القاعدة العامة عدم ضمان ضمان الواهب خلو الشئ الموهوب من العيب في القانون المدني

القاعدة العامة عدم ضمان ضمان الواهب خلو الشئ الموهوب من العيب في القانون المدني

القاعدة العامة في القانون المدني تقضي بأن الواهب لا يضمن خلو الشيء الموهوب من العيوب الخفية، لأن الهبة بطبيعتها عقد تبرعي لا يُلزم الواهب إلا بما التزم به صراحة. فبما أن الموهوب له لم يدفع مقابلاً لما تلقاه، فلا يجوز له أن يطالب الواهب بضمان العيوب، إلا إذا ثبت أن الواهب قد تعمد إخفاء العيب أو ضمن صراحة سلامة الشيء من العيوب. وهذا الحكم يستند إلى مبدأ العدالة بين الطرفين، إذ لا يُنتظر من المتبرع أن يتحمل التزامات الضمان كما هو الحال في عقود المعاوضة.

الحالات التي يلزم فيها الواهب بضمان خلو الشئ الموهوب من العيب :

يلتزم الواهب بضمان خلو الشيء الموهوب من العيب في حالات استثنائية على خلاف القاعدة العامة، وتتمثل هذه الحالات في: أولًا، إذا كان الواهب قد تعمد إخفاء العيب عن الموهوب له غشًّا منه، ففي هذه الحالة يسأل عن الضرر الذي يلحق بالموهوب له بسبب هذا الإخفاء؛ ثانيًا، إذا التزم الواهب صراحة في عقد الهبة بضمان خلو الشيء الموهوب من العيوب، فيصبح هذا الالتزام جزءًا من العقد ويُعامل معاملة شروط الضمان في عقود المعاوضة؛ وثالثًا، إذا كانت الهبة بعوض، فيخضع الواهب لأحكام البائع من حيث الضمان، لأن وجود المقابل يجعل العقد أقرب إلى المعاوضة منه إلى التبرع، وبالتالي يستحق الموهوب له الضمان كمن يشتري شيئًا معيبًا.

تعديل أحكام الضمان :

يجوز تعديل أحكام الضمان في عقد الهبة باتفاق الطرفين، سواء بتوسيع نطاق ضمان الواهب أو بتقليصه أو حتى بإعفائه منه كليًّا، ما لم يكن هناك غش أو تدليس من جانبه. فحرية التعاقد تتيح للواهب والموهوب له أن يتفقا على ما يشاءان بشأن الضمان، كأن يشترط الموهوب له على الواهب ضمان العيوب أو التعرض، أو أن يشترط الواهب عدم مسؤوليته عن أي ضمان حتى لو تبين أن الشيء الموهوب غير صالح للاستعمال، بشرط أن يكون هذا الاتفاق صريحًا وواضحًا، وألا ينطوي على غش أو سوء نية من الواهب، وإلا عُدّ الشرط باطلًا واعتبر الواهب مسؤولًا عن الضمان رغم الاتفاق.

إلتزامات الموهوب له

الإلتزام الأول : الإلتزام بأداء العوض أو المقابل :

الالتزام بأداء العوض أو المقابل في عقد الهبة ينشأ عندما تكون الهبة مقرونة بعوض، وهي صورة تختلف عن الهبة الخالصة المجردة من المقابل. ففي هذه الحالة، يلتزم الموهوب له بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه كعوض لصالح الواهب، سواء كان هذا العوض مالًا أو خدمة أو أي منفعة أخرى. ويُشترط أن يكون العوض حقيقيًا وليس صوريًا، وأن يتناسب مع إرادة الطرفين عند التعاقد. وإذا أخل الموهوب له بالتزامه بأداء العوض، جاز للواهب أن يطلب الفسخ واسترداد الشيء الموهوب، تطبيقًا للقواعد العامة في العقود الملزمة للجانبين.

النصوص القانونية

النص القانوني للمادة 497 مدني تنص على :-

يلتزم الموهوب له بأداء ما اشترط عليه من عوض سواء اشتراط هذا العرض لمصلحة الواهب أم لمصلحة أجنبي أم للمصلحة العامة.

النص القانوني للمادة 498 مدني تنص على :-

إذا تبين أن الشيء الموهوب أقل في القيمة من العوض المشترط ، فلا يكون الموهوب له ملزما بأن يؤدي من هذا العوض إلا بقدر قيمة الشيء الموهوب.

العوض المشترط في الهبة :

العوض المشترط في الهبة هو ما يُتفق عليه بين الواهب والموهوب له مقابل تقديم الشيء الموهوب، بحيث لا تكون الهبة خالصة، بل ترتبط بمقابل يُلزم الموهوب له بأدائه. ويتميز هذا النوع من الهبات بأنه لا يخرج عن نطاق الهبة من حيث الطبيعة القانونية، لكنه يقترب من العقود المعاوضة من حيث الأثر. ويشترط لصحة الهبة بعوض أن يكون العوض معلومًا ومشروعًا وألا يكون صورياً، كما يجب أن يتوافر فيها الرضاء الصحيح والإرادة الحرة. وإذا لم يُنفذ الموهوب له العوض المتفق عليه، جاز للواهب أن يطلب فسخ الهبة واسترداد الموهوب، وفقاً للقواعد العامة للالتزامات التبادلية.

المطالبة بالعوض :

للمطالبة بالعوض في الهبة المشروطة بمقابل، يجب أن يكون هناك اتفاق صريح بين الواهب والموهوب له على العوض، وأن يكون العوض محددًا أو قابلاً للتحديد. فإذا امتنع الموهوب له عن أداء العوض المتفق عليه، كان للواهب الحق في مطالبته قضائيًا بأداء هذا العوض، باعتباره التزامًا ناشئًا عن عقد ملزم للجانبين. ويجوز للواهب، إن لم يُجْدِ التنفيذ العيني، أن يطلب فسخ الهبة واسترداد الشيء الموهوب، متى توافرت الشروط القانونية للفسخ، لا سيما إخلال الموهوب له بالتزام جوهري في العقد.

جزاء عدم تنفيذ الإلتزام بأداء العوض

(أ) التنفيذ العيني :

التنفيذ العيني هو الأصل في تنفيذ الالتزامات في القانون المدني، ويُقصد به قيام المدين بتنفيذ ما التزم به عينًا، أي كما ورد في العقد دون تعديل أو تعويض، طالما كان التنفيذ ممكنًا ولم يمتنع دون مبرر مشروع. ففي الهبة بعوض مثلًا، إذا امتنع الموهوب له عن أداء العوض المتفق عليه، جاز للواهب أن يطالب بتنفيذه عينيًا، أي استيفاء المقابل ذاته، ما دام غير مستحيل. ولا يُلجأ إلى التعويض النقدي إلا إذا استحال التنفيذ العيني أو رفضه المدين دون وجه حق، وفي جميع الأحوال يخضع التنفيذ العيني لرقابة القضاء للتحقق من مدى إمكانية التنفيذ وملاءمته.

(ب) الفسخ :

الفسخ هو جزاء يُرتب على إخلال أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه العقدي، ويؤدي إلى انحلال العقد بأثر رجعي كأن لم يكن. وفي عقود الهبة بعوض، إذا لم يقم الموهوب له بأداء العوض المتفق عليه، جاز للواهب أن يطلب فسخ الهبة، باعتبار أن الالتزامات فيها متقابلة. ويشترط للفسخ أن يكون الطرف الطالب له قد نفذ التزامه أو أبدى استعداده لذلك، وأن يكون إخلال الطرف الآخر جسيماً أو جوهرياً. ويجوز أن يتم الفسخ قضائياً عن طريق حكم من المحكمة، أو باتفاق الطرفين، بل وقد يتم أحياناً دون اللجوء إلى القضاء إذا نُص عليه صراحة في العقد.

من له طلب الفسخ ؟

من يملك طلب الفسخ هو الطرف الذي نفّذ التزامه أو كان مستعداً لتنفيذه، وتخلّف الطرف الآخر عن الوفاء بما التزم به في العقد. ففي الهبة بعوض، إذا امتنع الموهوب له عن أداء العوض المتفق عليه، يكون من حق الواهب – باعتباره المتضرر من الإخلال – أن يطلب فسخ الهبة. ولا يُقبل طلب الفسخ من الطرف المخل بالتزامه، لأنه لا يصح أن يُفيد من خطئه. كما يجوز للورثة طلب الفسخ إذا انتقل إليهم الحق وكان سبب الفسخ قد تحقق قبل الوفاة أو استمر بعدها.

حالة كون الموهوب أقل من العوض :

إذا كانت الهبة أقل من العوض الذي التزم به الموهوب له، فإن العقد لا يفقد صفته كهبة بعوض، طالما كان العوض مقصودًا به مقابلة الهبة. وفي هذه الحالة، لا يجوز للموهوب له أن يطالب بإنقاص العوض بحجة عدم تعادله مع قيمة الشئ الموهوب، ما لم يكن هناك غبن جسيم أو تدليس أو استغلال يؤثر في رضاء الموهوب له. ويظل العوض واجب الأداء وفقًا لما تم الاتفاق عليه، ويحق للواهب طلب التنفيذ أو الفسخ عند امتناع الموهوب له عن الوفاء بالعوض، حتى ولو كانت قيمة الهبة لا تعادل ما أُشترط له من مقابل.

مكتب المحامى محمد منيب فى الهرم 

 

error: