الأفعال التي يبيحها حق مباشرة الأعمال الطبية في القانون المدني

الأفعال التي يبيحها حق مباشرة الأعمال الطبية في القانون المدني

يُبيح القانون المدني بعض الأفعال التي تُعد في الأصل مخالفة، كالمساس بجسم الإنسان، إذا تمت في نطاق حق مباشرة الأعمال الطبية، وذلك لما لها من ضرورة اجتماعية وإنسانية. ويشترط لإباحة هذه الأفعال أن تكون صادرة عن شخص مرخص له بمزاولة المهنة الطبية، وأن تتم بموافقة المريض الواعية والصريحة، وأن يكون الغرض منها تحقيق مصلحة علاجية أو وقائية. كما يجب أن تُجرى وفقًا للقواعد العلمية والمهنية المتعارف عليها، وألا يترتب عليها ضرر يفوق الفائدة المرجوة منها. وتشمل هذه الأفعال الجراحة، والحقن، والفحوص المؤلمة، والعلاج الإشعاعي أو الكيميائي وغير ذلك. فإذا توافرت هذه الشروط، لا تُعد الأفعال الطبية غير مشروعة، ولا يُسأل الطبيب عنها، إلا إذا ثبت أنه ارتكب خطأً أو تجاوز حدود الإباحة المقررة قانونًا.

أساس مشروعية العمل الطبي :

يقوم أساس مشروعية العمل الطبي في القانون المدني على اجتماع ثلاثة عناصر رئيسية: أولها رغبة المريض ورضاه الحر والمستنير، إذ لا يجوز المساس بجسم الإنسان دون إرادته، إلا في حالات الضرورة القصوى؛ وثانيها أن يتم العمل الطبي على يد شخص مرخص له بمزاولة المهنة، أي طبيب أو ممارس صحي معتمد؛ وثالثها أن يكون العمل الطبي مشروعًا من حيث الهدف والوسيلة، أي يهدف إلى العلاج أو الوقاية ويُمارس وفقًا للأصول العلمية والفنية المعترف بها. فإذا توافرت هذه الشروط، أصبح العمل الطبي مباحًا ومشروعًا قانونًا، حتى لو ترتب عليه ضرر عرضي للمريض، طالما لم يكن ناشئًا عن خطأ أو إهمال أو تجاوز لحدود الإباحة.

الشروط اللازمة لمزاولة مهنة الطب :

تُحدد القوانين واللوائح المنظمة لمهنة الطب شروطًا صارمة لمزاولة هذه المهنة، نظرًا لخطورتها وارتباطها المباشر بصحة الإنسان وسلامته. وأهم هذه الشروط أن يكون الشخص قد حصل على المؤهل الدراسي اللازم من كلية طب معترف بها، وأن يكون قد أتم فترة التدريب الإجباري (الامتياز) بنجاح، وأن يُقيد اسمه في سجل الأطباء لدى النقابة أو الجهة المختصة. كما يُشترط أن يحصل على ترخيص رسمي بمزاولة المهنة من وزارة الصحة أو الجهة المعنية، وأن يكون متمتعًا بالأهلية القانونية، أي كامل السن وقادرًا على التمييز والتصرف. وقد تُضاف شروط أخرى مثل السلامة البدنية والنفسية، وحسن السمعة، وعدم صدور أحكام جنائية مخلة بالشرف. ولا يجوز لأي شخص ممارسة الطب دون استيفاء هذه الشروط، وإلا عُدّ عمله غير مشروع وتقوم مسؤوليته القانونية عن ذلك.

هل يجوز الترخيص بمزاولة مهنة الطب لأطباء الأمتياز ؟

لا يجوز الترخيص بمزاولة مهنة الطب لأطباء الامتياز خلال فترة تدريبهم، وذلك لأنهم لا يزالون في مرحلة التأهيل العملي تحت الإشراف المباشر، ولم يستوفوا بعد جميع الشروط القانونية المطلوبة للترخيص. ففترة الامتياز تُعد جزءًا من البرنامج الدراسي الإجباري، وتهدف إلى صقل المهارات الطبية وممارسة العمل السريري بإشراف الأطباء المرخصين، ولا تمنح المتدرب صفة الطبيب المستقل. ولا يُمنح ترخيص مزاولة المهنة إلا بعد إتمام فترة الامتياز بنجاح، والحصول على شهادة رسمية بذلك، والتسجيل في الجهة المختصة مثل وزارة الصحة أو نقابة الأطباء. وأي ممارسة طبية مستقلة من طبيب امتياز قبل الترخيص تُعد مخالفة للقانون، وتُرتب مسؤولية قانونية.

مدى الترخيص الصادر بمزاولة مهنة الطب :

يُعد الترخيص الصادر بمزاولة مهنة الطب بمثابة إذن قانوني شخصي ومقيد، يمنح لصاحبه حق ممارسة الأعمال الطبية ضمن نطاق معين يحدده القانون واللوائح المنظمة للمهنة. ويُمنح الترخيص فقط لمن استوفى الشروط القانونية والعلمية، ويكون محددًا بنطاق التخصص أو نوع الممارسة، فلا يجوز للطبيب أن يباشر أعمالًا خارج مجال تخصصه أو خارج ما يسمح به الترخيص. كما أن الترخيص لا يُعد مطلقًا، بل هو قابل للإيقاف أو السحب إذا خالف الطبيب القواعد المهنية أو ارتكب خطأ جسيمًا أو جريمة تمس الشرف أو الأمانة. ويُشترط على الطبيب الحفاظ على أخلاقيات المهنة والتقيد بالتعليمات الصحية والإدارية، وإلا تعرّض للمساءلة التأديبية أو الجزائية. لذا، فإن الترخيص ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو وسيلة لضمان الكفاءة والمساءلة في مزاولة مهنة تمس حياة الإنسان وصحته بشكل مباشر.

عقوبة جريمة مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص :

تُعد مزاولة مهنة الطب بدون ترخيص جريمة يعاقب عليها القانون لما تمثله من خطر جسيم على صحة الأفراد وسلامة المجتمع، إذ يمارس الفاعل عملاً فنياً دون أن تتوافر فيه الشروط القانونية والمهنية اللازمة. وتنص القوانين المنظمة لمزاولة مهنة الطب، كقانون مزاولة مهنة الطب المصري، على أن من يزاول المهنة دون ترخيص يُعاقب بـالحبس والغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين، مع جواز الحكم بمصادرة الأدوات والوسائل المستخدمة في الجريمة. وقد تُشدد العقوبة إذا ترتب على الفعل ضرر بدني أو وفاة للمريض نتيجة الجهل أو الخطأ الجسيم. والهدف من هذه العقوبة هو ردع غير المؤهلين عن ممارسة المهنة، وحماية الثقة العامة في المؤسسات الصحية، وصون حياة المرضى من العبث أو التلاعب.

إشتراط رضاء المريض لممارسة العمل الطبي :

يُعد رضاء المريض شرطًا جوهريًا لمشروعية أي عمل طبي، ويُبنى عليه الإباحة القانونية للمساس بجسم الإنسان، والذي يُعد في الأصل جريمة إذا تم دون موافقة. ويجب أن يكون هذا الرضاء صريحًا، حرًا، ومستنيرًا، أي صادرًا عن إرادة حرة بعد أن يُوضح الطبيب للمريض طبيعة العمل الطبي، ومخاطره المحتملة، وآثاره الجانبية، والبدائل المتاحة إن وجدت. ولا يُعتد برضاء المريض إذا كان قد صدر تحت تأثير الغلط أو الإكراه أو نتيجة جهل بحقيقة ما سيُجرى له. ويُستثنى من اشتراط الرضاء الحالات التي تستدعي تدخلاً عاجلًا لإنقاذ حياة المريض أو منع تدهور حالته الصحية، وكان غير قادر على التعبير عن إرادته، وفي هذه الحالة يجوز للطبيب مباشرة العمل الطبي دون انتظار موافقة مسبقة، بشرط أن يكون تدخله ضروريًا ومتناسبًا مع الحالة.

ممن يصدر الرضاء بالعمل الطبي ؟

يصدر الرضاء بالعمل الطبي من المريض نفسه إذا كان كامل الأهلية القانونية، أي بالغًا وعاقلًا ومدركًا لطبيعة الإجراء الطبي ومخاطره. أما إذا كان المريض ناقص الأهلية كالقاصر أو عديم الأهلية كالمجنون أو المعتوه، فإن الرضاء يصدر من نائبه القانوني، مثل الولي أو الوصي أو القيم، بحسب الأحوال. وفي حالة الطوارئ، إذا كان المريض فاقدًا للوعي أو غير قادر على التعبير عن إرادته، جاز للطبيب إجراء العمل الطبي الضروري دون انتظار رضاء مسبق، بشرط أن يكون الإجراء لازماً لإنقاذ حياته أو منع تفاقم حالته الصحية. ويُراعى دائمًا أن يكون الرضاء مستنيرًا، أي بعد إطلاع المريض أو من يمثله على طبيعة التدخل الطبي وآثاره ومخاطره، حتى يكون القرار مبنيًا على فهم حقيقي وحرية كاملة.

نطاق الرضاء :

يُقصد بـ نطاق الرضاء في العمل الطبي حدود الأعمال الطبية التي وافق عليها المريض، والتي يُباح للطبيب ممارستها دون مساءلة قانونية. ويجب أن يكون هذا الرضاء محددًا وواضحًا ومتناسبًا مع طبيعة الإجراء الطبي، فلا يجوز للطبيب تجاوز ما وافق عليه المريض إلا إذا طرأت ظروف طبية عاجلة أثناء التدخل تستوجب توسيع نطاق الإجراء للحفاظ على حياة المريض أو منع ضرر جسيم. كما يجب أن يكون الرضاء مرتبطًا بعمل طبي مشروع ومقبول علميًا، فلا يُعتد برضاء المريض إذا كان متعلقًا بعمل محظور قانونًا أو مخالف للآداب العامة، كالمشاركة في تجارب طبية غير مرخص بها أو عمليات تشويه غير ضرورية. وإذا خرج الطبيب عن نطاق الرضاء الممنوح له، تحققت مسؤوليته القانونية، حتى وإن لم يُصب المريض بضرر فعلي، لأن الأساس في المشروعية هو احترام حرية الإنسان في التصرف بجسده وحقه في اتخاذ القرار الطبي.

وجوب صدور الرضاء عن إدارة حرة :

يُشترط لصحّة الرضاء بالعمل الطبي أن يصدر عن إرادة حرة وسليمة، خالية من أي ضغط أو تأثير يُفقد المريض حريته في اتخاذ القرار. فلا يُعتد بالرضاء إذا صدر نتيجة إكراه أو خداع أو استغلال حالة ضعف أو جهل، أو إذا كان المريض تحت تأثير أدوية أو حالة نفسية تُضعف إدراكه. ويُعد هذا الشرط ضمانة أساسية لاحترام كرامة الإنسان واستقلاله الذاتي في تقرير مصيره الصحي، ويُحمِّل الطبيب واجب التأكد من أن المريض يفهم طبيعة العمل الطبي والمخاطر المحتملة والبدائل المتاحة، دون تضليل أو ضغط معنوي. وإذا ثبت أن الرضاء لم يصدر عن إرادة حرة، فإن العمل الطبي يُعتبر غير مشروع، ويُسأل الطبيب عنه حتى ولو كان قد تم بحسن نية أو حقق نتيجة علاجية ناجحة، لأن الأساس القانوني لمشروعية العمل الطبي ينهار بانعدام الرضاء الحر.

شكل الرضاء :

لا يشترط القانون شكلًا معينًا للرضاء بالعمل الطبي، إذ يجوز أن يكون الرضاء صريحًا أو ضمنيًا، ما دام واضحًا وثابتًا على نحو يُفهم منه أن المريض قد وافق عن علم وإرادة. فالرضاء الصريح يكون عادةً شفهيًا أو كتابيًا، ويُفضل أن يكون مكتوبًا في الحالات الجراحية أو ذات المخاطر العالية، لتفادي النزاع ولأغراض الإثبات. أما الرضاء الضمني، فيُستفاد من سلوك المريض وتصرفاته، كأن يتوجه بنفسه إلى الطبيب أو يمد ذراعه لتلقي العلاج، بشرط ألا يكون هناك ما يُشكك في فهمه لطبيعة الإجراء الطبي. ومع ذلك، يجب أن يكون الرضاء – في جميع صوره – مستنيرًا ومسبقًا، أي صادرًا بعد إبلاغ المريض بكل المعلومات الجوهرية المتعلقة بالعلاج. وإذا قام الطبيب بعمل طبي دون الحصول على رضاء بالشكل الصحيح، فإنه يتحمل المسؤولية القانونية حتى لو لم يقع ضرر، لأن العمل يصبح غير مشروع من حيث الأصل.

إستثناءات من شرط الرضاء بالعمل الطبي :

رغم أن الرضاء شرط أساسي لمشروعية العمل الطبي، إلا أن القانون يُقر ببعض الاستثناءات التي يجوز فيها للطبيب إجراء العمل الطبي دون الحصول على رضاء مسبق من المريض، وذلك مراعاةً لحالات الضرورة أو المصلحة العامة. وأبرز هذه الاستثناءات هي حالات الطوارئ، كأن يكون المريض فاقدًا للوعي أو في خطر داهم لا يسمح بالحصول على موافقته، ويكون التدخل الطبي ضرورياً لإنقاذ حياته أو منع تدهور حالته الصحية. كما يُستثنى من شرط الرضاء المصاب بأمراض معدية خطيرة التي تقتضي إخضاعه للعلاج أو العزل قسرًا حمايةً للمجتمع، وذلك وفقًا لما تنظمه القوانين الصحية. كذلك يجوز في بعض الحالات إخضاع الأحداث أو ناقصي الأهلية للعلاج بناءً على رضاء أوليائهم أو من يمثلهم قانونًا، إذا كان التدخل ضروريًا لمصلحتهم. وفي جميع هذه الحالات، يجب أن يكون العمل الطبي ضروريًا، مشروعًا، ومتناسبًا مع الحالة القائمة، وإلا فقد الطبيب الحماية القانونية المقررة له.

مكتب محامى مصر محمد منيب أشطر محامي في القضايا المدنية

✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

 

error: