لتحريره من الالتزام الدوري. ومع ذلك، قد ينص العقد على أن المرتب غير قابل للاستبدال، وهنا يثور التساؤل حول مدى صحة هذا الشرط. وقد استقر الفقه والقضاء على أن الاتفاق على عدم قابلية المرتب للاستبدال يُعد باطلًا لمخالفته للنظام العام، لأن القانون يمنح المدين حق الاستبدال كوسيلة للتحرر من التزام مستمر ومرهق، ولا يجوز تعطيل هذا الحق بإرادة الطرفين. وبالتالي، حتى لو ورد في العقد شرط يمنع الاستبدال، فإنه يُعد كأن لم يكن، ويظل للمدين الحق في طلب الاستبدال بالشروط القانونية، خصوصًا في المرتب الدائم المنصوص عليه في المادة 546 من القانون المدني المصري.
مكررا – الأصل قابلية المرتب للحجز والتحويل
الأصل في المرتب، سواء كان دائمًا أو مدى الحياة، أنه قابل للحجز والتحويل شأنه شأن أي حق مالي دوري يملكه الدائن، ما دام لا يتعلق بنفقة ضرورية أو مصدر رزق لا غنى عنه. ويستند ذلك إلى أن المرتب يُعد مالًا ذا قيمة، ويمكن للدائن استعماله للوفاء بديونه أو تحويله للغير. ومع ذلك، إذا كان المرتب مقرَّرًا على سبيل النفقة أو التبرع لغرض معيشي، فإن القانون يُقيّده بقيود الحماية الاجتماعية، فلا يجوز الحجز عليه إلا في الحدود التي يقررها القانون، تطبيقًا لنصوص الحجز على الدخل أو الرواتب أو النفقة، حمايةً للمدين من الوقوع في العوز. أما إذا كان المرتب ناتجًا عن معاوضة أو مقابل، كأن يكون ثمرة بيع أو تصرف مالي، فإنه يُعامل كحق مالي عادي، ويجوز حجزه وتحويله كليًا أو جزئيًا حسب الأحوال، وفقًا للقواعد العامة في التنفيذ على الأموال.
النص القانوني للمادة 744 مدني :-
لا يصح أن يشترط عدم جواز الحجز على المرتب إلا إذا كان قد قرر على سبيل التبرع .
سقوط المرتب وأقساطة بالتقادم :
يخضع المرتب، سواء أكان دائمًا أم مدى الحياة، لأحكام التقادم المسقط شأنه شأن سائر الحقوق الشخصية. وتنص القواعد العامة في القانون المدني على أن الحقوق الدورية المتجددة، كأقساط المرتب، تتقادم بانقضاء خمس سنوات من تاريخ استحقاق كل قسط على حدة، ما لم يكن هناك سبب قانوني يوقف أو يقطع هذا التقادم. وبالتالي، فإن كل قسط لا يطالب به الدائن خلال خمس سنوات من تاريخ حلول أجله، يسقط بالتقادم، ولا يمكن اقتضاؤه قضاءً، إلا إذا اعترف المدين به أو وُجد ما يقطع سريان التقادم. ويهدف هذا الحكم إلى حماية المدين من تراكم الأقساط غير المطالب بها، وتشجيع الدائن على المطالبة بحقوقه في الوقت المناسب. ومع ذلك، لا يسقط الحق في المرتب كليًا بالتقادم، وإنما تسقط فقط الأقساط المستحقة التي مضت عليها المدة دون مطالبة.
جزاء الإخلال بإلتزام المدين بأداء المرتب :
إذا أخلّ المدين بالتزامه بأداء أقساط المرتب في مواعيدها، سواء كان المرتب دائمًا أو مدى الحياة، ترتب على ذلك جزاءات قانونية تختلف باختلاف جسامة الإخلال وظروفه. ففي الأحوال العادية، يكون للدائن أن يطالب بالوفاء القضائي، مضافًا إليه الفوائد التأخيرية أو التعويض إذا ترتب على التأخير ضرر. أما إذا كان الإخلال جسيماً، كأن يمتنع المدين عن دفع المرتب سنتين متواليتين رغم إنذاره، أو إذا ثبت إفلاسه أو إعساره أو تقصيره في تقديم التأمينات المتفق عليها، فإن القانون يمنح الدائن حقًا أخطر، وهو المطالبة بـاستبدال المرتب جبريًا، أي أن يتقاضى مبلغًا إجماليًا يُحدد وفق قواعد الاستبدال بدلاً من الاستمرار في تقاضي الأقساط الدورية. وهذا الجزاء يوازن بين مصلحة الدائن في ضمان حقه، وبين حماية المدين من التعسف في التنفيذ مع إعطائه فرصة لتسوية وضعه.
النص القانوني للمادة 746 مدني :-
إذا لم يقم المدين بالتزامه كان للمستحق أن يطلب تنفيذ العقد ، فإن كان العقد بعوض جاز له أيضاً أن يطلب فسخه مع التعويض إن كان له محل .
جزاء الإخلال بإلتزام المدين بأداء المرتب
(أ) التنفيذ العيني :
إذا أخل المدين بالتزامه بأداء أقساط المرتب في مواعيدها، فإن الجزاء الطبيعي لهذا الإخلال هو التنفيذ العيني الجبري، أي أن يُجبر المدين على أداء المرتب المتأخر عينيًا، أي بنفس الشكل الذي التزم به، سواء كان مبلغًا دوريًا من النقود أو غيره. ويجوز للدائن أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بإلزام المدين بالوفاء، وقد يقترن ذلك بتوقيع فوائد تأخيرية أو تعويضات عن الأضرار الناتجة عن التأخير. ولا يُستعاض عن التنفيذ العيني بالتنفيذ بمقابل (أي التعويض المالي) إلا إذا استحال التنفيذ العيني. غير أن القانون قد يجيز – في حالات معينة – استبدال المرتب جبريًا، كما في حالة تكرار امتناع المدين عن الوفاء أو إعساره، وهو ما يُعد صورة استثنائية من الجزاء تخرج عن القاعدة العامة في التنفيذ العيني، لكنها تظل مبنية على حماية مصلحة الدائن وضمان استقرار حقه الدوري.
(ب) فسخ العقد :
إذا أخل المدين بالتزامه بأداء المرتب في مواعيده، فإنه يجوز للدائن – في بعض الحالات – أن يطلب فسخ العقد باعتباره جزاءً من جزاءات الإخلال بالالتزام، وذلك متى كان العقد من العقود الملزمة للجانبين، وكان إخلال المدين جسيمًا بحيث يُفقد الدائن ما كان له من فائدة في العقد. غير أن الفسخ لا يُعد الجزاء المعتاد في عقود المرتب، نظرًا لطبيعتها الزمنية واستمرار آثارها، ولأن الدائن قد استوفى جزءًا من الأداء على فترات، مما يجعل من الصعب إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد. ولهذا، يميل القضاء عادةً إلى التنفيذ العيني أو الاستبدال الجبري بدلًا من الفسخ، إلا إذا تبين أن الاستمرار في العقد أصبح غير مجدٍ للدائن. ومع ذلك، يظل الفسخ واردًا في الحالات التي يتعذر فيها التنفيذ أو يُظهر فيها المدين سوء نية جسيمًا يؤدي إلى الإضرار بالدائن، ويشترط في ذلك الإنذار وتقدير القاضي لجسامة الإخلال.
إنقضاء عقد المرتب مدى الحياة :
ينقضي عقد المرتب مدى الحياة بحلول الأجل المحدد له قانونًا أو اتفاقًا، إذ أن طبيعته الاحتمالية تقتضي أن يكون مقيدًا بمدة حياة الشخص الذي قُرر لمصلحته أو لمجرد حياته، سواء كان هو الدائن أو الغير. وبالتالي، فإن الوفاة تُعد السبب الطبيعي لانقضاء العقد، ولا ينتقل المرتب بعد الوفاة إلى الورثة، لأن الحق فيه ليس إرثيًا بل مرتبط بشخص المستفيد. كما قد ينقضي العقد أيضًا في حالات أخرى، مثل اتفاق الطرفين على إنهائه، أو تحقق شرط فاسخ وارد في العقد، أو الاستبدال الجبري أو الاختياري للمرتب بمبلغ مقطوع. وفي جميع الأحوال، فإن الطابع الزمني والاحتمالي لعقد المرتب مدى الحياة يجعل انقضاءه مرهونًا غالبًا بزوال الاعتبار الشخصي الذي أنشئ من أجله.
13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774