كيفية إنعقاد الوعد بالهبة في القانون المدني
ينعقد الوعد بالهبة في القانون المدني المصري بنفس القواعد التي تحكم انعقاد الهبة ذاتها، إذ يشترط لصحته توافر الأركان العامة للعقد من رضاء ومحل وسبب، بالإضافة إلى الشكل الرسمي، وهو شرط انعقاد وليس فقط وسيلة للإثبات. ويقصد بالشكل الرسمي أن يُحرر الوعد بالهبة في محرر رسمي يثبت إرادة الواهب الصريحة في الالتزام بالهبة مستقبلاً. ولا يكفي مجرد التعبير عن النية أو الوعد الشفهي، بل يجب أن يكون الوعد محرراً بورقة رسمية تامة حتى ينتج أثره القانوني، ويُعتبر ملزمًا للواهب ما دام لم يعدل عنه قبل تحقق الشروط.
آثار الوعد بالهبة في القانون المدني :
يترتب على الوعد بالهبة في القانون المدني آثار قانونية محددة متى استوفى شروطه، وعلى رأسها الشكل الرسمي. فإذا كان الوعد قد أُبرم بورقة رسمية صحيحة، فإنه يُعد تصرفًا ملزمًا للواهب، بحيث يجوز للموعود له، في حال رفض الواهب تنفيذ وعده، أن يطالبه بالتنفيذ العيني أو بالتعويض عند الاقتضاء. أما إذا تخلف شرط الشكلية، فلا يعتد بالوعد قانونًا ولا يرتب أي التزام على الواهب، ويُعد كأن لم يكن. وتجدر الإشارة إلى أن تنفيذ الواهب لوعده اختيارًا ينقل المال الموهوب إلى الموعود له نهائيًا، وتُعتبر الهبة في هذه الحالة نافذة لا يجوز الرجوع فيها، طالما تم التسليم وتوافرت باقي شروط الهبة.
شروط صحة الهبة
اولا : الأهلية في عقد الهبة :
يشترط لصحة عقد الهبة أن يكون كل من الواهب والموهوب له متمتعًا بالأهلية القانونية اللازمة، طبقًا للقواعد العامة في التصرفات القانونية.
فالواهب يجب أن يكون أهلاً للتبرع، أي بالغًا عاقلاً غير محجور عليه لسفه أو غفلة، لأن الهبة تصرف تبرعي يخرج به الشخص مالاً من ذمته دون مقابل، ولا يجوز صدوره من ناقص الأهلية.
أما الموهوب له، فيكفي أن يكون أهلاً لاكتساب الحق، ولو كان ناقص الأهلية، كالقاصر مثلاً، لأن الهبة في جانبه تعتبر كسبًا بلا عوض، وهو أمر لا يضر به، بل يفيده.
ومتى اختلت الأهلية لدى أحد الطرفين، ترتب على ذلك بطلان أو قابلية الهبة للإبطال، بحسب درجة النقص في الأهلية وظروف كل حالة.
(أ) أهلية الواهب
الشخص الذي تجوز له الهبة :
الشخص الذي تجوز له الهبة هو كل من تتوافر فيه أهلية التملك، أي كل شخص طبيعي أو اعتباري يستطيع قانونًا أن يكتسب الحقوق.
فالهبة تصح لأي فرد، سواء أكان أهلاً للتصرف أم لا، لأن الموهوب له لا يُلزم بشيء في الهبة، بل يكسب مالًا دون مقابل، ويكفي أن يكون له ذمة مالية مستقلة يستطيع أن تضاف إليها الموهوب. وتصح الهبة للقاصر، أو للمجنون، أو للسفيه، بشرط أن تتم عن طريق نائبه القانوني (كالولي أو الوصي)، كما تصح الهبة للأشخاص الاعتبارية كالجمعيات والمؤسسات، ما دامت الغاية من الهبة لا تتعارض مع النظام العام أو الغرض الذي أنشئت لأجله هذه الشخصيات.
هبة الولى أو الوصى أو القيم :
هبة الولي أو الوصي أو القيم تخضع لقيود وضمانات حمايةً لحقوق القاصر أو المحجور عليه، نظراً لأن المال الموهوب لا يملكه الواهب على وجه الاستقلال، بل يتصرف فيه نيابةً عن الغير. ولذا، فإن المشرع يشترط في هذه الحالة الحصول على إذن من المحكمة المختصة قبل إتمام الهبة، سواء أكانت الهبة لمصلحة القاصر أو منه. فإذا قام الولي أو الوصي أو القيم بمنح هبة من مال القاصر أو المحجور عليه دون إذن المحكمة، فإن الهبة تكون باطلة بطلانًا نسبيًا، لمصلحة القاصر أو المحجور عليه. أما إذا كانت الهبة صادرة لمصلحتهم، فتكون صحيحة متى كانت لا تضر بهم ودون حاجة إلى مقابل. وهذا ما يعكس حرص القانون المدني على التوازن بين مرونة التصرفات القانونية وحماية الفئات الضعيفة في المجتمع.
البالغ الرشيد المحكوم عليه بعقوبة جنائية :
البالغ الرشيد المحكوم عليه بعقوبة جنائية لا يفقد أهليته للتصرفات المدنية لمجرد الحكم عليه، إذ تظل له الأهلية الكاملة في إبرام العقود، ومنها عقد الهبة، ما لم يكن الحكم قد قضى صراحة بحرمانه من مباشرة حقوقه المدنية. فإذا تضمن الحكم العقابي عقوبة تكميلية أو تبعية تقضي بحرمانه من بعض الحقوق، كحق التملك أو التصرف أو التبرع، فإن هذا الحرمان يحدّ من قدرته على إجراء الهبة، ويكون التصرف الصادر منه باطلاً بقدر ما يتعارض مع نطاق هذا الحرمان. أما إذا لم يشمل الحكم أي أثر مدني، فيظل الشخص محتفظاً بأهليته الكاملة، وتكون الهبة الصادرة عنه صحيحة ومنتجة لآثارها.
البالغ الرشيد ذو العاهتين :
البالغ الرشيد ذو العاهتين – أي الأصم الأبكم الذي لا يستطيع القراءة أو الكتابة – يعتبر في حكم فاقد الأهلية وفقًا للمادة 114 من القانون المدني المصري، إذا لم يكن قد تعلم التعبير عن إرادته بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى مفهومة. وبالتالي، فإنه لا يعتد برضاه ولا يمكنه مباشرة التصرفات القانونية، ومنها عقد الهبة، إلا من خلال نائب قانوني كولي أو وصي أو قيم، بحسب الأحوال. ويشترط لصحة الهبة في هذه الحالة أن تصدر من النائب في حدود سلطته، وأن تكون الهبة خالية من التبرعات الضارة أو المجحفة بحقوق من يتولى شؤونهم. أما إذا كان ذو العاهتين قد تعلم الكتابة أو وسيلة أخرى للتواصل، فإنه يستعيد أهليته، وتُعتد إرادته كإرادة صادرة عن كامل الأهلية.
(ب) أهلية الموهوب له
الجنين :
يُعتبر الجنين في القانون المدني مستحقًا للهبة إذا وُلد حيًا، أي أن استحقاقه للهبة يظل معلقًا على شرط واقف، هو ولادته حيًّا. فالجنين لا يُعد شخصًا قانونيًا كامل الأهلية، لكنه يتمتع بحماية خاصة، ويُعترف له ببعض الحقوق المستقبلية متى كان في مصلحته، كحقه في الإرث والوصية والهبة. فإذا وُهبت أموال لجنين، فإن هذه الهبة لا تنفذ إلا إذا خرج إلى الحياة حيًّا، أما إذا وُلد ميتًا، فإن الهبة تُعد كأن لم تكن. ويجوز للولي أو الوصي قبول الهبة باسم الجنين، مراعيًا مصلحته، على أن يتم الإشهاد بذلك في الشكل الذي يقتضيه القانون، وتظل الهبة موقوفة إلى حين تحقق شرط الحياة.
الصبى غير المميز والمجنون والمعتوه :
لا يملك الصبي غير المميز، ولا المجنون، ولا المعتوه أهلية التعاقد، ومن ثم لا يجوز لأي منهم إبرام عقد الهبة بنفسه، سواء بوصفه واهبًا أو موهوبًا له، لأنهم يفتقرون إلى التمييز الذي تُشترط توافره لصحة الإرادة. وإذا أُريد إبرام عقد هبة لصالح أحدهم، فيجب أن يتم ذلك عن طريق نائبه القانوني، كولي أو وصي أو قيم، بشرط أن تكون الهبة خالصة من الشروط أو الأعباء، ومحققة لمصلحة الشخص عديم الأهلية. أما إذا كانت الهبة محملة بالتزامات، فلا يجوز قبولها إلا بإذن من المحكمة المختصة، ضمانًا لحماية مصالح القُصّر وعديمي الأهلية.
الصبى المميز والسفيه وذو الغفلة :
يُعد الصبي المميز، والسفيه، وذو الغفلة من ناقصي الأهلية في القانون المدني، وبالتالي لا يجوز لهم التصرف في أموالهم تصرفًا ضارًا ضررًا محضًا، مثل الهبة، إلا بواسطة من ينوب عنهم قانونًا، كولي أو وصي. فإذا أُريد إبرام عقد هبة من أحد هؤلاء، فيلزم الحصول على إذن مسبق من المحكمة، لضمان أن التصرف لا يلحق بهم ضررًا. أما إذا كانوا موهوبًا لهم، فيجوز قبول الهبة بالنيابة عنهم دون حاجة لإذن المحكمة، ما دامت الهبة غير محمّلة بالتزامات. أما إذا اقترنت بأعباء، فلا تُقبل إلا بإذن قضائي، حفاظًا على مصالحهم المالية.
الزوجة الصغيرة :
الزوجة الصغيرة، أي التي لم تبلغ سن الرشد القانوني، تُعد ناقصة الأهلية بحسب القانون المدني، فلا يجوز لها التصرف في أموالها تصرفًا ضارًا ضررًا محضًا، ومن ذلك عقد الهبة. فإذا رغبت في التبرع بمالها، وجب أن يتم ذلك بواسطة من ينوب عنها قانونًا، كالولي أو الوصي، وبعد الحصول على إذن من المحكمة المختصة، ضمانًا لصيانة مالها من التبذير أو الاستغلال. ولا يغير من ذلك كونها متزوجة، لأن الزواج لا يكسب القاصر أهلية التصرف الكاملة، ما لم تقترن الأهلية ببلوغ سن الرشد أو صدور حكم برفع الحجر عنها.
قبول الأشخاص المعنوية للهبات :
يجوز للأشخاص المعنوية، كالشركات والجمعيات والمؤسسات، أن تقبل الهبات، بشرط ألا تكون هذه الهبة مخالفة للغرض الذي أنشئت من أجله الشخصية المعنوية، وألا تتضمن شرطًا يتعارض مع نظامها الأساسي أو القانون الذي يحكمها. ويتم قبول الهبة من الشخص المعنوي بواسطة من يمثله قانونًا، كالممثل القانوني أو مجلس الإدارة، وفقًا للإجراءات المنصوص عليها في نظامه الداخلي. ويشترط في بعض الحالات، خصوصًا بالنسبة للجمعيات والمؤسسات ذات النفع العام، الحصول على إذن من الجهة الإدارية المختصة لقبول الهبة، ضمانًا للرقابة وتحقيقًا للمصلحة العامة.
المستشار محمد منيب / للإستشارات القانونية
🔹 استشارات في القضايا المدنية والتجارية (العقود، الشركات، المعاملات التجارية).
🔹 استشارات عقارية (الإيجارات، الملكية، الطعون على العقود، الشفعة).
🔹 استشارات قانونية جنائية (الدفاع في القضايا الجنائية، الطعون، الاستئناف).
🔹 استشارات تنفيذية لضمان تنفيذ الأحكام القضائية بأسرع وقت.
- 📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
- 📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
- 📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني