دين المقامرة والرهان باطلًا في ذاته لقيامه على سبب غير مشروع ومخالفته للنظام العام في القانون المدني
لما كان دين المقامرة والرهان باطلًا في ذاته لقيامه على سبب غير مشروع ومخالفته للنظام العام، فإن أي تصرف لاحق يهدف إلى تثبيت هذا الدين أو تسوية النزاع بشأنه يكون باطلًا كذلك. ومن ثم، يُعد الصلح الذي يُبرم بين الطرفين بقصد إنهاء نزاع حول دين ناتج عن مقامرة أو رهان صلحًا باطلًا، لأنه يُضفي المشروعية على التزام باطل من الأصل. وكذلك الأمر بالنسبة للتحكيم، إذ لا يجوز إحالة النزاع الناشئ عن دين مقامرة أو رهان إلى هيئة تحكيم، لأن النزاع في ذاته غير مقبول قانونًا ولا يصلح لأن يكون محلًا للتحكيم. ويستند هذا الحكم إلى قاعدة جوهرية مفادها أن ما بني على باطل فهو باطل، وأن الاتفاقات اللاحقة لا تُصحح مصدرًا غير مشروع، فلا يُعتد بها ولا تُنتج أثرًا قانونيًا.
آثار البطلان
يترتب على بطلان الصلح أو التحكيم المتعلق بدين ناشئ عن المقامرة أو الرهان اعتبار الاتفاق أو الحكم كأن لم يكن، فلا يُنتج أي أثر قانوني، ولا يجوز الاستناد إليه لإثبات التزام أو مطالبة بأداء. فبما أن أصل الدين باطل لقيامه على سبب غير مشروع، فإن أي تسوية صلحية أو قرار تحكيمي يستند إليه يُعد بدوره باطلًا، ولا يمكن تنفيذه أو الاحتجاج به أمام القضاء. كما يحق للطرف الذي أدى مبلغًا بموجب هذا الصلح أو الحكم أن يطلب استرداده، ما لم يكن قد دفعه طوعًا وعن علم بعدم وجود التزام عليه. ويُمنع القاضي أو المحكم من إضفاء المشروعية على هذا النوع من الالتزامات، ولو تم الاتفاق عليها صراحة بين الأطراف، لأن النظام العام لا يجيز منح الحماية القانونية لمثل هذه التصرفات، ولا لما ينتج عنها من آثار لاحقة.
دعوى الإسترداد :
دعوى الاسترداد هي الوسيلة القانونية التي يلجأ إليها من قام بأداء مبلغ من المال أو شيء ذي قيمة بموجب عقد باطل – كالمقامرة أو الرهان – بهدف استرجاع ما دفعه، استنادًا إلى أن العقد لا يُرتب التزامًا صحيحًا. ويشترط لقبول هذه الدعوى ألا يكون الدفع قد تم طوعًا وعن علم بعدم الالتزام، إذ إن من يدفع وهو يعلم أن لا التزام عليه لا يحق له الرجوع بما دفع. وتُعد دعوى الاسترداد تطبيقًا لمبدأ عام في القانون المدني مؤداه أن ما دُفع دون وجه حق يجب رده، إلا إذا حال دون ذلك مانع قانوني أو اعتبارات خاصة، كالدفع عن تبرع أو بنية الوفاء بالتزام طبيعي. وفي حالة المقامرة والرهان، يُشدد القضاء في فحص ظروف الدفع، فإذا ثبت أن الدافع كان جاهلًا ببطلان العقد أو تعرض لضغط أو خداع، جاز له استرداد ما دفعه، حمايةً له من الاستغلال وتطبيقًا لفكرة العدالة.
تقادم دعوى الإسترداد :
تخضع دعوى الاسترداد – باعتبارها دعوى تُرفع لاسترجاع ما دُفع بغير حق – لأحكام التقادم القصير، حيث تتقادم بمضي ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه الدافع بحقه في الاسترداد، أي من تاريخ علمه بأن ما دفعه لم يكن مستحقًا. ويُشترط في بدء سريان مدة التقادم أن يكون المدفوع عن عقد باطل – كالمقامرة أو الرهان – وأن يكون الدافع قد دفعه دون وجه حق ودون علم ببطلان العقد. أما إذا ثبت أن الدفع تم عن علم ببطلان الالتزام، فلا تُقبل الدعوى أصلًا. ويهدف تقادم دعوى الاسترداد إلى تحقيق الاستقرار في المعاملات ومنع النزاعات المتأخرة، مع مراعاة التوازن بين مصلحة الدافع ومصلحة المدفوع له. ولا يمنع من سريان التقادم أن يكون العقد باطلًا، ما دام الدافع قد تأخر في المطالبة بحقه رغم علمه الواضح بالظروف.
القرض للمقامرة أو الرهان :
إذا أُعطي قرض لشخص بهدف استعماله في المقامرة أو الرهان، فإن هذا القرض يُعتبر باطلًا من حيث الغرض الذي أُبرم من أجله، إذا كان المقرض يعلم بهذا الغرض وقت التعاقد. فالقانون لا يحمي القرض الذي يُستخدم في تمويل نشاط غير مشروع، لأن السبب فيه يكون مخالفًا للنظام العام والآداب. أما إذا لم يكن المقرض على علم بأن المال سيُستخدم في المقامرة أو الرهان، فإن القرض يكون صحيحًا، ويجوز له المطالبة برد المبلغ، لأنه لم يشترك في المخالفة. وتُميز هذه القاعدة بين حسن النية وسوئها، إذ يُعامل المقرض بحسب علمه بالغرض غير المشروع، فلا يُجازى من أعطى القرض بحسن نية، ولا يُمكَّن من الاستفادة من القانون من تعمّد تمويل عمل غير مشروع.
الجزاء الجنائي على المقامرة والرهان في قانون العقوبات :
يُجرِّم قانون العقوبات المصري المقامرة بوصفها نشاطًا غير مشروع يُخل بالنظام العام ويشجع على الكسب السريع دون عمل، وينص على توقيع جزاء جنائي على كل من أنشأ أو أدار مكانًا يُستعمل للمقامرة، أو هيأه لذلك، سواء كان علنيًا أو خفيًا. ويُعاقب مرتكب هذه الأفعال بالحبس، وقد تُضاف إليها غرامة، مع مصادرة أدوات المقامرة والأموال الناتجة عنها. كما يعاقب القانون من يشارك في المقامرة، حتى لو لم يكن من القائمين عليها، إذا ثبت توافر القصد الجنائي لديه. ويُشدد العقاب إذا كانت المقامرة علنية أو في مكان عام أو مفتوح للجمهور. أما الرهان، فالأصل أنه لا يُعاقب عليه جنائيًا ما لم يُمارس في صورة مقامرة أو يتخذ طابعًا عامًا مخالفًا للقانون، كأن يُستخدم كوسيلة للتغرير أو النصب أو الإخلال بالآداب. ويهدف هذا التجريم إلى حماية المجتمع من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية للمقامرة، ومنع استغلال حاجة الأفراد للربح في أنشطة غير مشروعة.
النص القانوني للمادة 325 عقوبات :-
كل من أعد مكانا لألعاب القمار وهيأه لدخول الناس فيه يعاقب هو وصيارف المحل المذكور بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه وتضبط جميع النقود والأمتعة في المحلات الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم مصادرتها .
النص القانوني للمادة 353 عقوبات :-
ويعاقب بهذه العقوبات أيضا كل من وضع للبيع شيئا في النمرة المعروفة باللوتيرى بدون إذن الحكومة وتضبط أيضا الجانب الحكومة جميع النقود والأمتعة الموضوعة في النمرة ” .
الجريمة الأولى : الجريمة المنصوص عليها بالمادة 352 عقوبات :
تعاقب هذه المادة على جريمة إعداد مكان لألعاب القمار وتهيئته لدخول الناس فيه . ولهذه الجريمة ركن مادی و رکن معنوی قصد جنائي) تعرض لهما فيما يلي :
١ – الركن المادى :
يتحقق الركن المادى لهذه الجريمة بقيام الجاني بإعداد المكان للعب القمار وتهيئته لذلك . فإعداد المكان يعني شيئا آخر غير تهيئته، فالإعداد يعنى أن المحل لم يكن معدا أصلا لاستقبال أحد وأن الجاني قام بتجهيزه ومده بالإمكانيات اللازمة للعب القمار فيه ، أما تسهيئة المحل فتعنى أن هذا المحل كان جاهزا لاستقبال الأشخاص فيه ولكنه لم يكن مهيئا للعب القمار فقام الجانى بتهيئته لهذا الغرض ، ولا يوجد اختلاف كبير بالنسبة لهذين المعنيين سوى أن القصد الجنائي في أولهما يسبق وجود المكان بينما يتوافر القصد الجنائي لدى الجاني في ثانيهما بعد وجود المكان .
2- الركن المعنوي :
يشترط توافر الركن المعنوى فى الجريمة ، أى توافر القصد الجنائي لدى الجاني ، ويكفى توافر القصد الجنائي العام الذى يتحقق بأن يرتكب الجاني الجريمة عن علم وإرادة فلا يشترط توافر قصد جنائي خاص ، يتمثل في انصراف نية الجاني إلى الحصول على كسب مادى من وراء إعداد المكان ار تهيئته للعب القمار فيه . ويؤيد ذلك أنه جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم ١٧ لسنة ١٩٥٥ المعدل لنص المادة ٣٥٢ من قانون العقوبات أنه : ” رؤى تلافيا لمضار ألعاب القمار التي تفاقم خطرها على الأموال والأسر وضع عقوبة مغلظة لارتكاب فعل مما حظرته المادة ٣٥٢ من قانون العقوبات عسى أن يساعد تشديد العقاب على منع هذه الآفة “، وهذا يدل دلالة واضحة على أنه لا عبرة بالباعث على ارتكاب هذه الجريمة فسواء في ذلك أكان الباعث هو الحصول على كسب مادى أو المجاملة أو أى باعث آخر .
عقوبة الجريمة :
تعاقب المادة مرتكب هذه الجريمة بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألف جنيه. مع ضبط جميع النقود والأمتعة فى المحلات الجاري فيها الألعاب المذكورة ويحكم بمصادرتها . وعقوبة الحبس لا تقل مدتها عن ٢٤ ساعة ولا تزيد على ثلاثة سنوات (م ۱۸) من قانون العقوبات والحكم بالحبس وجوبى مع الغرامة. فلا يجوز الحكم بإحدى العقوبتين فقط .
ويجوز للمحكمة أن تقضى بوقف تنفيذ الغرامة أو عقوبة الحبس التي الاتزيد على سنة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون . ويجب أن تبين فى الحكم أسباب إيقاف التنفيذ. ويجوز أن يجعل الإيقاف شاملا لأية عقوبة تبعية ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم (م ٥٥) عقوبات . ويصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يصبح فيه الحكم نهائيا (م ٥٦ عقوبات ) .
الجريمة الثانية : الجريمة المنصوص عليها بالمادة 353 عقوبات :
تعاقب هذه المادة كل من وضع للبيع شيئا في النمرة المعروفة باللوترى دون إذن الحكومة . أي تعاقب من يبيع شيئا بطريق النصيب ، ويتراهن الناس على هذا الشئ بدفع كل منهم مبلغا صغيرا من المال ، ويأخذ الفائز الشئ بهذا المبلغ الصغير ويخسر الباقون ما دفعوه من المال .
ويشترط أن يكون ذلك بغير إذن من الحكومة وقد جاء بمحضر مجلس شورى القوانين بأن هذه المادة كانت كما هى مع وجود الجملة الآتية في آخرها وهي ( إنما لا يجرى تطبيق هذه المادة فيما يتعلق بالنمرة المقصود بها على مجرد فعل الخير وقد حذفتها اللجنة لأنها وجدت من اللازم أن يكون هذا العمل بإذن من الحكومة مطلقا أو باسم فعل الخير لأن كثيرا من الناس يتخذون اسم فعل الخير وسيلة للإضرار بالناس) .
وهذه المادة تعاقب من يبيع شيئا بطريق النصيب ويتراهن الناس على هذا الشئ ، ولكنها لا تعاقب المتراهنين أنفسهم والعقوبات المنصوص عليها بهذه المادة هي ذات العقوبات المنصوص عليها بالمادة ٣٥٢ من قانون العقوبات .
الأستاذ محمد منيب المحامي – خبرة 21 سنة في قضايا المدني في مصر
التواصل مع مكتب المستشار محمد منيب
13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774