تطلب توافر القصد الجنائي العام في القانون المدني

تطلب توافر القصد الجنائي العام في القانون المدني

لا تعاقب المادة ۳۱۰ على إفشاء الأسرار إلا إذا كان ذلك الإفشاء صادرا عن قصد جنائي . ويتمثل هذا القصد في إفشاء الطبيب السر عن عمد عالما بأنه يفشي سرا لم يفض به إليه أو يصل إلى علمه إلا عن طريق مهنته فإذا اعتقد الطبيب أن الواقعة ليست لها صفة السر، كما لو اعتقد الطبيب أن المرض أو العجز اليسير ليس سرا فأذاعه أو اعتقد الطبيب أنه ليست للسر صلة بمهنته، أو اعتقد أن المجنى عليه راض بإفشاء السر إلى شخص معين ، كما لو ظن الطبيب أن المريض راض بإخطار زوجته بمرضه فأفضى به إليها ، فإن القصد الجنائى ينتفى فى جميع هذه الحالات. وغنى عن البيان أن الجهل أو الغلط الذي ينفى القصد هو – تطبيق للقواعد العامة – ما تعلق بالوقائع أو بالتكييف القانوني غير الجنائى ، أما إذا تعلق بالتجريم في ذاته فهو لا ينفى القصد . فإذا كان الطبيب يعلم أن للواقعة صفة السر المهني ، ولكنه يعتقد أن مهنته ليست من المهن التي يلتزم أفرادها بكتمان السر أو يعتقد توافر سبب إباحة لا يعترف به القانون فإن القصد يعد – على الرغم من ذلك وافرا لديه .

لا يشترط توافر نية الإضرار لدى الطبيب :

أثير خلاف هام حول ما إذا كانت جريمة إفشاء السر تستلزم قصدا وليها هو نية الإضرار بصاحب السر أم لا تستلزمه وذهب جانب من الفقه الفرنسى منذ عهد بعيد إلى القول بأن نية الإضرار بذه شرط لا غنى عنه لقيام الجريمة . لأنه إذا اختفت نية الإضرار مقتضى ذلك أن صاحب النبأ لا يعتبره سرا ، ولأن المشرع أورد جريمة . الإفشاء في باب القذف والسب والبلاغ الكاذب ، وهي جرائم يتطلب للعقاب عليها قصد الإضرار . ومن ثم فإن هذه الجرائم جميعا قسائم متساوية في اقتضائها نية الإضرار شرطا جوهريا لقيام القصد الجنائي . وقد أخذت بهذا الرأى محكمة النقض الفرنسية في حكم لها صادر بتاريخ ۱۸۳۰/۷/۲۳ . إلا أن محكمة النقض الفرنسية عدلت عن هذا القضاء ونبذت فكرة الضرر في حكمها الصادر سنة ١٨٨٥ في القضية المعروفة باسم قضية واتيليه watelet وتتلخص ظروف هذه القضية في أن مصورا يدعى باستيان ليباج Bastien – Lepage أصيب بمرض في الخصية وقام على علاجه صديقه الدكتور ” واتيليه” . ولما اشتدت وطأة المرض على المريض استعان الطبيب بزميليه الجراح مارشان، وفورنييه الأخصائي في الأمراض التناسلية .

عقوبة الجريمة في إفشاء سر المهنة :

تُعد جريمة إفشاء سر المهنة من الجنح التي يعاقب عليها القانون، وتتمثل عقوبتها في الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة التي لا تتجاوز خمسمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفقًا لنص المادة 310 من قانون العقوبات المصري. وتُشدد العقوبة إذا كان الفاعل طبيبًا أو محاميًا أو ممن تقتضي طبيعة عملهم أو مهنتهم الإطلاع على أسرار الناس، وذلك لما لهم من واجب قانوني وأخلاقي في كتمان ما يُسند إليهم من معلومات بسبب مهنتهم. ويُشترط لتوقيع العقوبة أن يتم الإفشاء دون إذن صاحب السر، وألا يكون هناك موجب قانوني أو ضرورة قصوى تبيح هذا الإفشاء، كالدفاع عن النفس أو منع وقوع جريمة.

تسبيب حكم الإدانة :

تسبيب حكم الإدانة يُعد من الضمانات الأساسية للعدالة الجنائية، وهو شرط جوهري لصحة الحكم، بحيث يجب على المحكمة أن تُبين في حكمها الأدلة التي اعتمدت عليها في الإدانة، وتوضح كيفية استنتاجها لثبوت التهمة على المتهم. ويُقصد بالتسبيب أن يحتوي الحكم على عرض كافٍ لوقائع الدعوى، وتحليل للأدلة، وبيان لمدى كفايتها في تكوين عقيدة المحكمة. فإذا خلا الحكم من التسبيب، أو جاء تسبيبه غامضًا أو مجهلاً أو قاصرًا عن الإفصاح عن عناصر الجريمة وأركانها، كان باطلاً ويستوجب نقضه. ويهدف التسبيب إلى تمكين محكمة الطعن من بسط رقابتها على الحكم، وضمان شفافية القضاء، وصيانة حق المتهم في محاكمة عادلة.

الحالات التي يجب أو يجوز فيها إفشاء سر المهنة الطبية :

هناك حالات يجوز أو يجب فيها إفشاء سر المهنة الطبية دون أن يُعد ذلك جريمة. ومن أبرز هذه الحالات: إذا وجد الطبيب نفسه مضطرًا للإفشاء دفاعًا عن نفسه أمام القضاء في دعوى مرفوعة ضده، أو إذا استُدعي للشهادة أمام المحكمة، وكان القانون لا يجيز له الامتناع. كما يجوز الإفشاء إذا أذن المريض صراحة في ذلك، أو إذا كان الإفشاء ضروريًا لحماية مصلحة عامة أو درء خطر داهم، كالإبلاغ عن مرض معدٍ يهدد سلامة المجتمع. كذلك يوجب القانون في بعض الحالات على الأطباء التبليغ، مثل حالات الوفاة الجنائية أو الاشتباه في تعرض المريض لاعتداء، ويكون الامتناع في هذه الحالات مخالفة يعاقب عليها القانون .

الحالة الأولى : تنفيذ أمر القانون أو إستعمال حق يجيزه :

يُعد تنفيذ أمر القانون أو استعمال الحق الذي يجيزه من الأسباب المبيحة للفعل، والتي تنفي عن مرتكبه الصفة غير المشروعة، سواء في نطاق المسؤولية الجنائية أو المدنية. فإذا قام الشخص بعمل تنفيذًا لأمر القانون، كأن يبلغ الطبيب عن حالة مرضية يُوجب القانون التبليغ عنها، أو استعمل حقًا خوله له القانون، كأن يُدلي المحامي بمعلومات في معرض دفاعه عن موكله أمام القضاء، فإن هذا الفعل لا يُعد جريمة ولا يُرتب مسؤولية. ويشترط في ذلك أن يكون استعمال الحق أو تنفيذ الأمر في حدود ما رسمه القانون، وألا يُسرف الشخص في استعماله إلى حد يُفقده مشروعيته، لأن التجاوز أو التعسف في هذا النطاق قد يخرجه عن الحماية القانونية ويجعله فعلاً ضارًا يُرتب المسؤولية.

الإبلاغ عن المواليد :

الإبلاغ عن المواليد هو التزام قانوني يهدف إلى توثيق واقعة الميلاد وضمان تمتع الطفل بكافة حقوقه المدنية منذ لحظة ولادته، وعلى رأسها الحق في الاسم والجنسية. ويقع عبء الإبلاغ أساسًا على والد الطفل أو من حضر الولادة من الأقارب أو القائمين على الرعاية، ويجب أن يتم الإبلاغ خلال مدة معينة يحددها القانون، غالبًا لا تتجاوز خمسة عشر يومًا من تاريخ الولادة. ويتم الإبلاغ لدى الجهة الإدارية المختصة، كالسجل المدني، ويُحرر بناءً عليه شهادة ميلاد رسمية تُعد الوثيقة الأساسية لإثبات الشخصية والسن والنسب. وقد يترتب على الإخلال بهذا الالتزام فرض غرامات أو جزاءات إدارية، فضلًا عما قد ينشأ عن التأخير من صعوبات في تسجيل الطفل في المدارس أو الحصول على الخدمات الأساسية.

الإبلاغ عن الوفيات :

يُعد الإبلاغ عن الوفيات واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا، يهدف إلى إثبات واقعة الوفاة رسميًا وتنظيم شؤون المتوفى القانونية والإدارية. ويقع التزام الإبلاغ على أقارب المتوفى أو من شهد الوفاة أو الجهات الصحية المختصة، ويجب أن يتم الإبلاغ خلال مدة معينة يحددها القانون، غالبًا خلال أربع وعشرين ساعة من الوفاة. ويتم الإبلاغ لدى مكتب السجل المدني، ويُحرر بناءً عليه تصريح بالدفن وشهادة وفاة رسمية تُستخدم في إجراءات حصر التركة وإنهاء المعاملات المتعلقة بالمتوفى. وفي حالات الوفاة غير الطبيعية أو التي يشتبه في وجود شبهة جنائية، يجب إبلاغ النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم من تحقيقات قبل التصريح بالدفن. ويؤدي الإخلال بواجب الإبلاغ أو التأخير فيه إلى مسؤولية قانونية، وقد يترتب عليه تعطيل مصالح الورثة أو عرقلة سير العدالة.

الإبلاغ عن الأمراض المعدية :

يُعد من الالتزامات القانونية الهامة التي تقع على عاتق الأطباء والمرافق الصحية، ويهدف إلى حماية الصحة العامة ومنع انتشار الأوبئة. فقد أوجب القانون على كل طبيب يكتشف إصابة شخص بمرض معدٍ مدرج ضمن الجدول الرسمي للأمراض الواجب التبليغ عنها، أن يقوم بإبلاغ الجهة الصحية المختصة فورًا، سواء كانت الحالة في مستشفى أو عيادة أو حتى في المنزل. ويشمل الإبلاغ بيانات المريض وطبيعة المرض ومكان الإقامة، بما يُمكن السلطات الصحية من اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية اللازمة. ويُعد الإخلال بهذا الواجب مخالفة قانونية قد تُعرّض الطبيب أو المسؤول للمساءلة التأديبية أو الجنائية، خصوصًا إذا ترتب على الإهمال في التبليغ تفشي المرض أو إصابة الغير به.

الحالة الثانية : الإبلاغ عن الأمراض المعدية :

يُعد الإبلاغ عن الأمراض المعدية التزامًا قانونيًا وواجبًا مهنيًا يهدف إلى حماية الصحة العامة ومنع تفشي الأوبئة. وقد أوجب القانون على الأطباء والمؤسسات الصحية الإبلاغ الفوري إلى الجهات الصحية المختصة متى تبين لهم وجود إصابة بمرض معدٍ من بين الأمراض التي يحددها القانون أو الجداول الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة. ويتم الإبلاغ وفق نماذج وإجراءات محددة، ويجب أن يتضمن بيانات دقيقة عن المريض وطبيعة المرض ومكان الإصابة، وذلك لتمكين السلطات المختصة من اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، مثل العزل أو التطعيم أو تتبع المخالطين. ويُعد الإخلال بهذا الواجب مخالفة جسيمة قد تُرتب مسؤولية تأديبية أو جنائية، خاصة إذا نتج عن عدم الإبلاغ ضرر للغير أو انتشار العدوى في المجتمع.

الحالة الثانية : الإبلاغ عن الجرائم :

الإبلاغ عن الجرائم يُعد من الواجبات القانونية التي تهدف إلى تحقيق الأمن العام وتمكين السلطات المختصة من ملاحقة الجناة والحفاظ على النظام العام. وفي بعض الحالات، يكون الإبلاغ التزامًا مفروضًا على فئات معينة كالأطباء أو الموظفين العموميين إذا وصل إلى علمهم أثناء أداء عملهم ما يُفيد بوقوع جريمة. وقد يُشكل الامتناع عن الإبلاغ جريمة مستقلة إذا كان المتكتم على الجريمة قادرًا على التبليغ ولم يفعل، خصوصًا إذا تعلق الأمر بجناية أو جريمة خطيرة تهدد حياة الأفراد أو أمن المجتمع. ويُعد الإبلاغ أيضًا وسيلة لحماية المصلحة العامة وكشف الحقيقة، ويجب أن يتم لدى الجهات المختصة كقسم الشرطة أو النيابة العامة، ويُفضل أن يكون مصحوبًا بما يتوافر من أدلة أو معلومات تساعد في التحقيق.

الحالة الثالثة : طبيب شركة التأمين :

سواء قبل إصدار الوثيقة أو عند حدوث المطالبة التأمينية. ويقوم هذا الطبيب بفحص المتقدم للتأمين لتقدير درجة الخطر وتحديد ما إذا كانت هناك أمراض سابقة أو ظروف صحية تؤثر على قبول التأمين أو قيمة القسط. كما يضطلع بدور مهم عند وقوع الحادث أو المرض، إذ يقدِّر مدى الإصابة أو العجز، ويقدِّم تقريرًا فنيًا يُعتمد عليه في صرف التعويض أو رفضه. ويلتزم طبيب شركة التأمين بأصول مهنته، فيلتزم بالحياد والموضوعية، كما يلتزم بسرية ما يطّلع عليه من معلومات طبية، ولا يجوز له إفشاء هذه الأسرار إلا في الحدود التي يقرها القانون أو بموافقة صريحة من صاحب الشأن.

الحالة الرابعة : الشهادة أمام القضاء :

تُعد الشهادة أمام القضاء وسيلة من وسائل الإثبات، وركنًا أساسيًا في تحقيق العدالة، إذ يُدلي بها الشاهد بما رآه أو سمعه أو علمه بشأن واقعة معينة محل نظر المحكمة. وتُعد الشهادة التزامًا قانونيًا متى استُدعي الشخص للإدلاء بها، ويجب أن تكون صادقة ومطابقة للواقع، لأن الشاهد لا يُدلي برأيه، بل يُقرر وقائع. ويجب أن يؤدي الشهادة تحت القسم، بما يعزز من صدقها وقيمتها القانونية. وقد يرتب القانون جزاءً جنائيًا على الشهادة الزور، لما فيها من تضليل للعدالة وتهديد لحقوق الأفراد. كما يجوز للشاهد الامتناع عن أداء الشهادة إذا كان في أدائها ضرر جسيم له أو لأقاربه، أو إذا كانت تتعلق بسر مهني كالطبيب أو المحامي، ما لم يأذن صاحب السر بالإفشاء أو يُوجب القانون الإدلاء بها.

الحالة الخامسة : أعمال الخبرة :

تُعد أعمال الخبرة من وسائل الإثبات الفنية التي تستعين بها المحكمة في المسائل التي تحتاج إلى معرفة فنية أو علمية لا تملك المحكمة التخصص الكافي للفصل فيها بذاتها. ويُندب الخبير من قبل المحكمة، أو يُقدَّم بطلب من الخصوم، وتتمثل مهمته في فحص وقائع معينة وإبداء رأيه الفني المحايد بشأنها، كحساب قيمة الضرر، أو تقدير نسبة العجز، أو تحديد سبب الخلل في تنفيذ عقد. وتخضع أعمال الخبير لإشراف المحكمة، التي لا تلتزم برأيه إلا إذا اطمأنت إليه، فلها أن تأخذ به أو تطرحه متى بيّنت أسباب ذلك. ويجب أن يُنجز الخبير مهمته في نطاق ما كلفته به المحكمة، وأن يُودع تقريرًا مسببًا يتضمن ما قام به من أعمال وما انتهى إليه من نتائج.

الحالة السادسة : رضاء المجني عليه :

يُعد رضاء المجني عليه من المسائل الجوهرية التي تؤثر في التكييف القانوني للفعل وفي قيام المسؤولية الجنائية. فإذا كان الفعل المرتكب لا يُعد جريمة إلا إذا وقع على غير راضٍ، فإن رضاء المجني عليه ينفي صفة الجريمة، كما هو الحال في الألعاب الرياضية أو العمليات الجراحية التي تتم بموافقة المريض. غير أن هذا الرضاء لا يُعتد به في جميع الأحوال، إذ يشترط أن يكون صادرًا عن إرادة حرة وعن شخص مميز، وألا يكون مخالفًا للنظام العام أو الآداب، وألا يرد على جريمة لا يجوز فيها التنازل، كجنايات القتل أو الإيذاء الجسيم. ويظل للقاضي الجنائي سلطة تقديرية في تقييم مدى جدية الرضاء وأثره القانوني بحسب ظروف كل حالة، ومدى اتساقه مع أحكام القانون واعتبارات العدالة.

الحالة السابعة : حالة الضرورة :

تُعد حالة الضرورة من الأسباب المُبيحة للفعل التي ترفع المسؤولية الجنائية، إذ تُجيز ارتكاب فعل يبدو في ظاهره جريمة إذا كان ذلك ضروريًا لدفع خطر جسيم حالّ يهدد النفس أو المال، وكان من غير الممكن دفعه بوسيلة أخرى. ويشترط لقيام حالة الضرورة أن يكون الخطر حقيقيًا وليس متوهمًا، وأن يكون حالًا لا يسمح بالتروي أو الالتجاء إلى السلطات، وأن يكون الفعل المرتكب متناسبًا مع جسامة الخطر، بحيث لا يُفضي إلى ضرر أفدح من الضرر الذي دُفع. ولا يُشترط أن يكون الخطر صادرًا عن إنسان، بل قد يكون ناشئًا عن قوة طبيعية أو حيوان أو آلة. ومع ذلك، لا يُقبل الدفع بحالة الضرورة إذا كان الفاعل قد تعمد التسبب في الخطر أو ساهم في وجوده بسوء نية.

مكتب المحامى محمد منيب فى الهرم 

error: