أركان عقد العارية وشروط صحتها في القانون المدني
يتكوَّن عقد العارية في القانون المدني من أركان ثلاثة أساسية هي: التراضي، والمحل، والسبب.
فأما التراضي، فيتحقق بتلاقي إرادتَي المعير والمستعير على منح حق الاستعمال دون مقابل، ويجب أن يكون كل من الطرفين متمتعًا بالأهلية القانونية للتبرع، خاصة المعير، لأنه يتنازل عن حق دون عوض.
وأما المحل، فيجب أن يكون شيئًا غير قابل للاستهلاك بطبيعته، كعقار أو منقول يُمكن استعماله دون إفنائه، ويكون معينًا ومشروعًا ومملوكًا للمعير أو مأذونًا له في التصرف فيه.
وأما السبب، فيجب أن يكون مشروعًا، وهو التبرع بالانتفاع دون مقابل.
وتشترط صحة العقد أيضًا أن يتم دون غبن أو تدليس، وأن يكون الغرض من الاستعمال محددًا أو قابلًا للتحديد، كما لا يُشترط شكل خاص لانعقاد العارية، فهي عقد رضائي، ولكن لا تُنتج آثارها إلا بتسليم الشيء.
أولا : شروط الإنعقاد
إحالة إلى القواعد العامة :
تُحيل القوانين في كثير من الأحيان إلى القواعد العامة لتكملة أو تفسير ما قد يغيب عنها من أحكام تفصيلية، وهو ما ينطبق على عقد العارية في القانون المدني. فمتى لم يرد في مواد العارية نص خاص ينظم مسألة معينة، يُرجع في ذلك إلى القواعد العامة في الالتزامات والعقود، مثل أحكام المسؤولية العقدية، وتنفيذ الالتزامات، والفسخ، والتعويض، والشرط الفاسخ، وغيرها. وتُعد هذه الإحالة ضمانة لتحقيق العدالة وسدّ الفراغ التشريعي، كما تُمكّن القاضي من الرجوع إلى المبادئ القانونية المستقرة عند غياب نص صريح. فالعارية مثلًا، وإن كانت عقدًا تبرعيًا، إلا أنها تخضع – في حال إخلال أحد الطرفين بالتزامه – لأحكام المسؤولية العقدية العامة، ما لم يوجد نص خاص في باب العارية يُخالف ذلك.
من يملك الإعارة ؟
يملك الإعارة في الأصل مالك الشيء، باعتباره صاحب الحق في تمكين الغير من الانتفاع بما يملك دون مقابل، سواء كان مالكًا ملكية تامة أو صاحب حق انتفاع مستقل. كما يجوز أيضًا لمن له حق قانوني أو تعاقدي في استعمال الشيء أو التصرف فيه أن يُعيره للغير، كالمستأجر أو المنتفع أو الوصي أو الوكيل، بشرط ألا يجاوز حدود سلطته أو يخالف الغرض من الحق المخوَّل له. أما من يحوز الشيء دون سند قانوني أو على سبيل الأمانة (كالوديع)، فلا يملك إعارته إلا بإذن صريح من المالك أو من له الصفة، وإلا كان مسؤولًا عن تجاوز حدود الأمانة. ويُشترط في المعير أن يكون متمتعًا بالأهلية القانونية للتبرع، لأن العارية تقتضي التنازل عن منفعة بلا مقابل، وهي تصرف تبرعي لا يجوز إلا لمن يملك مباشرة التصرفات الناقلة للمنفعة.
إعارة ملك الغير :
إعارة ملك الغير تُعد من المسائل الدقيقة في القانون المدني، إذ أن من يُعير شيئًا لا يملكه لا يملك التصرف فيه من حيث الأصل، ومع ذلك إذا تمّت العارية برضاء المستعير مع علمه بأن المعير ليس مالكًا، فإنها تكون صحيحة فيما بين الطرفين، ويلتزم المستعير برد الشيء إلى من أعاره إياه. أما إذا أنكر المالك الحقيقي العارية وطالب باسترداد الشيء، وجب على المستعير رده إليه فورًا، دون أن يكون له التمسك بحقه في الاستعمال. وفي جميع الأحوال، لا تُلزم العارية إلا من صدرت عنه، ولا تنقل أي حق قانوني في مواجهة المالك، ما لم يكن المعير يملك سلطة قانونية أو تعاقدية في التصرف بالنيابة عنه. وقد يُسأل المعير غير المالك عن ضمان الاستحقاق إذا ترتب على العارية ضرر للمستعير، خاصة إذا أخفى عنه حقيقة ملكية الغير.
إعارة الشئ المسروق :
إعارة الشيء المسروق تُعد باطلة ولا يترتب عليها أي أثر قانوني صحيح، لأن من لا يملك الشيء ولا يملك سلطة التصرف فيه لا يجوز له أن يُعيره للغير. فاللص أو من تلقى الشيء المسروق منه لا يملك الحق في التصرف فيه بأي صورة، سواء بالإعارة أو غيرها. وإذا قام المستعير باستعمال الشيء وهو يعلم أنه مسروق، اعتُبر في حكم الحائز بسوء نية، ويُسأل عن رد الشيء إلى مالكه الحقيقي، وقد يُلزم بالتعويض عن أي ضرر يلحق بالمالك نتيجة استعمال الشيء أو تلفه. أما إذا كان المستعير حسن النية، أي لا يعلم بأن الشيء مسروق، فلا يُعتبر مسؤولًا جنائيًا، لكنه يبقى ملزمًا برد الشيء عند مطالبة المالك به، ولا يكون له حق الاحتفاظ به أو التمسك بحقه في العارية.
ثانيا : المحل والسبب
(أ) المحل :
المحل في عقد العارية هو الشيء الذي يُعيره المعير للمستعير لاستعماله بغير مقابل، ويُشترط أن يكون هذا الشيء معينًا بذاته أو قابلاً للتعيين، وأن يكون غير قابل للاستهلاك بطبيعته، أي مما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالعقارات، والأثاث، والسيارات، والآلات. فلا تصح العارية في الأشياء التي تستهلك بالاستعمال، كالنقود أو المواد الغذائية، لأن هذه لا يمكن ردّها بعينها. كما يجب أن يكون محل العارية مشروعًا وموجودًا أو قابلاً للوجود عند التسليم، وأن يكون مملوكًا للمعير أو لمن له سلطة قانونية أو تعاقدية على الشيء، وإلا كانت العارية غير نافذة في مواجهة المالك الحقيقي. ويُعد المحل ركنًا جوهريًا في عقد العارية، لا ينعقد العقد بدونه أو إذا كان غير مشروع.
إحالة إلى القواعد العامة :
تُحيل أحكام العارية في القانون المدني إلى القواعد العامة في الالتزامات والعقود كلما لم يرد نص خاص ينظم مسألة معينة. ويعني ذلك أن ما لا تُحدده مواد العارية من التزامات أو آثار أو جزاءات، يُكمل بالرجوع إلى المبادئ العامة التي تحكم العقود بوجه عام، مثل القواعد المتعلقة بتنفيذ الالتزام، والإعذار، والتعويض، والفسخ، والشرط الفاسخ، والقوة القاهرة، وغيرها. فمثلًا، إذا أخلّ المستعير بالتزامه برد الشيء، ولم يحدد القانون جزاءً خاصًا، يُطبق عليه حكم التأخير في تنفيذ الالتزام وفقًا للقواعد العامة. وتُعد هذه الإحالة ضمانًا لمرونة التنظيم القانوني، وتسمح للقاضي بسدّ النقص في الأحكام الخاصة، مع الحفاظ على عدالة العلاقة التعاقدية بين الطرفين.
يشترط أن يكون الشئ العار غير قابل للإستهلاك :
يشترط في الشيء محل العارية أن يكون غير قابل للاستهلاك بطبيعته، أي مما يمكن الانتفاع به دون أن يفنى بمجرد استعماله، كالعقارات، والمركبات، والأثاث، والآلات. والسبب في هذا الشرط أن العارية تهدف إلى تمكين المستعير من الاستعمال المؤقت للشيء، مع التزامه برده بعينه إلى المعير عند انتهاء العارية، وهو ما لا يتحقق في الأشياء القابلة للاستهلاك كالطعام والنقود، إذ تستهلك بالاستعمال ولا يمكن ردها بذاتها. أما إذا أُعير شيء قابل للاستهلاك مع الاتفاق على رد مثله، فإن العقد لا يكون عارية، بل يُعد قرضًا. وبالتالي، فإن عدم قابلية الشيء للاستهلاك تُعد من خصائص العارية الجوهرية التي تُميزها عن غيرها من العقود.
الأشياء التي تجوز إعارتها :
تجوز إعارة كل شيء غير قابل للاستهلاك بطبيعته ويمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، بشرط أن يكون مشروعًا ومملوكًا للمعير أو مأذونًا له في التصرف فيه. ومن أمثلة الأشياء التي تصح إعارتها: العقارات كالمنازل والأراضي، والمنقولات مثل السيارات، والأثاث، والكتب، والآلات، والأدوات المنزلية. ويُشترط كذلك أن يكون الشيء معينًا أو قابلاً للتعيين، وأن يكون صالحًا للاستعمال وقت الإعارة. أما الأشياء التي تستهلك بمجرد استعمالها، كالنقود والطعام، فلا يجوز إعارتها على وجه العارية، لأن المستعير لا يستطيع ردها بعينها، ويكون العقد حينئذ قرضًا وليس عارية. كما لا يجوز إعارة الأشياء المحظورة قانونًا أو المخالفة للنظام العام والآداب، وإلا كان العقد باطلًا.
(ب) السبب :
السبب في عقد العارية هو نية التبرع بالانتفاع دون مقابل، أي أن المعير يهدف إلى تمكين المستعير من استعمال الشيء مجانًا، دون أن يتلقى عوضًا ماليًا أو ماديًا في المقابل. ويُعد السبب ركنًا جوهريًا في صحة العقد، ويجب أن يكون مشروعًا وموجودًا، فإن كان غير مشروع – كأن يكون غرض الإعارة التستر على عمل غير قانوني – كان العقد باطلًا. ويتمثل الفرق الجوهري بين العارية وغيرها من العقود في هذا السبب، إذ إن العارية عقد تبرعي لا معاوضة فيه، مما يترتب عليه نتائج قانونية مهمة، مثل اشتراط أهلية التبرع في المعير، وتفسير الشروط الواردة في العقد تفسيرًا ضيّقًا. وإذا لم يكن هناك سبب حقيقي أو إذا ثبت أن السبب وهمي أو مخالف للنظام العام، فإن العقد يُعد غير نافذ أو باطلًا بحسب الأحوال.
إحالة إلى القواعد العامة :
تُحال أحكام عقد العارية إلى القواعد العامة في القانون المدني كلما لم يرد بشأنها نص خاص، باعتبار العارية من العقود الرضائية التي تُستكمل قواعدها من المبادئ العامة في الالتزامات والعقود. فمثلًا، إذا لم ينص القانون على جزاء تأخير المستعير في رد الشيء، يُطبق عليه ما تقرره القواعد العامة من مسؤولية المدين عن التأخير، بما في ذلك التعويض. كما تُطبق على العارية أحكام الفسخ، والشرط الفاسخ، والقوة القاهرة، وحسن النية، وتنفيذ الالتزامات، وفقًا للمواد العامة المنظمة للعقود. وتُعد هذه الإحالة ضرورية لضمان تكامل البناء القانوني، وسدّ الفراغ التشريعي، وتحقيق التوازن والعدالة في العلاقة بين المعير والمستعير، خاصة في الحالات التي لا يعالجها النص الخاص.
إثبات العارية :
يخضع إثبات العارية للقواعد العامة في الإثبات المنصوص عليها في القانون المدني، فيُعتد بالكتابة إذا تجاوزت قيمة الشيء محل العارية النصاب القانوني الذي لا يجوز تجاوزه بشهادة الشهود. فإذا كانت العارية تتعلق بشيء تزيد قيمته على هذا النصاب، وجب إثباتها بالدليل الكتابي، ما لم يوجد مانع مادي أو أدبي حال دون ذلك، أو كانت هناك قرائن قوية تثبت وجود العارية. كما يمكن الإثبات بالشهود أو القرائن إذا كانت العارية طارئة أو عرفية، كالإعارات المتبادلة بين الجيران أو الأقارب. ويُعد تسليم الشيء إلى المستعير قرينة على وجود العارية، خاصة إذا لم يثبت أن له سببًا آخر مشروعًا. وفي جميع الأحوال، يخضع تقدير وسائل الإثبات لسلطة القاضي وفقًا للظروف والملابسات المحيطة بالعلاقة بين الطرفين.
ثالثا : شروط الصحة ( الأهلية وعيوب الرضا )
(أ) الأهلية :
تُعد الأهلية من الشروط الجوهرية لصحة عقد العارية في القانون المدني، إذ يجب أن يكون كل من المتعاقدين متمتعًا بالأهلية القانونية اللازمة لإبرام العقد. ويُشترط بوجه خاص أن يكون المعير أهلاً للتبرع، لأن العارية من العقود التبرعية التي يُقدِّم فيها المعير منفعة دون مقابل، فلا تصح من ناقص الأهلية كالقاصر أو المحجور عليه إلا بإذن من من له الولاية عليه. أما المستعير، فيكفي أن يكون مميزًا وقادرًا على فهم طبيعة الالتزام الذي يترتب على العارية، كالمحافظة على الشيء وردّه. وإذا انعقدت العارية من شخص فاقد أو ناقص الأهلية دون توفر الشروط القانونية، كان العقد قابلًا للإبطال لمصلحته، ويجوز له أو لمن يمثله أن يطلب إبطاله وفقًا لأحكام القانون.
أهلية المعير :
تُشترط في المعير أهلية خاصة، إذ يجب أن يكون متمتعًا بـأهلية التبرع، لأن العارية تُعد من التصرفات التبرعية التي يلتزم فيها المعير بتمكين المستعير من الانتفاع بالشيء دون مقابل. ولذلك، لا يجوز لمن كان ناقص الأهلية، كالقاصر غير المأذون أو المحجور عليه لسفه أو غفلة، أن يعقد عارية صحيحة إلا إذا أُجيز له ذلك من وليه أو وصيه أو بموجب حكم قضائي. ويُشترط أيضًا أن يكون المعير مالكًا للشيء أو صاحب حق يسمح له بإعارته، وأن يصدر رضاه بالعقد عن إرادة سليمة خالية من العيوب كالإكراه أو الغلط أو التدليس. فإذا اختلت أهلية المعير أو شاب رضاه عيب، كان العقد قابلًا للإبطال، حمايةً لمصلحة الطرف غير الكامل الأهلية وصونًا للعدالة في التصرفات التبرعية.
أهلية المستعير :
تُعد أهلية المستعير من الشروط اللازمة لصحة عقد العارية، غير أن القانون لا يشترط فيه أن يكون متمتعًا بأهلية التبرع، كما هو الحال بالنسبة للمعير، بل يكفي أن يكون مميزًا وذو قدرة قانونية على التعاقد، لأنه لا يلتزم إلا بالاستعمال والمحافظة على الشيء وردّه، دون أن يقدم مقابل مادي. ولذلك، يجوز أن يكون المستعير قاصرًا مميزًا أو ناقص الأهلية، ما دام قادرًا على فهم طبيعة التزامه. أما إذا كان عديم الأهلية، كالصغير غير المميز أو المجنون، فلا يصح تعاقده إلا عن طريق نائبه القانوني. وتترتب على نقص أهلية المستعير قابلية العقد للإبطال، لمصلحته، حمايةً له من التصرفات التي قد لا يُدرك آثارها القانونية.
(ب) عيوب الإدارة :
تُعد سلامة الإرادة من الشروط الأساسية لصحة عقد العارية، ولذا يجب أن تصدر إرادة كل من المعير والمستعير خالية من عيوب الإرادة التي تُفسد الرضا، وهي: الغلط، والتدليس، والإكراه، والغبن مع الاستغلال. فإذا شاب رضا أحد الطرفين عيب من هذه العيوب، كان العقد قابلًا للإبطال لمصلحته.
فمثلاً، إذا وقع المستعير في غلط جوهري بشأن طبيعة الشيء المعار أو طريقة استعماله، أو إذا أُكره أحد الطرفين على التعاقد بوسيلة غير مشروعة، أو استُخدم التدليس لإقناعه بالدخول في العقد، جاز له طلب إبطال العارية.
ويُشترط أن يكون العيب مؤثرًا في الإرادة، أي لولاه ما كان الشخص ليُبرم العقد. وتُقدّر هذه العيوب في ضوء ظروف كل حالة، ويخضع إثباتها للقواعد العامة في القانون المدني.
مكتب المحامى محمد منيب فى الهرم
- ✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت . - 📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
- 📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
- 📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني