آثار قانونية لعقد العارية في القانون المدني
تترتب على عقد العارية في القانون المدني آثار قانونية تنظم العلاقة بين المعير والمستعير، وتُحدد التزامات كل منهما. فأولًا، يلتزم المعير بتمكين المستعير من الانتفاع بالشيء المعار طوال مدة العارية، ولا يُسأل عن العيوب الظاهرة في الشيء، لكنه يُسأل عن العيوب الخفية إذا كان يعلم بها ولم يُخطر بها المستعير، أو إذا ترتب عليها ضرر جسيم.
أما المستعير، فيلتزم باستعمال الشيء وفقًا لما وُضع له وبالقدر المتفق عليه أو المتعارف عليه، كما يلتزم بالمحافظة عليه، وعدم التصرف فيه أو إعارته للغير دون إذن، مع وجوب رده عند انتهاء العارية بالحالة التي تسلمه بها، ما لم يكن التلف بفعل قوة قاهرة.
ويُسأل المستعير عن أي تلف أو هلاك إذا استعمل الشيء في غير ما خصص له، أو تأخر في رده، كما قد يُلزم بالتعويض. وتُطبق القواعد العامة في الالتزامات على العارية فيما لم يرد فيه نص خاص، مما يجعلها عقدًا تبرعيًا، لكنه مُلزم للجانبين بعد تسليم الشيء.
إلتزامات المعير
الإلتزام الأول : تسليم الشئ المعار إلى المستعير :
يُعد تسليم الشيء المعار إلى المستعير هو الالتزام الأول والجوهري الذي يقع على عاتق المعير في عقد العارية، إذ لا يُمكن للمستعير الانتفاع بالشيء ما لم يُوضع تحت يده. ويجب أن يتم التسليم في الوقت والمكان المتفق عليهما، أو وفقًا لما يقضي به العرف أو ظروف الحال، وأن يكون الشيء في حالة صالحة للاستعمال المقصود. ولا يحق للمعير أن يُماطل أو يمتنع عن التسليم بعد انعقاد العقد، وإلا اعتُبر في حالة إخلال بالتزامه العقدي. وإذا لم يُسلم المعير الشيء، جاز للمستعير أن يطلب تنفيذ الالتزام أو فسخ العقد مع التعويض إن كان له مقتضى، تطبيقًا للقواعد العامة. ويُشترط في التسليم أن يكون فعليًا أو حكميًا، ويشمل كل ما يلزم لتمكين المستعير من الانتفاع بالشيء على الوجه المقصود في العقد.
تسليم الشئ المعار إلى المستعير المادة 636 من القانون المدني
تُحدد المادة 636 القاعدة العامة التي تحكم تحمل المصروفات في عقد العارية، وتنص على أن المستعير هو من يتحمل النفقات اللازمة لاستعمال الشيء المعار، ما لم يوجد اتفاق صريح أو ضمني يخالف ذلك بين الطرفين.
النص القانوني للمادة 636 مدني :-
يلتزم المعير أن يسلم المستعير الشيء المعار بالحالة التى يكون عليها وقت انعقاد العارية وأن يتركه للمستعير طول مدة العارية .
مضمون الإلتزام بالتسليم :
يتمثل مضمون الالتزام بالتسليم في عقد العارية في أن يقوم المعير بتمكين المستعير من الحيازة الفعلية للشيء المعار، بحيث يستطيع استعماله على الوجه المتفق عليه أو المعتاد، دون عوائق. ولا يقتصر هذا الالتزام على مجرد نقل الحيازة المادية، بل يشمل أيضًا تسليم الملحقات والوسائل اللازمة للاستعمال، كالمفاتيح أو الكتيبات أو المعدات المساعدة. ويجب أن يكون الشيء المعار في حالة صالحة للاستعمال، وفقًا لما خُصص له، وإلا اعتُبر المعير مخلاً بالتزامه. كما يتم التسليم في الزمان والمكان المحددين بالعقد، أو بحسب ما يقضي به العرف. فإذا امتنع المعير عن التسليم أو تأخر فيه دون مبرر، جاز للمستعير أن يطالبه بالتنفيذ أو الفسخ مع التعويض عند الاقتضاء، تطبيقًا للقواعد العامة في العقود.
إعسار المستعير قبل التسليم :
إذا أعسر المستعير قبل تسليم الشيء المعار، أي أصبح غير قادر على الوفاء بالتزاماته، جاز للمعير أن يرفض التسليم إذا كانت هناك خشية جدية من أن يُهمل المستعير في حفظ الشيء أو يعجز عن رده عند انتهاء العارية. ويستند ذلك إلى القواعد العامة في العقود، لا سيما مبدأ “من تعرّضت ذمته للخطر، لا يُجبر على التسليم إلا بضمان كافٍ”.
فالعقد في هذه الحالة، وإن كان قد انعقد صحيحًا، إلا أن تنفيذه قد يُلحق بالمعير ضررًا، خصوصًا أن العارية عقد تبرعي لا يستفيد منه المعير بشيء. ولهذا، يجوز له أن يتحلل من التنفيذ أو يطلب ضمانات كافية، وإذا لم تُقدَّم، جاز له الامتناع عن التسليم دون أن يُعدّ ذلك إخلالًا بالعقد.
هلاك الشئ المعار :
إذا هلك الشيء المعار أثناء مدة العارية، فإن تحديد المسؤولية عن هذا الهلاك يتوقف على سبب الهلاك وسلوك المستعير. فإذا كان الهلاك قد وقع بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي دون خطأ من المستعير، فلا يُسأل عنه، ولا يُلزم بالتعويض، لأن الشيء لم يهلك بخطئه أو بإهماله. أما إذا كان الهلاك نتيجة تعدٍ أو تفريط من المستعير، كأن استعمل الشيء في غير ما خُصص له أو أهمل في حفظه، فإنه يكون مسؤولًا عن التعويض، سواء هلك كليًا أو جزئيًا.
وفي حالة التأخر في رد الشيء بعد انتهاء العارية، فإن المستعير يُسأل عن أي هلاك يقع بعد هذا التأخير، ولو كان بسبب أجنبي، لأنه أصبح في حكم المفرّط.
وتُطبق في ذلك القواعد العامة في المسؤولية العقدية، مع مراعاة طبيعة العارية كعقد تبرعي يوجب على المستعير عناية خاصة في الاستعمال والحفظ.
ترك الشئ المعار للمستعمر طوال مدة العارية :
يُعد التزام المعير بـترك الشيء المعار للمستعير طوال مدة العارية من الالتزامات الأساسية التي يرتبها عقد العارية، ويُقصد به تمكين المستعير من الانتفاع بالشيء دون أن يعترضه المعير أو يسحب الشيء منه قبل انقضاء الأجل المتفق عليه، ما لم يوجد سبب قانوني يبرر ذلك. ويترتب على هذا الالتزام أن المعير لا يجوز له استرداد الشيء المعار خلال المدة المحددة، إلا إذا وُجد اتفاق يسمح بذلك، أو طرأت ظروف استثنائية، كاستعمال المستعير للشيء على وجه يضر به أو يخالف شروط العارية.
كما يتحمل المعير تبعة أي تعرض شخصي منه لحق الانتفاع الممنوح للمستعير، ويكون ملزمًا بالتعويض إن أخلّ بهذا الالتزام. ويؤكد هذا الحكم على احترام إرادة الطرفين وتحقيق الاستقرار في تنفيذ العقد، خاصة وأن العارية عقد تبرعي يُفترض فيه حسن النية والتزام المستعير بالاستعمال المشروع.
الإلتزام الثاني :رد المصروفات إلى المستعير :
الإلتزام الثاني الذي قد يقع على عاتق المعير في عقد العارية هو رد المصروفات إلى المستعير، ولكن هذا الالتزام ليس أصليًا، بل استثنائي، ولا يُفترض إلا في حالات خاصة. فالأصل، وفقًا للمادة 636 من القانون المدني، أن المصروفات التي يقتضيها استعمال الشيء المعار تقع على عاتق المستعير، ما لم يُتفق على غير ذلك.
ومع ذلك، إذا أنفق المستعير مصروفات ضرورية لحفظ الشيء أو صيانته، وكانت تلك المصروفات مما يُفترض أن يتحملها المالك، ولم يكن في وسعه استئذان المعير لضيق الوقت أو لغيابه، جاز له أن يطلب رد هذه المصروفات، تطبيقًا للقواعد العامة في الفضالة أو الإثراء بلا سبب.
كما يُمكن الاتفاق صراحة في عقد العارية على أن يتحمل المعير بعض النفقات، وهنا يصبح ملزمًا بردها. ويُشترط في جميع الأحوال أن تكون المصروفات ضرورية ومعقولة، وأن يكون المستعير قد أنفقها بحسن نية ولمصلحته ومصلحة الشيء المعار معًا.
رد المصروفات إلى المستعير المادة 637 من القانون المدني
تُعد المادة 637 من القانون المدني حجر الأساس في تحديد التزامات المستعير في عقد العارية، ذلك العقد التبرعي الذي يمكِّن شخصًا من الانتفاع بشيء مملوك للغير دون مقابل. ونظرًا لأن العارية تقوم على التبرع، فإن القانون يُحاط المستعير بعدد من الالتزامات التي تهدف إلى حماية مال المعير، وضمان ألا يؤدي الانتفاع المجاني إلى الإضرار به.
النص القانوني للمادة 637 مدني :-
(1) إذا أضطر المستعير إلى الاتفاق للمحافظة على الشيء أثناء العارية ـ ألتزم المعير أن يرد إليه ما أنفقه من المصروفات.
(2) أما المصروفات النافعة فتتبع فى شأنها الأحكام الخاصة بالمصروفات التى ينفقها من يجوز الشيء وهو سيئ النية .
المصروفات الضرورية :
تُقصد بـالمصروفات الضرورية تلك النفقات التي يُضطر المستعير إلى إنفاقها من أجل حفظ الشيء المعار وصيانته من التلف أو الهلاك، كإصلاح كسر مفاجئ أو معالجة تسرب خطير، والتي لو لم تُنفق لهلك الشيء أو تعرض لضرر جسيم. والأصل أن هذه المصروفات يقع عبؤها على المستعير، تطبيقًا للمادة 636 من القانون المدني، باعتبار أن العارية عقد تبرعي لا يُلزم المعير بتحمل تكاليف الانتفاع.
ومع ذلك، إذا كانت المصروفات الضرورية قد أُنفقت في ظروف لا تسمح باستئذان المعير، وكان إنفاقها من أجل مصلحة المعير أو للحفاظ على الشيء نفسه، جاز للمستعير الرجوع بها على المعير، تطبيقًا لقواعد الفضالة أو الإثراء بلا سبب. ويُشترط في هذه الحالة أن تكون المصروفات عاجلة، ضرورية، ومتناسبة مع قيمة الشيء، وأن يكون المستعير قد أنفقها بحسن نية.
المصروفات النافعة :
هي تلك النفقات التي يُنفقها المستعير بقصد تحسين الشيء المعار أو زيادة قدرته أو قيمته، دون أن تكون ضرورية لحفظه من الهلاك، كتركيب نظام إضاءة أفضل، أو إعادة طلاء الشيء، أو إدخال تحسينات تُسهل استعماله.
والأصل في القانون المدني أن المستعير لا يحق له الرجوع بهذه المصروفات على المعير، لأن العارية عقد تبرعي، والمعير لم يُلزم نفسه بأي مقابل أو منفعة تعود عليه.
ومع ذلك، يجوز للمستعير أن يطلب نزع ما أضافه من تحسينات إن أمكن ذلك دون إضرار بالشيء، وذلك على نفقته، أما إذا تعذر ذلك أو أصر المعير على الإبقاء على التحسينات، فلا يحق للمستعير المطالبة بأي تعويض عنها، إلا إذا وُجد اتفاق صريح على خلاف ذلك
المصروفات الكمالية :
المصروفات الكمالية هي النفقات التي يُنفقها المستعير بهدف التجميل أو الزينة، دون أن تكون ضرورية لحفظ الشيء أو نافعة في تحسين استعماله، مثل تزيين الشيء المعار بزخارف أو إضافات فنية لا تؤثر في وظيفته أو قيمته العملية.
والأصل أن هذه المصروفات يتحملها المستعير وحده، ولا يحق له الرجوع بها على المعير، لأن العارية عقد تبرعي لا يلتزم فيه المعير بتحمل أي أعباء إضافية، لا سيما تلك التي لا تمثل حاجة للشيء أو فائدة حقيقية له.
كما لا يجوز للمستعير أن يُطالب المعير بأي تعويض عنها حتى لو احتفظ بها المعير بعد انتهاء العارية، إلا إذا تم الاتفاق بين الطرفين صراحة على خلاف ذلك. وفي جميع الأحوال، يجوز للمستعير أن ينزع ما أضافه من كماليات إذا لم يُلحق ذلك ضررًا بالشيء المعار.
ضمانات الوفاء بالمصروفات الضرورية والنافعة :
حق الحبس :
يُعد حق الحبس من الوسائل القانونية التي تُمنح للدائن لضمان استيفاء حقه، ويقصد به امتناع الشخص عن رد شيء في حيازته إلى صاحبه، إلى أن يُوفى هذا الأخير بما هو مستحق للدائن بمناسبة هذا الشيء. وفي إطار عقد العارية، يثبت للمستعير حق الحبس إذا أنفق مصروفات ضرورية أو نافعـة على الشيء المعار وكان له الحق في الرجوع بها على المعير، سواء طبقًا للقانون أو لاتفاق خاص.
ففي هذه الحالة، يجوز للمستعير أن يرفض رد الشيء المعار حتى يقوم المعير برد تلك المصروفات أو ضمانها، على أساس أن المصروفات أنفقت لمصلحة الشيء وبإرادة أو علم المعير أو في ظروف تستوجب الرجوع بها. ويُشترط لاستعمال هذا الحق أن يكون الشيء لا يزال في حيازة المستعير، وأن يكون الدين حال الأداء، مع حسن النية. ويُعد هذا الحق بمثابة ضمان غير مباشر يُعزز موقف المستعير في مواجهة المعير، دون أن يتحول العقد إلى عقد معاوضة.
حق الإمتياز :
حق الامتياز هو أولوية يقررها القانون للدائن على مال معين للمدين، دون حاجة إلى رهن أو حكم قضائي، ويهدف إلى ضمان استيفاء الدائن لدينه قبل غيره من الدائنين. وفي إطار عقد العارية، لا يثبت للمستعير حق امتياز على الشيء المعار حتى لو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة، لأن العلاقة التعاقدية بين المعير والمستعير تقوم على التبرع لا المعاوضة، ولا يُجيز القانون منح امتياز إلا بنص صريح، وهو ما لا يتوافر هنا.
وبالتالي، إذا أنفق المستعير نفقات على الشيء المعار، فإن حقه في الرجوع بها على المعير – إن وُجد – يكون دينًا عادياً لا يتمتع بأي امتياز على الشيء. وليس له في مواجهة الغير (كالدائنين الآخرين للمعير أو من انتقلت إليهم ملكية الشيء) سوى طرق المطالبة العادية، ولا يُقدم على سائر الدائنين، إلا إذا كان هناك اتفاق صريح يمنحه ذلك، وهو أمر نادر في العارية.
موقع محامى مصر . كوم
mohamymasr.com
المستشار القانونى: محمد منيب المحامى
عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني