رفض الطبيب علاج المريض في القانون المدني
يُعد رفض الطبيب علاج المريض دون مبرر مشروع مخالفة جسيمة لواجبات المهنة، وقد يُرتب مسؤوليته المدنية إذا ترتب على هذا الرفض ضرر للمريض. ففي القانون المدني، يلتزم الطبيب – متى بدأت العلاقة العلاجية أو استدعت الضرورة تدخله – بـ تقديم العناية الطبية اللازمة، ولا يجوز له الامتناع عن العلاج إلا لأسباب مقبولة، كعدم تخصصه في الحالة، أو وجود مانع قانوني أو أخلاقي، أو تعذر تقديم العلاج في ظل الإمكانات المتاحة. ويشترط في جميع الأحوال أن يكون الامتناع في الوقت المناسب وأن يتم توجيه المريض إلى جهة أخرى قادرة على تقديم الرعاية، إذا أمكن ذلك. أما إذا كان المريض في حالة طارئة أو في خطر داهم، فإن رفض الطبيب التدخل يُعد إخلالًا جسيماً بواجب الإغاثة ويُسأل عنه قانوناً، حتى ولو لم تكن هناك علاقة سابقة بينه وبين المريض، لأن الضرورة تفرض عليه واجب الإنقاذ بغض النظر عن الإرادة التعاقدية.
إنقطاع الطبيب عن علاج المريض :
يُعد انقطاع الطبيب عن علاج المريض دون مبرر مشروع إخلالًا بالالتزام المهني والقانوني الذي يفرض عليه استمرار تقديم الرعاية الطبية طالما كانت حالة المريض تتطلب ذلك. فإذا بدأ الطبيب في علاج المريض، ترتب على ذلك التزامه بمواصلة العلاج إلى حين تحسن الحالة أو إحالتها إلى طبيب آخر بطريقة منظمة. ويُشترط أن يكون الانقطاع مبررًا، كتعذر الاستمرار لأسباب صحية أو قانونية أو فنية، أو وجود خلاف جوهري مع المريض يجعل الاستمرار ضارًا بالعلاقة العلاجية، وفي كل الأحوال يجب على الطبيب أن يُخطر المريض ويمنحه الفرصة للانتقال إلى طبيب بديل. أما إذا انقطع فجأة دون سبب مقبول، ونتج عن ذلك ضرر للمريض، فإنه يُسأل مدنيًا عن هذا الإهمال، وقد تقوم مسؤوليته التأديبية أيضًا أمام الجهة المختصة، خاصةً إذا كان الانقطاع قد عرض المريض لخطر فعلي أو أدى إلى تدهور حالته الصحية.
إلتزامات الطبيب في توقيع الكشف وتشخيص المرض :
يُلقى على عاتق الطبيب عند توقيع الكشف وتشخيص المرض عدد من الالتزامات الجوهرية، أبرزها أن يُجري الفحص الطبي بنفسه وبعناية الرجل الحريص، مع مراعاة القواعد العلمية والأصول المهنية المعترف بها. ويجب عليه أن يُحسن الإصغاء إلى شكوى المريض، ويدرس الأعراض بعناية، ويطلب الفحوص اللازمة إذا اقتضى الأمر، حتى يتمكن من الوصول إلى تشخيص دقيق. كما يلتزم الطبيب بأن يُدوِّن كل ما يتعلق بحالة المريض بوضوح ودقة في السجل الطبي، وأن يطلع المريض – أو من يمثله – على طبيعة حالته وخيارات العلاج الممكنة بطريقة مفهومة. ولا يجوز للطبيب أن يتسرع في إصدار التشخيص أو أن يُهمل علامات واضحة، لأن ذلك يُعد إخلالًا بواجب العناية، ويُرتب مسؤوليته إذا ترتب عليه ضرر. فالتشخيص هو الأساس الذي يُبنى عليه العلاج، وأي تقصير فيه قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تُحمِّل الطبيب تبعات قانونية ومهنية.
إلتزامات الطبيب في وصف العلاج :
يُعد وصف العلاج من أهم مراحل العمل الطبي، ويقع على عاتق الطبيب فيها التزام دقيق ومسؤول، يتمثل في اختيار العلاج المناسب لحالة المريض استنادًا إلى تشخيص علمي سليم، مع مراعاة حالته الصحية العامة، وتاريخه المرضي، والأدوية التي يتناولها، وتفادي التداخلات الدوائية المحتملة. كما يلتزم الطبيب بأن يُوضح للمريض طريقة استخدام الدواء والجرعة ومدى الانتظام المطلوب، ويُحذره من الآثار الجانبية المحتملة أو أي محاذير صحية تتعلق بالعلاج. ويجب أن يكون وصف العلاج مكتوبًا بوضوح وبأسلوب مفهوم للصيدلي والمريض معًا، وأن يُدوَّن في السجل الطبي. فإذا وصف الطبيب علاجًا خاطئًا أو غير ملائم لحالة المريض، أو أغفل معلومات ضرورية، ترتب على ذلك مسؤوليته المدنية إذا نتج عن ذلك ضرر، لأنه يكون قد أخلّ بواجب العناية والدقة الذي تفرضه عليه مهنته.
الحقن بمصل التيتانوس :
يُعد الحقن بمصل التيتانوس (الكزاز) إجراءً وقائيًا ضروريًا في حالات الجروح الملوثة أو العميقة، خاصة تلك الناتجة عن أدوات صدئة أو ملوثة بالتربة، وذلك للحماية من عدوى بكتيريا التيتانوس الخطيرة التي قد تُسبب تقلصات عضلية شديدة وتهدد الحياة. ويقع على عاتق الطبيب التقدير السليم لحاجة المريض إلى هذا المصل، استنادًا إلى طبيعة الجرح، وتاريخ المريض التطعيمي، والفترة المنقضية منذ آخر جرعة. ويجب على الطبيب أن يُعلم المريض بطبيعة المصل، وفائدته، والآثار الجانبية المحتملة، وأن يتحقق من عدم وجود موانع صحية لدى المريض. كما يُعد الامتناع عن إعطاء مصل التيتانوس في حالة تستدعيه إهمالًا طبيًا جسيمًا، يُرتب مسؤولية الطبيب إذا أصيب المريض بعدوى كان من الممكن تفاديها بهذا الإجراء البسيط.
مسئولية طبيب التوليد :
تُعد مسؤولية طبيب التوليد من أبرز صور المسؤولية الطبية في القانون المدني، نظرًا لما تتسم به أعماله من دقة وحساسية عالية تتعلق بحياة الأم والجنين معًا. ويلتزم طبيب التوليد ببذل عناية فائقة تتناسب مع خطورة المهمة، منذ متابعة الحمل وحتى لحظة الولادة، بما في ذلك اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقائية وتشخيصية، وتقدير التوقيت المناسب للتدخل الطبي، سواء بالولادة الطبيعية أو القيصرية. وتقوم مسؤوليته إذا ارتكب خطأً مهنيًا، كالإهمال في مراقبة علامات الخطر، أو التأخر في التدخل، أو استخدام وسائل غير مناسبة لحالة الأم أو الجنين. ويُسأل طبيب التوليد أيضًا إذا ثبت أنه لم يُحط المريضة علمًا بالمخاطر المحتملة أو لم يحصل على رضاء مستنير، أو أغفل توثيق حالتها بدقة. ويُراعى في تقدير مسؤوليته معيار الطبيب المتخصص الحريص في نفس الظروف، فإذا ثبت الخطأ ووجود علاقة سببية بينه وبين الضرر، التزم الطبيب بتعويض الأم أو ولي الجنين عن الأضرار الناتجة.
مسئولية الجراح :
(أ) قبل إجراء الجراحة :
قبل إجراء الجراحة، يلتزم الجراح بمجموعة من الإجراءات الجوهرية التي تُعد أساسًا لمشروعية تدخله ومسؤوليته المهنية، وفي مقدمتها توقيع الكشف الدقيق على المريض وتشخيص حالته تشخيصًا سليمًا، والتأكد من ضرورة إجراء الجراحة كخيار علاجي لا غنى عنه، مع مراعاة البدائل المتاحة إن وجدت. كما يجب على الطبيب أن يُجري جميع الفحوص والتحاليل اللازمة للتأكد من استعداد المريض للجراحة وخلوه من الموانع الطبية. ومن أبرز الالتزامات أيضًا أن يُطلع المريض إطلاعًا كافيًا ومفهومًا على طبيعة العملية، ومراحلها، والمضاعفات المحتملة، والنتائج المتوقعة، ثم يحصل على رضاء حر ومستنير منه، ويفضل أن يكون هذا الرضاء مكتوبًا. ويُعد الإخلال بهذه الواجبات – ولو قبل بدء العملية – خطأ مهنيًا قد يُرتب مسؤولية الطبيب إذا نتج عنه ضرر، لأن سلامة القرار الجراحي لا تبدأ داخل غرفة العمليات فقط، بل من لحظة التقييم والتحضير المسبق لها.
(ب) أثناء إجراء الجراحة :
أثناء إجراء الجراحة، يلتزم الجراح بـ أقصى درجات العناية المهنية والفنية، لأن هذا الوقت يُعد من أخطر مراحل العمل الطبي، ويتطلب دقة فائقة وسرعة في اتخاذ القرار. ويجب أن تُجرى العملية وفقًا للأصول العلمية المستقرة في تخصصه، مع استخدام الأدوات المناسبة والمعقمة، وضمان وجود فريق طبي مؤهل لمساعدته، مع اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث مضاعفات، كالنزيف أو العدوى أو الخطأ في العضو الجراحي. كما يلتزم الجراح بمتابعة المؤشرات الحيوية للمريض، والتعامل الفوري مع أي طارئ يظهر أثناء الجراحة. ولا يجوز له الخروج عن حدود العملية المتفق عليها إلا في حالات الضرورة الطبية القصوى التي تقتضي تدخلًا إضافيًا لإنقاذ حياة المريض. فإذا ارتكب الجراح خطأً فنيًا أو تصرف بإهمال أو تسرّع أو تجاوز نطاق الرضاء الممنوح له، فإنه يُسأل عن أي ضرر ناتج، وتقوم مسؤوليته وفقًا لمعيار الطبيب الجراح المعتاد في ذات الظروف.
(ج) بعد إجراء الجراحة :
بعد إجراء الجراحة، يظل الجراح ملتزمًا بـ متابعة حالة المريض بدقة وعناية مستمرة، إذ لا تنتهي مسؤوليته بمجرد الانتهاء من العملية، بل تمتد إلى مرحلة ما بعد الجراحة، والتي تُعد حاسمة في ضمان نجاح التدخل الجراحي وسلامة المريض. ويجب على الجراح أن يُشرف على الرعاية الطبية اللاحقة، مثل مراقبة العلامات الحيوية، وفحص موضع الجراحة، والتأكد من التئام الجرح وعدم وجود مضاعفات كالنزيف أو العدوى أو التجلط، كما يلتزم بـ تعديل العلاج أو التدخل مجددًا إذا لزم الأمر. ويجب أن يُعلم المريض أو ذويه بكل ما يجب اتخاذه من احتياطات، وأن يُتابع تنفيذ التوصيات العلاجية بدقة. فإذا أخلّ الطبيب بواجب المتابعة، أو أهمل في اكتشاف المضاعفات أو علاجها في الوقت المناسب، وقعت عليه المسؤولية المدنية لعدم بذله العناية اللازمة، باعتبار أن الإشراف بعد الجراحة جزء لا يتجزأ من العمل الجراحي الكامل.
جراحة التجميل :
تُعد جراحة التجميل من الأعمال الطبية التي تهدف إلى تحسين المظهر الخارجي دون أن تكون ضرورية لعلاج مرض أو إنقاذ حياة، ولذلك فهي تخضع في القانون المدني لرقابة دقيقة من حيث مشروعية الغرض ووضوح الرضاء. ويُلزم الطبيب في هذا النوع من الجراحات بأن يُقدّم للمريض معلومات دقيقة ومفصلة عن طبيعة العملية، والنتائج المتوقعة، والمخاطر المحتملة، ونسبة النجاح، حتى يكون الرضاء الصادر عن المريض مستنيرًا وواعيًا. كما يُشترط أن يكون الغرض من الجراحة مشروعًا، فلا يجوز إجراء عمليات تمس الكرامة الإنسانية أو تُخالف النظام العام أو الآداب. وتُعتبر مسؤولية طبيب التجميل أشدّ من الجراح العادي، لأن المريض غالبًا ما يسعى إلى نتيجة محددة، وقد يرى القضاء في بعض الحالات أن الالتزام هنا يقترب من تحقيق نتيجة وليس مجرد بذل عناية، خاصة إذا ادعى الطبيب إمكانية الوصول إلى مظهر معين. وبالتالي، فإن أي إخلال بالتزام الشرح أو خطأ في التنفيذ قد يُرتب مسؤولية مدنية وتعويضًا عن الأضرار المادية والمعنوية التي تصيب المريض.
مسئولية طبيب التخدير :
تُعد مسؤولية طبيب التخدير من أخطر صور المسؤولية الطبية، نظرًا لما ينطوي عليه عمله من تدخل مباشر في الوظائف الحيوية للمريض كالتنفس والدورة الدموية، ولارتباط التخدير غالبًا بالحالات الجراحية الدقيقة. ويلتزم طبيب التخدير قبل العملية بـ فحص المريض فحصًا دقيقًا للتأكد من صلاحيته للتخدير، والاطلاع على تاريخه المرضي، والحساسية المحتملة، ووضع خطة التخدير المناسبة لحالته. كما يلتزم أثناء الجراحة بمراقبة الوظائف الحيوية بدقة، وضبط جرعات المخدر، والتدخل الفوري عند حدوث أي طارئ. فإذا أخلّ بهذه الالتزامات، كأن يُعطي جرعة زائدة أو يُهمل في المتابعة أو يستخدم مواد غير مناسبة، ترتبت مسؤوليته إذا نتج عن ذلك ضرر، حتى لو لم يكن طبيب الجراحة هو المخطئ. ويُقاس سلوك طبيب التخدير بمعيار الطبيب الحريص في نفس التخصص والظروف، وتقوم مسؤوليته في حال ثبوت الخطأ والعلاقة السببية، ويُعد أي تقصير منه تهديدًا مباشرًا لحياة المريض، مما يُرتب مسؤولية مدنية وربما جنائية بحسب جسامة الخطأ.
13 شارع الخليفة من شارع الهرم ناصية فندق الفاندوم، بجوار السجل المدنى، الهرم، الجيزة.
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774