حالة ما إذا كان العوض وفاء لديون الواهب في القانون المدني
إذا كان العوض في الهبة متمثلًا في وفاء الموهوب له بديون على الواهب، فإن الهبة تُعد هبة بعوض، ويأخذ العوض في هذه الحالة صورة غير نقدية، ولكنه يرتب ذات الآثار القانونية لعقد الهبة بعوض. ويشترط لصحة هذا العوض أن يكون الدين المُوفى حقيقيًا ومستحقًا وقت الاتفاق، وأن يكون الوفاء به لمصلحة الواهب أو ذمته المالية. فإذا أوفى الموهوب له بدين على الواهب، فإنه يُعد قد قدم مقابلًا للهبة، مما يمنح الواهب بعض الحقوق مثل طلب الفسخ عند إخلال الموهوب له بالتزامه، ويُخضع الهبة في هذه الحالة لأحكام الهبة بعوض، وليس للهبة المجردة.
النص القانوني للمادة 499 الفقرة الأولى تنص على :-
إذا اشترط الواهب عوضا عن الهبة وفاء ديونه ، فلا يكون الموهوب له ملزما إلا بوفاء الديون التي كانت موجودة وقت الهبة هذا ما لم يتفق على غيره .
حكم هذه الحالة :
يُعتبر عقد الهبة بعوض في صورة الوفاء بديون الواهب عقدًا صحيحًا من حيث المبدأ، طالما أن الديون التي تم الاتفاق على الوفاء بها كانت محددة وثابتة على الواهب، وتم الاتفاق على الوفاء بها كعوض للموهوب. وتخضع هذه الهبة لأحكام الهبة بعوض الواردة في القانون المدني، مما يترتب عليه أن الموهوب له يلتزم بأداء العوض المتفق عليه، أي وفاء تلك الديون، وإلا كان للواهب أو ورثته أن يطلبوا الفسخ. كما لا يجوز للموهوب له أن يرجع بما أوفاه من ديون على الواهب إذا كانت الهبة صحيحة ولم تُفسخ، لأن ما أداه يدخل في نطاق العوض. وإذا تبين أن الديون لم تكن قائمة فعلًا أو كانت صورية، بَطُل العوض جزئيًا أو كليًا بحسب الأحوال، وقد يترتب على ذلك بطلان الهبة كلها إذا ثبت انعدام العوض وعدم توافر قصد التبرع.
الإلتزام بوفاء الديون المضونة بحق عيني على الشئ الموهوب :
إذا كانت الديون التي تعهد الموهوب له بوفائها مضمونة بحق عيني على الشيء الموهوب، كأن يكون مثقلًا برهن رسمي أو حيازي ضمانًا لدين على الواهب، فإن الموهوب له يلتزم بوفاء هذه الديون التزامًا شخصيًا باعتبارها تمثل عوضًا عن الهبة. وفي هذه الحالة، تنتقل ملكية الشيء الموهوب إلى الموهوب له مثقلًا بهذا الحق العيني، ويصبح ملتزمًا قانونًا بوفاء الدين المضمون به، حماية لحق الدائن المرتهن. ويُعد هذا الالتزام جزءًا من العوض، فإذا أخلّ الموهوب له به، جاز للواهب أو ورثته طلب فسخ الهبة، باعتبار أن العوض لم يُؤدَ، كما يجوز للدائن المرتهن الرجوع على الموهوب له مباشرة باعتباره مالك الشيء المرهون وملتزمًا بضمان الدين في حدود الشيء.
النص القانوني للمادة 499 الفقرة التانية تنص على :-
إذا كان الشئ الموهوب مثقلا بحق عيني ضمانا لدين في ذمة الواهب أو في ذمة شخص آخر فإن الموهوب له يلتزم بوفاء هذا الدين ما لم يوجد إتفاق على غير ذلك .
حكم هذة الحالة :
يحكم هذه الحالة أن الموهوب له يلتزم قانونًا بوفاء الدين المضمون بحق عيني على الشيء الموهوب، ويُعد هذا الوفاء بمثابة عوض في الهبة بعوض. ويترتب على ذلك أن الهبة تظل صحيحة، لكن يشترط أن يكون الموهوب له عالمًا بوجود هذا الحق العيني وقت الهبة. فإذا لم يفِ الموهوب له بهذا الالتزام، جاز للواهب أو ورثته طلب فسخ الهبة، باعتبار أن العوض لم يُؤدَ وفقًا لما تقتضيه أحكام الهبة بعوض. كما لا يجوز للموهوب له أن يتمسك بعدم علمه بالرهن أو الدين المضمون به إذا كان منصوصًا عليه في العقد أو كان ظاهرًا في السجلات العامة كالرهن الرسمي. ويُعتبر حكم هذه الحالة تطبيقًا لمبدأ احترام الحقوق العينية المقررة على الشيء الموهوب، والتزام الموهوب له بتحملها كجزء من المقابل المتفق عليه ضمنًا أو صراحة في عقد الهبة.
الرجوع في الهبة
الرجوع في الهبة في الشريعة الاسلامية :
الأصل في الشريعة الإسلامية أن الهبة عقد تبرع يقتضي نقل المال من الواهب إلى الموهوب له دون عوض، ويجوز للواهب أن يرجع في هبته ما دامت قائمة ولم تحدث فيها زيادة متصلة أو منفصلة تغير من عينها، ولم يتصرف فيها الموهوب له تصرفًا ناقلًا للملكية. وقد ورد في الحديث الشريف: “لا يحلّ لرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده”، وهو ما استُثني فيه الأب من هذا المنع، فله أن يرجع في هبته لولده إذا لم تكن مقترنة بما يمنع الرجوع شرعًا. ويشترط للرجوع في الهبة ألا تكون للهبة صفة الثواب، وألا يكون هناك ما يدل على نية التمليك النهائي، كالتعويض أو المجازاة أو تغير حال الشيء الموهوب. وقد نهى الفقهاء عن الرجوع لما فيه من كسر للمودة ونقض للعطية، وإن أجازوه في بعض الأحوال حفظًا لمصلحة الواهب إذا لم يكن في الرجوع ضرر بالموهوب له أو مخالفة لحق شرعي ثابت.
الرجوع في الهبة في التقنين المدني القديم :
كان الرجوع في الهبة في ظل التقنين المدني القديم خاضعًا لأحكام الفقه الإسلامي، نظرًا لعدم وجود تنظيم تفصيلي في القانون ذاته، فكان القضاء يرجع إلى قواعد المذهب الحنفي باعتباره المذهب الرسمي للدولة آنذاك. وبموجب هذه القواعد، كان يجوز للواهب الرجوع في الهبة ما دامت قائمة في يد الموهوب له، ولم يطرأ عليها ما يمنع الرجوع شرعًا، كالهلاك، أو التصرف، أو الزيادة المتصلة، وكان يشترط كذلك عدم وجود مانع شرعي أو أدبي من الرجوع، كأن تكون الهبة لذوي الرحم أو صدرت على سبيل البر والإحسان الظاهر. كما كان يُشترط لرجوع الواهب أن يصدر حكم قضائي بذلك، فلا يكفي مجرد إرادة الواهب، بل يجب اللجوء إلى القضاء لإثبات الحق في الرجوع وتوافر شروطه، وفقًا لما قررته المبادئ المستقرة في الفقه الإسلامي المعمول به وقتئذٍ.
الرجوع في الهبة بالتراضي
حكم الرجوع في الهبة بالتراضي :
أجاز القانون المدني المصري للواهب والموهوب له أن يتفقا على الرجوع في الهبة بالتراضي، دون حاجة إلى حكم قضائي، طالما تحققت إرادة الطرفين ووقع التراضي صحيحًا وصريحًا. ويُعد هذا الرجوع بمثابة فسخ لعقد الهبة باتفاق الطرفين، وتترتب عليه ذات الآثار التي تترتب على الفسخ، أي زوال أثر الهبة وعودة المال الموهوب إلى ملكية الواهب. ولا يُشترط أن يكون الرجوع في الهبة بالتراضي مستندًا إلى سبب معين كالإساءة أو الحاجة، بل يكفي اتفاق الطرفين عليه. غير أن هذا الرجوع لا يجوز إذا تعلق بحق للغير، كأن يكون الموهوب قد رهن الشيء أو باعه، ما لم يوافق الغير على ذلك. ويُشترط لصحة الرجوع بالتراضي أن يكون الشيء الموهوب لا يزال موجودًا في حالته، وألا يكون هناك مانع قانوني يحول دون رجوع الواهب، كاقتران الهبة بعوض أو كونها صدرت لذوي رحم محرم على سبيل البر.
الرجوع في الهبة بالتقاضي
النص القانوني الفقرة الثانية من المادة 500 تنص على :-
فإذا لم يقبل الموهوب له جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع ، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبولا ولم يوجد مانع من الرجوع.
أحكام الرجوع في الهبة بالتقاضي :
إذا أراد الواهب الرجوع فى الهبة ولم يقبل الموهوب له ذلك، فلا يكون أمام الواهب إلا الرجوع عن الهبة بالتقاضي برفع دعواه إلى المحكمة المختصة ولكى يحكم القاضى بالرجوع في الهبة لا بد من توافر شرطين :
1- أن يستند الواهب في الرجوع إلى عذر مقبول وقد ورد بالمادة ٥٠١ أمثلة لهذا العذر . أى أن الإعذار الواردة بالمادة المذكورة كما سنرى – لم ترد على سبيل الحصر.وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون (نظرة عامة) : “بل يشترط فى الرجوع – إذا لم يرض به الموهوب له – أن يكون عند الواهب عذر مقبول فيه ، وأورد المشروع أمثلة من العذر المقبول مما يقرب الشريعة الإسلامية من القوانين الأجنبية ، وهناك موانع للرجوع في الهمة نقلت عن الشريعة الإسلامية كما قننها قدري باشا في كتابه عن الأحوال الشخصية ”
٢ – ألا يوجد مانع من موانع الرجوع في الهبة وهذه الموانع سبعة ، وردت على سبيل الحصر في المادة ٥٠٢ مدنى.
الأعذار التي تبرر الرجوع في الهبة الواردة بالمادة 501 مدني
العذر الأول : جحود الموهوب له :
يُعد جحود الموهوب له أحد الأعذار التي تبرر الرجوع في الهبة، ويُقصد به إخلال الموهوب له إخلالًا جسيمًا بما يجب عليه من الوفاء بالجميل نحو الواهب أو نحو أحد من أقاربه، كما لو أساء إليه بالقول أو الفعل، أو جحد ما قدمه له من إحسان، أو تسبب في إيذائه أو الإساءة إليه عمدًا. ويُشترط أن يكون الجحود جسيمًا بحيث لا يُحتمل معه استمرار العلاقة بين الطرفين، وأن يكون صادرًا عن عمد أو إهمال بالغ الجسامة. وتُقدِّر المحكمة مدى جسامة هذا الجحود وظروفه وفقًا لكل حالة على حدة، كما لا يشترط أن يصدر الجحود تجاه الواهب فقط، بل يكفي أن يكون تجاه أحد أقاربه الذين يُفترض أن يحترمهم الموهوب له عرفًا وخلقًا. فإذا ثبت هذا الجحود الجسيم، جاز للواهب أن يرفع دعوى الرجوع في الهبة استنادًا إلى هذا العذر، ويعود الحكم فيه إلى سلطة المحكمة التقديرية.
العذر الثاني : عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه بما يتفق مع مكانته الإجتماعية أو عجزه عن الإنفاق على الغير :
يُعد عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة اللائقة به أو عجزه عن الوفاء بالتزاماته نحو الغير من الأعذار التي تُبرر له الرجوع في الهبة. ويقصد بذلك أن يُصاب الواهب بعد إبرام الهبة بظرف طارئ يُخلّ بمستوى معيشته المعتاد والمناسب لمكانته الاجتماعية، كأن يقع في فقر مدقع أو يُصبح غير قادر على الكسب أو إعالة نفسه، مما يجعله في حاجة إلى استرداد ما وهبه من مال. كما يمتد هذا العذر ليشمل حالة عجز الواهب عن أداء التزاماته نحو الغير، كأن يكون ملزمًا شرعًا أو قانونًا بالإنفاق على أحد أقاربه أو من تلزمه نفقته، ويعجز عن ذلك بسبب ضيق ذات اليد. ويُشترط أن يكون هذا العجز لاحقًا على الهبة، وأن يكون جسيمًا وحقيقيًا، وليس مجرد تدهور محدود في الأحوال المالية، وتخضع تقديراته للسلطة التقديرية للقضاء بحسب ظروف كل حالة.
العذر الثالث : أن يرزق الوالد ولدا بعد الهبة :
من الأعذار التي تجيز للواهب الرجوع في الهبة، أن يُرزق بولد بعد إبرام الهبة، إذا كان يعتقد عند الهبة أنه عقيم أو فقد الأمل في الإنجاب. ويشترط أن يكون المولود لاحقًا على الهبة، سواء وُلد حيًّا أو ثبت حمل زوجته به وقت الرجوع، ويُعد ذلك سببًا مشروعًا للرجوع لما يترتب على وجود الولد من التزامات جديدة على الواهب، ولأن الواهب قد يكون وهب جزءًا كبيرًا من ماله على أساس أنه لن يخلّف ورثة. ويمتد هذا العذر كذلك إلى حالة من كان له أولاد فماتوا جميعًا قبل الهبة، ثم وُلد له ولد جديد بعدها، أو عاد له ولد كان يُظن موته. ويهدف هذا الحكم إلى حماية مصلحة الولد الجديد وتمكين الواهب من توفير ما يكفي لنفقته وميراثه. ويُشترط لقبول الرجوع أن تُقام الدعوى وتثبت الواقعة أمام القضاء، ويُترك للمحكمة تقدير مدى توافر هذا العذر وملاءمته للرجوع.
ورود الأعذار بالمادة على سبيل المثال لا الحصر :
رغم أن المادة 501 من القانون المدني المصري قد ذكرت ثلاثة أعذار تبرر الرجوع في الهبة، وهي: جحود الموهوب له، وعجز الواهب عن المعيشة أو الإنفاق، وولادة ولد بعد الهبة، فإن الرأي الراجح في الفقه والقضاء يميل إلى أن هذه الأعذار وردت على سبيل المثال لا الحصر، وليست حصرًا مغلقًا. ويُستدل على ذلك بكون هذه الحالات تمثل تطبيقات لأسباب أوسع ترتبط باعتبارات العدالة وظروف الواهب الشخصية، مما يفتح المجال للمحكمة لقبول أعذار أخرى ما دامت تتفق مع روح المادة وتهدف إلى رفع ضرر جسيم عن الواهب. ومن ثم، يجوز الاستناد إلى أعذار أخرى كمرض الواهب مرضًا عضالًا بعد الهبة، أو تعرضه لالتزامات مالية غير متوقعة، أو تغير جوهري في ظروفه الاجتماعية والاقتصادية، بشرط أن تكون هذه الأعذار جادة، وألا يُوجد مانع قانوني يحول دون الرجوع.
مكتب محامى مصر محمد منيب المستشار القانونى
✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني