عقد العارية في القانون المدني

عقد العارية في القانون المدني

عقد العارية في القانون المدني هو عقد يُلزم بمقتضاه أحد الطرفين، ويُسمى المعير، بأن يُعير الآخر، ويُسمى المستعير، شيئًا معينًا غير قابل للاستهلاك، ليستعمله دون مقابل، على أن يرده بعد الاستعمال. ويُعد عقد العارية من العقود التبرعية التي لا يُقابل فيها التزام المعير أي عوض، كما أنه من عقود الانتفاع، إذ يُخول للمستعير استعمال الشيء فقط دون تملكه. ويلتزم المستعير بالمحافظة على الشيء المستعار، وعدم استعماله إلا فيما خصص له، وردّه عند انتهاء العارية، وإلا كان مسؤولًا عن التلف أو الهلاك، خاصة إذا استعمله على وجه مخالف أو تأخر في الرد. ويجوز للمعير أن يسترد الشيء في أي وقت إذا لم يُحدد في العقد أجل معين للعارية، ما لم تكن هناك ضرورة تقتضي بقاء الشيء مع المستعير مؤقتًا.

التنظيم التشريعي لعقد العارية في القانون المدني :

أوردت التنظيم التشريعي لعقد العارية المذكرة الإيضاحية المشروع التقنين المدنى الجديد تحت عنوان (نظر عامة ) ، وقد جاء بها :” وضعت العارية إلى جانب عقد الإيجار باعتبارهما من العقود التي ترد على المنفعة كما أشير إلى ذلك في باب القرض .

واتبع في ترتيب أحكامها ترتيبا منطقيا كما اتبع في غيرهما من العقود المشابهة لها ، فعرفت العارية ، ثم ذكرت التزامات المعير، فالتزامات المستعير ، وختم الموضوع بأسباب انقضاء العارية .

ويختلف المشروع عن التقنين الحالي في مسائل أهمها ما يأتي :

١- جعل المشروع العارية عقدا رضائيا ، وهو عيني في التقنين الحالي وذلك تمشيا مع التطور الحديث ، وطبقا لما أخذه به في عقد القرض.

٢- بين المشروع بوضوح أن العارية عقد ملزم للجانبين .

وضع المشروع أحكام المصروفات التي يقوم بها المستعير ، فبين حكم المصروفات الضرورية والنافعة ونفقات الصيانة والنفقات اللازمة لاستعمال الشئ كما بين حكم ضمان الاستحقاق وضمان العيوب الخفية.

خصائص عقد العارية

العارية عقد رضائي :

العارية تُعد من العقود الرضائية في القانون المدني، أي أنها تنعقد بمجرد تراضي الطرفين، دون اشتراط شكلية خاصة أو تحرير عقد مكتوب. فيكفي أن يُعرب المعير عن إرادته في تمكين المستعير من الانتفاع بشيء معين بغير مقابل، وأن يقبل المستعير هذا العرض، حتى ينعقد العقد قانونًا. ولا يشترط المشرّع كتابة العارية أو تسجيلها، إلا إذا تعلقت بعقار وكان هناك نص خاص يوجب ذلك. ورغم أن العارية عقد رضائي، إلا أن تسليم الشيء يُعد أمرًا لازمًا لتنفيذ العقد وليس لانعقاده، فلا تنتج العارية آثارها القانونية إلا بعد وضع الشيء تحت يد المستعير. وتُظهر رضائية العارية طبيعتها التبرعية، حيث تقوم على الثقة والإرادة الحرة بين الطرفين دون تقيد بشكل معين، ما لم تتطلب ظروف خاصة إثباتها بطريقة رسمية.

العارية عقد ملزم للجانبين :

رغم أن العارية عقد تبرعي، إلا أنها تُعد من العقود الملزمة للجانبين بمجرد تنفيذها، أي بعد تسليم الشيء إلى المستعير، إذ تنشأ التزامات متبادلة بين الطرفين. فالمعير يلتزم بتمكين المستعير من الانتفاع بالشيء طوال مدة العارية دون أن يتعرض له، في حين يلتزم المستعير بالمحافظة على الشيء المستعار، واستعماله وفق الغرض المتفق عليه، ثم ردّه عند انتهاء العارية. وإذا أخلّ أي من الطرفين بالتزامه، جاز للطرف الآخر الرجوع عليه بالتعويض أو المطالبة بفسخ العقد. وهكذا، فإن تنفيذ العارية يُحوّلها من عقد تبرعي بسيط إلى عقد تنشأ فيه التزامات قانونية متبادلة، مما يُبرر وصفها بأنها عقد ملزم للجانبين من حيث الآثار.

العارية من عقود التبرع :

تُعد العارية من عقود التبرع في القانون المدني، لأنها تُبرم دون أن يحصل المعير على مقابل من المستعير لقاء الانتفاع بالشيء. فالمعير يُمكِّن المستعير من استعمال شيء معين لفترة مؤقتة دون أن يطلب عوضًا ماديًا، وهو ما يُميز العارية عن عقود المعاوضة مثل الإيجار. ويقوم هذا العقد على نية التبرع، التي تُعد ركناً معنوياً أساسياً فيه، وتعكس رغبة المعير في الإحسان دون نية الربح. ومن ثم، فإن العارية تُفسَّر دائمًا تفسيرًا ضيّقًا ولا تُفترض، بل يجب إثبات قيام المعير بالتنازل المجاني عن المنفعة. ويترتب على كون العارية تبرعية أن التزامات المعير فيها أقل من التزامات من يُبرم عقدًا معاوضيًا، فلا يُسأل عن العيوب الظاهرة في الشيء إلا إذا تعمّد إخفاءها أو كان الضرر جسيمًا.

عقد الهبة يخول المستعير إستعمال الشئ لا إستغلاله :

عقد الهبة يخول المستعير أن يستعمل الشئ لا أن يستغله ويده عليه يد عارضة ، فالثمار والحيازة القانونية تكون للمعير . ولما كانت العارية لا تنقل الملكية إلى المستعير ، فليس من الضروري أن يكون المعير مالكا للشئ المعار ، بل يجوز أن يكون حائزا كالمنتفع ، أو صاحب يد عارضة كالمستأجر .

تمييز عقد العارية عما يلتبس به من العقود الأخرى

العارية والإيجار :

تُعد العارية والإيجار من العقود التي تتشابه في منح الحق في الانتفاع بشيء معين، إلا أن بينهما فروقًا جوهرية. فالعارية عقد تبرع يُمكِّن المستعير من استعمال الشيء مجانًا، دون مقابل، بينما الإيجار عقد معاوضة يلتزم فيه المستأجر بدفع أجر معلوم مقابل الانتفاع. كما أن العارية غالبًا ما تُمنح بدافع الثقة أو الاعتبار الشخصي، وقد تكون قصيرة الأجل وغير قابلة للتجديد، في حين أن الإيجار يقوم على اعتبارات تجارية أو اقتصادية ويُبرم غالبًا لمدة محددة قابلة للامتداد أو التجديد. كذلك، في العارية يظل المعير مسؤولًا عن العيوب الخفية التي يعلم بها ولم يُبلغ بها المستعير، أما في الإيجار فيلتزم المؤجر بتهيئة الشيء للانتفاع وصيانته طوال مدة العقد. وبالتالي، فإن العارية تمنح حق استعمال محدودًا ومؤقتًا، بينما يمنح الإيجار حق انتفاع أشمل لقاء مقابل مالي.

العارية والهبة :

تختلف العارية عن الهبة رغم أن كليهما من عقود التبرع، إلا أن التمييز بينهما يقوم على طبيعة الحق المنقول إلى الطرف الآخر. فعقد العارية يمنح المستعير حق الاستعمال المؤقت لشيء معين دون مقابل، مع التزامه برد ذات الشيء بعد انتهاء الغرض من استعماله، أما في عقد الهبة فيُنقل الملكية الكاملة للشيء الموهوب إلى الموهوب له دون التزام بالرد. كما أن العارية تُبقي المعير مالكًا للشيء، وتُقيّد المستعير بعدم التصرف فيه، بينما يصبح الموهوب له في الهبة حرًا في التصرف في الشيء الموهوب باعتباره مالكه. كذلك، فإن الهبة قد تكون بعوض في بعض الحالات، أما العارية فتبقى دائمًا عقدًا مجانيًا دون مقابل.

العارية والوديعة :

تختلف العارية عن الوديعة رغم اشتراكهما في أن كلاهما من العقود التبرعية التي يُسلَّم فيها شيء إلى شخص آخر دون مقابل، إلا أن الغرض من كل منهما يختلف. ففي العارية يُسلَّم الشيء إلى المستعير ليستعمله ثم يرده بعد ذلك، أما في الوديعة فيُسلَّم الشيء إلى الوديع ليحفظه فقط دون أن يكون له حق استعماله. ومن ثم، فإن العارية تُخوّل للمستعير حق الانتفاع المؤقت، بينما تقتصر الوديعة على الحيازة الحافظة دون انتفاع. كما تختلف مسؤولية كل من المستعير والوديع؛ فالمستعير يكون مسؤولًا عن التلف حتى في حالات القوة القاهرة إذا استعمل الشيء على وجه مخالف، في حين لا يُسأل الوديع إلا إذا وقع منه تفريط أو إهمال في الحفظ.

العارية والقرض :

تختلف العارية عن القرض في الغرض من تسليم الشيء وفي طبيعة الرد، رغم أن كليهما من العقود التبرعية. فعقد العارية يُسلم فيه المعير شيئًا غير قابل للاستهلاك، كمنزل أو سيارة، إلى المستعير لــيستعمله مؤقتًا ثم يرده بعينه، أي نفس الشيء الذي تسلمه، دون أن يستهلكه. أما في عقد القرض، فيُسلَّم الشيء – وغالبًا ما يكون مالًا أو شيئًا قابلاً للاستهلاك – إلى المقترض لــيستهلكه ويستفيد منه، على أن يرد مثله، لا ذاته. وبذلك يكون القرض ناقلًا للملكية، بينما تظل الملكية في العارية للمعير. كما أن القرض قد يكون بعوض (أي بفوائد) أو بدون، أما العارية فهي دائمًا بلا مقابل وتقتصر على الاستعمال المؤقت فقط.

مكتب محامى مصر محمد منيب المحامى المصرى

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

error: