الإلتزام برد الشيء المقترض في القانون المدني

الإلتزام برد الشيء المقترض في القانون المدني

يقع على عاتق المقترض في عقد القرض التزام أساسي يتمثل في رد مثل الشيء المقترض، لا ذاته، متى كان محل القرض شيئًا مثليًا كالنقود أو السلع التي تتحدد بالعدد أو الوزن أو الكيل. ويُقصد بـ”رد المثل” أن يلتزم المقترض بإعادة شيء من نفس النوع والجودة والكمية التي تسلمها، دون اشتراط أن يكون هو نفس الشيء بعينه، لأن الملكية تنتقل إليه بمجرد التسليم. ويُستحق الرد عند حلول الأجل المتفق عليه، فإن لم يوجد اتفاق، وجب الرد عند مطالبة المقرض أو في الوقت المناسب بحسب طبيعة القرض. وإذا تعذّر وجود مثل الشيء عند الرد، وجب على المقترض رد قيمته وقت الوفاء، وفقًا لما تقضي به القواعد العامة في القانون المدني.

الإلتزام برد الشيء المقترض المادة 538 من القانون المدني

تُعد المادة 538 من القانون المدني المصري هي التعريف القانوني لعقد القرض، وهي المادة الافتتاحية في الباب الخاص بالقرض في القانون المدني، وقد صاغها المشرّع بأسلوب دقيق يبرز جوهر هذا العقد وطبيعته القانونية. ويظهر من خلال النص أن عقد القرض يتمحور حول فكرة تسليم شيء مثلي على وجه الإقراض، مع التزام برد المثل، سواء كان الشيء مالًا أو غيره من المثليات.

النص القانوني للمادة 538 مدني :

القرض عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شئء مثلي أخر ، على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئا مثله في مقداره ونوعه وصفته .

المقصود برد المثل في عقد القرض :

المقصود بـ رد المثل في عقد القرض هو أن يلتزم المقترض عند انتهاء الأجل برد شيء من نفس نوع وكمية وصفة الشيء الذي استلمه، لا بعينه. ويكون هذا الالتزام ممكنًا فقط إذا كان محل القرض شيئًا مثليًا، أي مما لا تختلف أفراده عادة تفاوتًا يُعتد به، كالنقود، أو الحبوب، أو السوائل، أو المواد التي تُقاس بالكيل أو الوزن أو العدد. فالمقترض لا يلتزم برد نفس الشيء الذي استلمه، بل يلتزم برد ما يعادله تمامًا في نوعه وجودته وكميته، إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك. وإذا تعذر وجود المثل عند الوفاء، وجب على المقترض أن يرد القيمة السوقية للشيء في تاريخ الرد، وفقًا للقواعد العامة في القانون المدني.

الإتفاق على رد نوع أخر :

يجوز للطرفين في عقد القرض أن يتفقا على أن يكون رد الشيء المقترض بنوع آخر غير النوع الذي تسلمه المقترض، ما دام الشيء المقترض في أصله شيئًا مثليًا، ويُعد هذا الاتفاق صحيحًا وملزمًا إذا كان صريحًا وواضحًا. ويُعتبر هذا النوع من الاتفاق تعديلًا في التزام الرد، بحيث يصبح محل الالتزام عند الوفاء شيئًا مختلفًا عن محل القرض الأصلي، ولكن يشترط أن يكون ذلك الاتفاق قائمًا وقت إبرام العقد، أو أن يتم لاحقًا برضاء الطرفين. ويُراعى ألا يكون الاتفاق مشوبًا بغبن فاحش أو استغلال، وألا يتضمن نوعًا من التحايل على أسعار الفائدة أو شروط القرض، وإلا كان باطلًا أو قابلًا للإبطال حسب الأحوال.

ممن يحصل الرد ؟

يكون رد الشيء المقترض إلى المقرض نفسه بوصفه الدائن الأصلي، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يُوجب الرد إلى شخص آخر. فإذا مات المقرض، وجب الرد إلى ورثته أو من يخلفه قانونًا، باعتبار أنهم يحلون محله في الحقوق والالتزامات. وفي حال وجود نائب قانوني عن المقرض، كوكيله أو وصيه أو القيم عليه، جاز رد الشيء إليه إذا كان مخولًا بذلك. أما إذا كان المقرض قد باع الحق في القرض أو حواله للغير، فيجب الرد إلى الدائن الجديد المحال إليه الحق بعد إخطار المقترض بالحوالة. ويُشترط في كل الأحوال أن يتم الرد إلى من له صفة قانونية في تسلّم الشيء، وإلا لم تبرأ ذمة المقترض، حتى لو قام برد الشيء فعليًا.

لمن يحصل الرد ؟

يحصل الرد في عقد القرض لصالح المقرض، بوصفه الدائن الأصلي الذي له الحق في استيفاء الشيء المقترض أو مثله، ما لم يُتفق على خلاف ذلك أو تنتقل الحقوق إلى غيره. فإذا تُوفي المقرض، فإن الرد يكون إلى ورثته أو خلفائه العامين، لأنهم يحلون محله قانونًا في الحقوق المالية. كذلك، إذا تم نقل الحق في القرض إلى شخص آخر بموجب حوالة حق، وجب على المقترض أن يرد الشيء إلى الدائن الجديد بعد إخباره بالحوالة. وفي حالة وجود وكيل عن المقرض، أو وصي أو قيم أو ولي، يجوز الرد إلى هذا النائب متى ثبتت له الصفة القانونية. ويشترط في جميع الأحوال أن يتم الرد إلى من يملك قانونًا استلام الشيء، وإلا لم تبرأ ذمة المقترض.

ميعاد الرد :

يتحدد ميعاد الرد في عقد القرض وفقًا لما يتفق عليه الطرفان عند التعاقد، فإن عيَّنا أجلًا معينًا، وجب على المقترض رد المثل عند حلول هذا الأجل دون حاجة إلى إعذار. أما إذا لم يُتفق على ميعاد محدد، فيكون الرد عند المطالبة، ويشترط في هذه الحالة أن يُمهَل المقترض مدة مناسبة تمكنه من الوفاء. وقد يُفهم ميعاد الرد ضمنًا من الغرض الذي من أجله أُبرم القرض، فإذا اقترض شخص مبلغًا لدفع مصروف دراسي، وجب الرد بعد انتهاء هذا الغرض بزمن معقول. وفي جميع الأحوال، يجب أن يتم الرد في ميعاد لا ينطوي على تعسف أو مماطلة، وإلا اعتُبر المقترض في حالة مماطلة قانونية تترتب عليها المسؤولية والتعويض.

مكان الرد :

يتحدد مكان الرد في عقد القرض بحسب ما يتفق عليه الطرفان، فإن وُجد اتفاق صريح على مكان معين، وجب الالتزام به. أما إذا لم يوجد اتفاق، فإن القاعدة العامة في القانون المدني تقضي بأن يكون الرد في موطن الدائن (المقرض) وقت الوفاء، أي حيث يقيم عند حلول الأجل. ويُطبق ذلك سواء كان محل القرض نقودًا أو شيئًا مثليًا آخر. ومع ذلك، إذا اقتضى العرف أو طبيعة التعامل تنفيذ الرد في مكان معين، اعتُبر هذا هو مكان الوفاء. ويُشترط أن يتم الرد في مكان يمكن فيه للمقرض استلام المثل بسهولة ودون كلفة غير معتادة، وإلا كان للمقرض أن يرفض التسلم ويطلب التنفيذ في الموطن الصحيح.

مصاربف الرد :

تتحمل مصاريف الرد في عقد القرض – كأصل عام – ذمة المقترض، لأنه هو الملزم قانونًا برد المثل عند حلول الأجل. وتشمل هذه المصاريف كل ما يلزم لتنفيذ الرد، مثل تكاليف النقل أو الشحن أو التغليف أو التحويل البنكي، بحسب طبيعة الشيء المقترض. ويجوز للطرفين الاتفاق صراحة على تحميل المقرض أو الطرفين معًا بهذه المصاريف، كما قد يُستدل على ذلك من العرف أو نوع العلاقة بينهما. وإذا ترتب على تنفيذ الرد مصاريف غير عادية أو باهظة بسبب خطأ من المقرض أو تغير في مكان التسليم بسببه، جاز تحميله بها كليًا أو جزئيًا، وفقًا لمبدأ تنفيذ الالتزامات بحسن نية المنصوص عليه في القانون المدني.

جزاء عدم الرد :

إذا امتنع المقترض عن رد الشيء المقترض أو مثله في الموعد المحدد، دون عذر مشروع، اعتُبر في حالة إخلال بالتزامه العقدي، ويترتب على ذلك عدة جزاءات قانونية. فيجوز للمقرض أن يطالبه بالتنفيذ العيني، أي رد المثل مباشرة، أو أن يطالب بقيمته السوقية وقت الوفاء إذا استحال وجود المثل. كما يحق له المطالبة بـتعويض الضرر الذي أصابه بسبب التأخير أو الامتناع، ويُحتسب هذا التعويض وفقًا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية. وإذا كان محل القرض نقودًا، استحق المقرض فوائد تأخيرية من تاريخ الاستحقاق حتى تمام السداد. وفي حالات معينة، قد يفسخ القرض قضائيًا إذا تبين أن المقترض يتعمد المماطلة أو التصرف بسوء نية.

إستحالة الرد :

إذا أصبحت رد المثل مستحيلًا على المقترض، سواء بسبب قوة قاهرة أو ظروف خارجة عن إرادته، كنفاد الشيء المثلي من السوق أو توقف تداوله قانونًا، فإن التزامه لا ينقضي، بل يتحول – وفقًا للقواعد العامة في القانون المدني – إلى التزام برد قيمة الشيء وقت الوفاء. ويُحدد مقدار هذه القيمة بحسب السعر الجاري في السوق وقت تحقق الاستحالة. أما إذا كانت الاستحالة ناشئة عن خطأ المقترض أو تقصيره، فإنه لا يلتزم برد القيمة فقط، بل يكون مسؤولًا أيضًا عن تعويض الضرر الذي أصاب المقرض بسبب امتناع الرد أو التأخير فيه. وتُقدّر المحكمة مدى الاستحالة، وما إذا كانت حقيقية ونهائية، أو مجرد صعوبة لا تُعفي من الالتزام.

المستشار محمد منيب / للإستشارات القانونية

🔹 استشارات في القضايا المدنية والتجارية (العقود، الشركات، المعاملات التجارية).
🔹 استشارات في قضايا الأحوال الشخصية (الطلاق، الخلع، النسب، الميراث).
🔹 استشارات عقارية (الإيجارات، الملكية، الطعون على العقود، الشفعة).
🔹 استشارات قانونية جنائية (الدفاع في القضايا الجنائية، الطعون، الاستئناف).
🔹 استشارات تنفيذية لضمان تنفيذ الأحكام القضائية بأسرع وقت.

error: