وجوب أن يكون العقد الساتر للهبة مستوفيا لشروط إنعقاد في الظاهر في القانون المدني
حتى تُعتبر الهبة المستترة صحيحة في القانون المدني، يجب أن يكون العقد الظاهري الذي يُخفي نية التبرع – كعقد البيع أو الإيجار أو غيره – قائمًا في الظاهر مستوفيًا لجميع شروط الانعقاد الشكلية والموضوعية. فالعقد الساتر للهبة لا يجوز أن يكون باطلًا أو معدومًا من حيث الشكل أو من حيث الأركان الأساسية للعقد، وإلا انهارت الحيلة وسقط التصرف في مجموعه. ويُقصد بذلك أن العقد الظاهري يجب أن يتضمن إرادتين صحيحتين، ومحلًا مشروعًا، وسببًا ظاهرًا يتفق مع طبيعته، حتى ولو لم يكن هو السبب الحقيقي. فإذا ظهر مثلًا أن عقد البيع لم يتضمن ثمنًا أو تضمن ثمنًا غير جدي، فقد يُعد العقد صوريًّا صِرفًا وليس ساترًا لهبة، مما قد يؤدي إلى بطلانه. وعلى هذا، فنجاح الهبة المستترة قانونًا يتوقف على صلاحية العقد الساتر في الظاهر، مع بقاء نية التبرع خفية عن السند الرسمي.
إثبات الهبة المستترة في القانون المدني :
الهبة المستترة في الواقع عقد صوري كما رأينا . ومن ثم فإن إثباتها يكون طبقا للقواعد العامة في إثبات الصورية .
وهذه القواعد تفرق بين العاقدين والغير .
فبالنسبة للعاقدين إذا ادعي المتصرف أن البيع الصادر منه إلي المشتري ليس إلا هبة مستترة ، وأنه يريد الرجوع في الهبة ، فإن إثبات الهبة وهي العقد الحقيقي يكون بالكتابة إذا زادت قيمة المال الموهوب علي خمسمائة جنيه أو كان العقد الساتر ثابتا بالكتابة ، وذلك ما لم يوجد مانع من موانع الحصول علي دليل كتابي .
ويكون وسيلة ذلك هي ورقة الضد الذي يحصل عليها أحد المتعاقدين وقت تحرير العقد
أما بالنسبة للغير ، كالدائن إذا طعن في الهبة المستترة بالدعوي الصورية ، فيجوز له أن يثبت بكافة طرق الإثبات القانونية – بما فيها البيئة والقرائن أن العقد الظاهر يخفي في الحقيقة هبة .
النوع الثاني : الهبة غير المباشرة
تعريف الهبة غير المباشرة :
الهبة غير المباشرة هي تصرف قانوني يتخذ شكلًا مغايرًا للهبة الصريحة، بحيث يُخفي في مضمونه نية التبرع دون أن يُفصح عنها صراحة، ودون أن يُبرم كعقد هبة بالشكل المقرر قانونًا. ويكون الغرض الحقيقي منها تمليك الموهوب له دون مقابل، ولكن في صورة عقد آخر – كأن يتنازل شخص عن دين له دون عوض، أو يبيع شيئًا بثمن بخس لا يُنتظر عادة من عاقل، أو يوفّي دينًا على الغير دون رجوع عليه. وتتميز الهبة غير المباشرة عن الهبة المستترة بأن المتصرف لا يتخذ فيها وسيلة صورية، بل يقوم بتصرف قانوني حقيقي يحمل مظهر المعاوضة، لكن تُستخلص نية التبرع منه من ظروف وملابسات معينة، وهي تخرج من نطاق الشكلية المفروضة على الهبة الصريحة متى ثبتت نية التبرع بصورة قاطعة.
أمثلة للهبات غير المباشرة
التنازل أو الترك لمصلحة آخر :
يُعد التنازل أو الترك لمصلحة الغير من صور التصرفات القانونية التي قد تنطوي على نية التبرع، ويُصنّف – في حالات معينة – كنوع من الهبة غير المباشرة. فمتى قام شخص بترك حق له، أو بالتنازل عن مال مملوك له، دون أن يحصل على مقابل، وكان ذلك لمصلحة شخص معين، دلّ ذلك على وجود قصد التبرع، حتى وإن لم يُعلن صراحة. كأن يتنازل الدائن عن دينه للمدين دون مقابل، أو يترك أحد الشركاء نصيبه في المال الشائع لشريك آخر مجانًا، أو يتنازل المالك عن حق ارتفاق دون مقابل لمصلحة الجار. هذا التنازل يُعتبر تصرفًا قانونيًا يتم بعنصر الإرادة، وقد يُستدل منه على وجود هبة غير مباشرة إذا توافرت فيه نية التبرع، مما يجعله خاضعًا للأحكام المتعلقة بها من حيث الإثبات والآثار.
الإبراء من الدين :
الإبراء من الدين هو تصرف قانوني يصدر من الدائن بإرادته المنفردة، يتنازل بمقتضاه عن حقه في الدين قاصدًا إبراء المدين من الالتزام، دون أن يتقاضى في المقابل أي عوض. ويُعد الإبراء من الدين من صور الهبة غير المباشرة، لأنه يؤدي إلى إبراء ذمة المدين دون مقابل، أي أنه يحمل في جوهره نية التبرع، وإن لم يُبرم في صورة عقد هبة رسمي. ويترتب على الإبراء انقضاء الالتزام، بشرط أن يكون صريحًا وواضحًا، وأن يصدر من الدائن وهو متمتع بالأهلية، وأن يُقبل من المدين – صراحة أو ضمنًا – باعتبار أن ذلك يؤدي إلى إسقاط الدين لمصلحته. ويُثبت الإبراء بكافة طرق الإثبات، ما لم يكن متعلقًا بدين يتطلب الكتابة، فيشترط حينها الإثبات الكتابي وفقًا للقواعد العامة.
الإشتراط لمصلحة الغير :
الاشتراط لمصلحة الغير هو اتفاق يُبرم بين شخصين، يشترط فيه أحدهما (الاشتراط) على الطرف الآخر التزامًا لصالح شخص ثالث (المنتفع)، بحيث يكتسب هذا الأخير حقًا مباشرًا في مواجهة المُلتزم دون أن يكون طرفًا في العقد. ويُعد هذا النظام استثناءً على القاعدة العامة في العقود التي تقضي بأن آثار العقد لا تنصرف إلا إلى أطرافه. ويشترط لصحة الاشتراط لمصلحة الغير أن يكون الاشتراط واضحًا وصريحًا، وأن يكون للمنتفع مصلحة مشروعة، سواء كان معينًا وقت العقد أو قابلاً للتعيين مستقبلًا. ويستطيع المنتفع أن يتمسك بحقه الناتج عن العقد، كما يجوز له رفضه. ويترتب على هذا الاشتراط التزام الملتزم بتنفيذ ما اشترط عليه لصالح الغير، ويجوز للاشتراط نفسه الرجوع عن اشتراطه ما لم يكن المنتفع قد قبله أو تمسك به.
حوالة الحق :
حوالة الحق هي تصرف قانوني بمقتضاه ينقل الدائن (المحيل) حقًا شخصيًا له في ذمة مدين (المحـال عليه) إلى شخص آخر (المحال له)، دون حاجة إلى رضا المدين. وتُعد الحوالة من وسائل انتقال الحقوق وتداولها، وتتم عادة بعقد بين المحيل والمحال له، يُنتج أثره بمجرد انعقاده، إلا أن نفاذه في حق المدين يتطلب إعلانه بالحوالة أو قبوله لها. ولا يترتب على الحوالة أي تغيير في مضمون الحق أو في ضماناته، كما يجوز للمدين أن يتمسك تجاه المحال له بكل الدفوع التي كان له أن يتمسك بها في مواجهة المحيل، كالدفع بالبطلان أو الوفاء أو التقادم. وتخضع الحوالة من حيث الشروط والآثار للقواعد العامة في الالتزامات والعقود، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
قبول المحال عليه لحوالة الدين دون مقابل :
عندما يقبل المحال عليه (المدين الجديد) حوالة الدين دون أن يتقاضى مقابلًا من المدين الأصلي (المحيل)، فإن تصرفه يُعد تبرعيًا، لأنه يتحمل التزامًا بدين لمصلحـة الغير دون أن ينتفع بشيء. ولهذا السبب، تُخضع هذه الحوالة في كثير من الأحيان للأحكام الخاصة بالتصرفات التبرعية، وخاصة من حيث مدى أهلية المحال عليه، وضرورة ثبوت نيّة التبرع، وتقدير مدى جواز رجوع الدائن أو المحيل عليه في بعض الحالات. كما يُلاحظ أن هذا النوع من الحوالة قد يكون قريبًا من الهبة في طبيعته، مما يستوجب مراعاة الشروط الشكلية أو الموضوعية التي تُفرض على الهبات، خاصة إذا كان الدين محل الحوالة كبيرًا أو كانت الحوالة صادرة في ظروف خاصة، كمرض الموت.
عقد الإكتتاب :
عقد الاكتتاب هو تصرف قانوني يصدر عن شخص يُسمى “المكتتب”، يعبّر فيه عن إرادته في الدخول شريكًا في شركة تحت التأسيس، وذلك من خلال التزامه بالمساهمة في رأس مالها عن طريق دفع قيمة عدد معين من الأسهم. ويُعد الاكتتاب تعبيرًا عن الإيجاب، يُصبح ملزمًا للمكتتب متى قبِلته الشركة أو تم تأسيسها بصفة نهائية. ويخضع عقد الاكتتاب في الشركات المساهمة – بوجه خاص – لقواعد خاصة نص عليها القانون، سواء من حيث الشكل أو الإجراءات، كضرورة أن يكون الاكتتاب في وثيقة رسمية، ووجوب دفع نسبة معينة من قيمة السهم وقت الاكتتاب. ويترتب على العقد التزام المكتتب بدفع كامل قيمة الأسهم خلال المواعيد المحددة، كما تنشأ له حقوق الشريك في الأرباح والمشاركة في إدارة الشركة وفقًا لنوعها ونظامها الأساسي.
التعاقد عن الغير :
التعاقد عن الغير هو تصرف قانوني يبرمه شخص يُسمى “النائب” أو “الوكيل” باسم ولحساب شخص آخر يُسمى “الأصيل” أو “الغير”، بحيث تنصرف آثار العقد مباشرة إلى هذا الغير. ويستلزم هذا النوع من التعاقد وجود نيابة قانونية أو اتفاقية تخوّل النائب سلطة التعاقد باسم الأصيل. ويُشترط لصحة التعاقد عن الغير أن يُظهر النائب صفته عند إبرام العقد، وإلا التزم شخصيًا بما تعاقد عليه، إلا إذا كان العاقد الآخر يعلم بوجود النيابة. ويترتب على التعاقد الصحيح عن الغير انتقال الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد إلى الأصيل مباشرة، دون حاجة لتصريح أو إقرار لاحق، ما لم يكن النائب قد تجاوز حدود نيابته، ففي هذه الحالة لا يُلزم الأصيل إلا إذا أجاز التصرف.
عقود الضمان :
عقود الضمان هي تلك العقود التي يلتزم فيها شخص، يُسمى “الضامن”، بأن يفي بالتزام معين إذا لم يقم المدين الأصلي بالوفاء به، ويُعد عقد الكفالة أبرز صور هذه العقود. وتقوم عقود الضمان على وجود علاقة بين ثلاثة أطراف: الدائن، والمدين، والضامن. وتهدف هذه العقود إلى تعزيز الثقة والائتمان في المعاملات، من خلال توفير ضمان إضافي للدائن يمكن الرجوع إليه إذا أخل المدين بالتزامه. وتخضع هذه العقود لمبدأ الرضائية، ولكن يشترط فيها أن يكون محل الضمان مشروعًا وممكنًا، كما قد يتطلب القانون شكلاً خاصًا في بعض الحالات كالكفالة الرسمية. وتُعتبر عقود الضمان ذات طبيعة تبعية، حيث لا تنشأ إلا إذا وُجد التزام أصلي، ولا تظل قائمة إذا انقضى هذا الالتزام لأي سبب.
ضرورة توافر الشروط الموضوعية للهبة :
تُعد الشروط الموضوعية من العناصر الجوهرية لانعقاد عقد الهبة، شأنه في ذلك شأن سائر العقود. وتتمثل هذه الشروط في توافر الرضاء السليم من الطرفين، والمحل المشروع الممكن التحديد، والسبب المشروع. فيجب أن يصدر الإيجاب والقبول من ذوي أهلية قانونية للتبرع، وأن يكون خاليًا من عيوب الإرادة كالغلط أو الإكراه أو الغش. كما يجب أن يكون محل الهبة مالًا معينًا أو قابلاً للتعيين ومملوكًا للواهب وقت التعاقد، وألا يكون من الأموال المستقبلية. أما السبب، فيجب أن يكون مشروعًا، والمتمثل في نية التبرع بلا مقابل. فإذا اختل أحد هذه الشروط، بَطَلَ عقد الهبة لافتقاده أحد أركان العقد الجوهرية، ويترتب على ذلك عدم إنتاجه لآثاره القانونية.
إثبات الهبة الغير مباشرة :
تُعد الهبة غير المباشرة من التصرفات التي لا تتخذ شكل الهبة الصريح، بل تتم من خلال تصرف قانوني آخر يُخفي نية التبرع، كالإبراء من الدين أو التنازل عن حق دون مقابل. ونظرًا لعدم خضوع هذه الهبة لشرط الشكلية الذي يتطلبه القانون في الهبة الصريحة، فإن إثباتها لا يتقيد بضرورة وجود محرر رسمي، وإنما يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات، بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن، متى وُجدت نية التبرع لدى الواهب وثبت أن التصرف تم بلا عوض حقيقي. ويُناط بالقضاء التحقق من توافر نية التبرع من خلال ملابسات التصرف وظروفه، لأن هذه النية هي التي تميز الهبة غير المباشرة عن غيرها من التصرفات المجانية أو المعاوضات الصورية.
المستشار محمد منيب المحامى- خبرة 20 سنة فى القوانين والمحاماة
ماجستير القانون الدولى
دراسات عليا في القانون الخاص
موقع محامى مصر . كوم
MohamyMasr.Com
المستشار القانونى: محمد منيب المحامى
عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني