“تمييز الهبة عن غيرها من التصرفات” في القانون المدني

“تمييز الهبة عن غيرها من التصرفات” في القانون المدني

تُعد الهبة من التصرفات القانونية التبرعية التي تنفرد بطبيعتها الخاصة، ويجب تمييزها عن غيرها من التصرفات المشابهة، كعقد البيع، والقرض، والوصية. ويكمن الأساس في هذا التمييز في نية التبرع وغياب العوض، إذ أن الهبة تُبرم بقصد التنازل المجاني عن المال، دون أن يحصل الواهب على مقابل. في حين أن البيع مثلاً، يتم مقابل ثمن معين، حتى ولو كان زهيدًا، ما دام العوض مقصودًا. أما القرض، فرغم أنه يُنقل فيه المال بدون عوض فوري، إلا أنه يتضمن التزامًا بالرد، مما ينفي عنه وصف التبرع. كما تختلف الهبة عن الوصية، لأن الأولى تصدر بين الأحياء وتنتج آثارها في حياة الواهب، بينما الوصية لا تُنتج أثرًا إلا بعد الوفاة. كذلك تُميز الهبة عن الوفاء عن طريق الأداء، أو الإبراء من الدين، حيث أن هذه التصرفات لا تقوم على نية التبرع بل على انقضاء الالتزام. لذا، فإن معيار نية التبرع، وغياب العوض، وصدور التصرف بين الأحياء هي العناصر الأساسية التي يستخدمها الفقه والقضاء للتمييز بين الهبة وغيرها من التصرفات القانونية في القانون المدني.

“تمييز الهبة عن غيرها من التصرفات” في القانون المدني

أ- الهبة وعارية الإستعمال والوصية :

رغم اشتراك الهبة وعارية الاستعمال والوصية في كونها تصرفات تبرعية، إلا أن كلاً منها يتمتع بطبيعة قانونية مميزة. فـالهبة هي عقد يتم بين الأحياء، يترتب عليه نقل ملكية مال معين من الواهب إلى الموهوب له دون مقابل، وتنتج آثارها في حياة الطرفين. أما عارية الاستعمال، فهي أيضًا تصرف تبرعي يتم بين الأحياء، لكن يترتب عليه نقل الانتفاع فقط دون الملكية، ويلتزم المستعير برد الشيء ذاته بعد الاستعمال، مما يجعلها مؤقتة ومرتبطة بالحفاظ على الشيء المعار. في حين أن الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، لا تنتج آثارها إلا بوفاة الموصي، وتخضع لشروط خاصة كعدم تجاوز ثلث التركة إذا لم يجزها الورثة. ويُعد معيار نقل الملكية من عدمه، وزمن ترتيب الأثر القانوني (في الحياة أو بعد الوفاة) من أهم المعايير التي يُعتمد عليها في التفرقة بين هذه التصرفات. فالهبة تنقل الملكية فورًا، والعاريـة تنقل الانتفاع مؤقتًا، والوصية لا تُنفذ إلا بعد الموت.

ب ـ الهبة والصدقة :

تتشابه الهبة والصدقة في كونهما من التصرفات التبرعية التي يتم بموجبها نقل المال من شخص إلى آخر دون عوض، إلا أن هناك فرقًا دقيقًا بينهما في القصد والغاية. فـالهبة تُعد تصرفًا قانونيًا مدنيًا ينقل الملكية من الواهب إلى الموهوب له بدافع التبرع، وقد يكون بدافع المودة أو المجاملة، دون أن يُشترط فيها قصد البر أو الثواب. أما الصدقة، فهي تبرع يُقصد به وجه الخير أو القربة إلى الله، وغالبًا ما توجه إلى الفقراء والمحتاجين، وتخضع لأحكام الشريعة الإسلامية أكثر من خضوعها للقواعد المدنية. ومن الناحية القانونية، تُعامل الصدقة معاملة الهبة إذا استوفت شروطها، من حيث الأهلية والمحل والرضا، ولكنها قد تُعفى من بعض القيود كالضرائب أو يُراعى فيها الاعتبارات الدينية والاجتماعية. كما أن الصدقة لا يجوز الرجوع فيها شرعًا بعد قبضها، بخلاف الهبة التي يجوز الرجوع فيها في حالات معينة. لذا، فبينما الهبة تصرف مدني قائم على التبرع، فإن الصدقة تبرع ديني يُراد به الأجر والثواب.

ج ـ الهبة والإباحة :

تختلف الهبة عن الإباحة من حيث الطبيعة القانونية والآثار المترتبة على كل منهما، رغم أن كلاهما يُعد تبرعًا بالمال دون مقابل. فـالهبة هي عقد قانوني ناقل للملكية، يترتب عليه خروج المال من ذمة الواهب ودخوله في ذمة الموهوب له على نحو نهائي، ويستلزم توافر الأركان العامة للعقود، كالأهلية والرضا والمحل والسبب. أما الإباحة، فهي مجرد ترخيص بالانتفاع أو استعمال مال معين دون نقل ملكيته، وتُعد من أعمال التسامح التي لا تترتب عليها آثار قانونية ملزمة، إذ يستطيع المبيح سحب إباحته في أي وقت، ما دامت لم تقترن بتصرف قانوني آخر. كما أن الإباحة لا تُنشئ التزامًا في ذمة المبيح، ولا تُلزم من استفاد بها برد الشيء، ما لم يُشترط خلاف ذلك. لذلك، تُعد الهبة تصرفًا قانونيًا ملزمًا ومنتجًا لآثار دائمة، بينما الإباحة تصرفًا غير ملزم، مؤقت، ولا يُرتب نقلًا للملكية، وهو ما يجعل التمييز بينهما ضروريًا لتحديد ما إذا كان المتصرف قد قصد الالتزام بنقل الملكية أم مجرد السماح بالانتفاع المؤقت.

شروط إنعقاد الهبة

الشرط الأول : الرضاء .

الشرط الثاني : المحل عقد الهبة .

الشرط الثالث : السبب .

الشرط الرابع : شكل العبة .

الشرط الأول : الرضاء :

يُعد الرضاء من الأركان الجوهرية في عقد الهبة، إذ لا ينعقد العقد إلا إذا صدر عن طرفيه – الواهب والموهوب له – إرادتان سليمتان متطابقتان. ويجب أن يكون رضا الواهب خاليًا من عيوب الإرادة، كالغلط أو التدليس أو الإكراه أو الاستغلال، لأن الهبة تصرف تبرعي يخرج بموجبه المال من ذمته دون مقابل، فيقتضي حماية خاصة للإرادة. كما يشترط أن يكون الرضاء جديًا ومباشرًا، فلا تصح الهبة إذا صدرت عن طريق المجاملة أو دون قصد قانوني لنقل الملكية. ويُعبر عن الرضاء في الهبة إما صراحةً أو ضمنًا، وفي بعض الحالات يُستخلص من التصرف الفعلي كالتسليم، ما لم يشترط القانون شكلاً خاصًا. أما بالنسبة للموهوب له، فيجب أن يقبل الهبة صراحةً أو ضمنًا حتى تتم، إذ لا تكتمل الهبة ولا تُنتج آثارها إلا بقبولها من الموهوب له وقبض الشيء الموهوب. ويترتب على اختلال الرضاء بطلان العقد أو قابليته للإبطال بحسب نوع العيب الذي شابه، مما يُبرز أهمية الرضاء في صحة انعقاد الهبة وفعاليتها القانونية.

سريان القواعد العامة :

يخضع عقد الهبة، باعتباره أحد العقود المسماة في القانون المدني، إلى القواعد العامة للعقود ما لم يرد فيه نص خاص، أو تتعارض طبيعته التبرعية مع تلك القواعد. فتنطبق عليه أحكام الأهلية، والرضا، والمحل، والسبب بوصفها أركانًا أساسية لصحة العقد، شأنه في ذلك شأن سائر التصرفات القانونية. كما تسري عليه القواعد المتعلقة بعيوب الإرادة، فيُبطل أو يُبطل إذا شابه غلط أو تدليس أو إكراه. ويخضع أيضًا للأحكام العامة الخاصة ببطلان العقود أو فسخها أو تأويلها أو تنفيذها. ومع ذلك، فإن الطبيعة الخاصة للهبة كتصرف تبرعي تفرض استثناءات معينة، كقابلية الرجوع في بعض الحالات، أو اشتراط الرسمية في هبة العقار، أو عدم جواز الإضرار بحقوق الورثة. وعلى هذا النحو، فإن عقد الهبة يجمع بين الخضوع للقواعد العامة للعقود من حيث التكوين والانحلال، وبين الخصوصية في بعض الجوانب التي راعاها المشرّع حمايةً للإرادة والتوازن بين مصالح الأطراف.

الإيجاب والقبول :

يُعد الإيجاب والقبول جوهر انعقاد عقد الهبة، إذ لا يتم العقد إلا بتلاقي إرادتين صادرتين عن طرفين أهليين: الواهب والموهوب له. فـالإيجاب هو التعبير عن إرادة الواهب في التبرع بالمال دون مقابل، ويجب أن يكون واضحًا وجديًا ومحددًا، فلا يكفي مجرد وعد أو نية غير ملزمة. أما القبول، فهو تعبير الموهوب له عن إرادته في قبول الهبة، ويجب أن يصدر قبل رجوع الواهب عنها، وأن يكون مطابقًا للإيجاب دون تعديل. ولا تكتمل الهبة إلا إذا اقترن الإيجاب بالقبول وتم قبض الشيء الموهوب، وهو ما يجعل القبول والقبض معًا عنصرين أساسيين في تمام العقد، خاصة في الهبة غير المقبوضة. وقد يكون الإيجاب والقبول صريحين أو ضمنيين، ما دامت توجد قرائن قاطعة تدل على توافر الإرادتين. ويترتب على هذا التبادل في الإرادتين دخول المال في ذمة الموهوب له وخروجه من ذمة الواهب، مما يقتضي أن تكون هذه الإرادة خالية من العيوب ومبنية على علم كافٍ بموضوع العقد.

توافق الإيجاب والقبول :

يشترط لانعقاد عقد الهبة، كغيره من العقود، توافق الإيجاب والقبول توافقًا تامًا من حيث الجوهر، أي أن تتطابق إرادة الواهب بالتبرع مع إرادة الموهوب له بالقبول، دون تعديل أو تحفّظ. فإذا صدر الإيجاب من الواهب بهبة مال معين دون مقابل، وجب أن يصدر القبول من الموهوب له على ذات الشروط ودون تغيير في محل الهبة أو طريقتها أو أي قيد جوهري فيها. وأي تعديل في القبول يُعد رفضًا للإيجاب ويُنتج عرضًا جديدًا، لا توافقًا. ويُشترط كذلك أن يتم هذا التوافق في فترة زمنية معقولة، بحيث يظل الإيجاب قائمًا وقت صدور القبول، وألا يكون الواهب قد رجع عنه. ويُعد هذا التوافق جوهر الرضا المشترك الذي يُنشئ العقد، ويترتب عليه انتقال الملكية متى تم القبض، لا سيما في الهبة المتعلقة بالمنقول. فإذا انعدم هذا التوافق أو شابه خلل، كأن يكون القبول متأخرًا أو متضمنًا شرطًا جديدًا، فإن العقد لا ينعقد، لغياب التطابق بين الإرادتين.

موقع محامى مصر . كوم

MohamyMasr.Com

المستشار القانونى: محمد منيب المحامى

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

error: