مسئولية الجراح عن أخطاء مساعديه في القانون المدني

مسئولية الجراح عن أخطاء مساعديه في القانون المدني

في القانون المدني، لا يُسأل الجراح تلقائيًا عن أخطاء مساعديه أو الفريق الطبي المعاون له، إلا إذا ثبت أن تلك الأخطاء قد وقعت بسبب تقصير منه في الإشراف أو التوجيه أو في اختيار الكوادر المؤهلة. فالعلاقة بين الجراح والمساعدين لا تُنشئ بذاتها مسؤولية تبعية، لكن إذا كان الجراح هو من اختار مساعديه أو كان مسؤولًا عن تنظيم العمل داخل غرفة العمليات، فإنه يتحمل تبعات الإهمال أو الخطأ إذا أخلّ بواجبه في الرقابة والتنسيق. كذلك يُسأل الجراح إذا أوكل لمساعده مهمة لا يُحسن أداءها، أو تركه يُجري جزءًا حساسًا من العملية دون إشراف كافٍ. أما إذا ثبت أن الخطأ وقع من المساعد بشكل مستقل ولم يكن للجراح دور فيه ولم يُمكنه تفاديه، فإن المسؤولية تُنسب للمساعد وحده. ويُراعى دائمًا في تحديد المسؤولية معيار الطبيب الحريص الذي يُحسن التنظيم والمتابعة، لا مجرد الوجود الشكلي في غرفة العمليات.

مسئولية الجراح عن أخطاء مساعديه

(أ) إذا كانت العلاقة بين الجراح والمريض تعاقدية :

إذا كانت العلاقة بين الجراح والمريض تعاقدية، كما هو الحال عند اتفاق المريض صراحة أو ضمنًا مع الجراح على إجراء عملية معينة، فإن الجراح يلتزم التزامًا قانونيًا ناشئًا عن هذا العقد، ويُسأل مسؤولية عقدية إذا أخلّ بأي من التزاماته. ويشمل هذا الالتزام تقديم الرعاية الطبية وفقًا للأصول العلمية والمهنية، والحصول على رضاء مستنير من المريض، والقيام بالعملية بنفسه أو تحت إشرافه المباشر، بالإضافة إلى متابعة حالة المريض بعد الجراحة. ولا يُشترط لقيام المسؤولية العقدية إثبات الخطأ الجسيم، بل يكفي الإخلال بأي التزام تعاقدي، حتى لو كان ذلك بإهمال بسيط. ويترتب على المسؤولية العقدية – إذا ثبتت – إلزام الجراح بتعويض المريض عن الأضرار الناتجة عن هذا الإخلال، سواء كانت أضرارًا جسدية أو نفسية أو مادية. كما أن عبء الإثبات غالبًا ما يكون أخف على المريض في هذا النوع من المسؤولية، لأن العلاقة قائمة على تعهد مسبق بالعناية، وقد تُفسر الشكوك لمصلحته.

(ب) إذا كان الجراح يعمل بمستشفى حكومي :

إذا كان الجراح يعمل في مستشفى حكومي، فإن العلاقة بينه وبين المريض لا تكون تعاقدية مباشرة، بل يُباشر عمله باعتباره موظفًا عامًا مكلّفًا بتقديم خدمة عامة، وهي الرعاية الصحية. ومع ذلك، يظل الجراح مسؤولًا مدنيًا عن أخطائه المهنية الشخصية إذا ارتكب أثناء الجراحة خطأً فنيًا جسيمًا أو أخلّ بواجب العناية. أما إذا كان الضرر ناتجًا عن نقص في التجهيزات أو سوء التنظيم أو ضعف الإمكانات، فإن المسؤولية تقع على الجهة الإدارية (الدولة أو المستشفى) باعتبارها القائمة على تشغيل المرفق العام. ويجوز للمريض في هذه الحالة أن يرفع دعواه ضد المستشفى للمطالبة بالتعويض عن الضرر، كما يجوز له – في حالات الخطأ الشخصي – أن يُقيم دعوى مباشرة ضد الجراح نفسه. ويُراعى في كل الأحوال التفرقة بين الخطأ الشخصي الذي يُسأل عنه الطبيب، والخطأ المرفقي أو التنظيمي الذي تُسأل عنه الجهة الإدارية.

(ج) إذا كان الجراح يعمل بمركز طبي أو مستشفى خاص :

إذا كان الجراح يعمل في مركز طبي أو مستشفى خاص، فإن العلاقة بينه وبين المريض قد تكون مباشرة إذا تم الاتفاق معه شخصيًا، أو غير مباشرة إذا تولى المركز تعيينه ضمن فريقه الطبي. وفي الحالتين، يُسأل الجراح مسؤولية مدنية شخصية عن أي خطأ مهني يرتكبه أثناء الجراحة، سواء تعلق ذلك بالإهمال، أو التقصير، أو الإخلال بالأصول الفنية. كما قد يُسأل المركز الطبي أو المستشفى الخاص مسؤولية تبعية، إذا ثبت أن الخطأ وقع من أحد العاملين لديه أثناء أداء وظيفته، أو مسؤولية تنظيمية إذا كان الضرر ناتجًا عن سوء في الإدارة أو نقص في التجهيزات أو ضعف في الرقابة. ويجوز للمريض أن يُقيم الدعوى ضد الطبيب وحده أو ضد الجهة الطبية التي يعمل بها، أو ضدهما معًا، بحسب طبيعة العلاقة والخطأ المرتكب. وتُحدد المسؤولية استنادًا إلى معيار الطبيب المختص الحريص، ومدى التزام كل طرف بواجباته القانونية والمهنية تجاه المريض.

مسئولية المستشفى الحكومي :

تقوم مسؤولية المستشفى الحكومي في القانون على أساس مسؤولية الدولة عن أعمال مرفق الصحة، وهي مسؤولية إدارية أو مرفقية لا تقوم على عقد بين المريض والمستشفى، بل تنشأ بمجرد ارتكاب خطأ تنظيمي أو إداري داخل المرفق، كالنقص في الأجهزة أو الأدوية، أو الإهمال في النظافة والتعقيم، أو تأخر في تقديم الرعاية بسبب سوء الإدارة أو عدم كفاية الطاقم الطبي. وتُسأل المستشفى أيضًا إذا ثبت أنها لم تتخذ الاحتياطات الكافية لضمان سلامة المرضى، حتى ولو لم يرتكب طبيب بعينه خطأً مباشرًا. ويجوز للمضرور أن يرفع دعوى تعويض أمام القضاء الإداري إذا كان الضرر ناتجًا عن الخلل في أداء المرفق العام، ويكفي لقيام المسؤولية أن يتوافر الخطأ والضرر وعلاقة السببية. أما إذا كان الضرر ناتجًا عن خطأ شخصي لطبيب معين، فتقوم مسؤوليته الشخصية، وقد تُرفع الدعوى عليه أمام القضاء المدني، مع جواز الجمع بين المساءلتين بحسب طبيعة الخطأ.

مسئولية المستشفى الخاص :

تقوم مسؤولية المستشفى الخاص في القانون المدني على أساس المسؤولية العقدية أو التقصيرية، بحسب طبيعة العلاقة بين المريض والمنشأة. فعند دخول المريض إلى المستشفى الخاص، تنشأ بينه وبين المؤسسة علاقة تعاقدية يُفترض فيها أن يلتزم المستشفى بتوفير الرعاية الطبية الملائمة، وتقديم الخدمة في حدود المستوى المهني الواجب. ويُسأل المستشفى الخاص إذا وقع منه إخلال بالتزاماته التنظيمية أو المهنية، كعدم توفير أجهزة أو أدوية لازمة، أو القصور في النظافة أو الرعاية، أو إسناد العمل لأشخاص غير مؤهلين. كما يُسأل مسؤولية تبعية عن أخطاء الأطباء أو الممرضين العاملين لديه، إذا وقعت هذه الأخطاء أثناء أداء مهامهم وضمن نطاق عملهم. وتتحقق مسؤولية المستشفى الخاص متى ثبت الخطأ والضرر وعلاقة السببية، سواء أكان الضرر ناتجًا عن تقصير تنظيمي أم عن خطأ طبي ارتُكب داخل المؤسسة، ويحق للمريض المطالبة بالتعويض المدني الكامل عن الأضرار التي لحقت به نتيجة هذا الإخلال.

القتل بسبب الشفقة على المجنى عليه :

القتل بسبب الشفقة على المجني عليه – ويُعرف أحيانًا بـ “القتل بدافع الرحمة” – هو إزهاق روح إنسان مريض أو متألم بقصد تخليصه من معاناة شديدة، جسدية كانت أو نفسية، وغالبًا ما يقع في حالات الأمراض المستعصية أو الآلام غير القابلة للعلاج. ومع أن الباعث في هذا النوع من القتل قد يكون عاطفيًا أو إنسانيًا، إلا أن القانون الجنائي لا يعتد بالباعث كسبب لتجريم الفعل أو تبريره، فحُرمة الحياة مصونة، ولا يجوز التعدي عليها تحت أي مبرر. لذلك، يُعد القتل بدافع الشفقة جريمة قتل عمد، تطبق عليها العقوبات المقررة قانونًا، وإن كان بعض القوانين أو المحاكم قد تأخذ بدافع الشفقة كظرف مخفف للعقوبة لا كسبب لإباحة الفعل. ويظل الأصل أن إنهاء حياة شخص – حتى برضاه أو بطلب منه – يُشكل جريمة، لأن الحق في الحياة ليس محلًا للتصرف، ولا يجوز تفويض الغير في إنهائه.

إثبات مسئولية الطبيب :

إثبات مسؤولية الطبيب في القانون المدني يتطلب توافر أركان المسؤولية الثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية بينهما. ويقع عبء الإثبات في الأصل على عاتق المريض أو من ينيبه، إذ يجب عليه أن يُثبت أن الطبيب قد ارتكب خطأً مهنيًا سواء كان فنيًا أو عاديًا، وأن هذا الخطأ كان سببًا مباشرًا أو راجحًا في وقوع الضرر. ولا يُفترض الخطأ في جانب الطبيب لمجرد وقوع الضرر، بل يجب إثبات أن الطبيب قد أخلّ بواجب العناية التي يُنتظر بذلها من طبيب مماثل في نفس الظروف. وقد يُستعان في ذلك بتقارير الخبرة الطبية وسجلات العلاج وشهادة المختصين. وفي بعض الحالات، إذا ثبت أن الطبيب خالف أصول المهنة أو امتنع عن تقديم ما يلزم للمريض دون عذر، فإن ذلك يُعد قرينة على الخطأ. ويُخفف القضاء في أحيان معينة من عبء الإثبات عن المريض، خاصة في حالات الجراحة أو التخدير أو العمليات التي يكون الطبيب فيها هو المسيطر الوحيد على مجريات الأمور.

دفع مسئولية الطبيب :

يجوز للطبيب دفع مسؤوليته المدنية في حال وُجهت إليه دعوى تعويض من المريض، وذلك بإثبات انتفاء أحد أركان المسؤولية الثلاثة: الخطأ أو الضرر أو علاقة السببية. فيجوز له أن يُثبت أنه لم يرتكب خطأً طبيًا، وأنه قد التزم بأصول المهنة وبذل العناية المطلوبة وفقًا لما يُنتظر من طبيب متمرس في نفس التخصص والظروف. كما يمكنه أن يدفع المسؤولية بأن يُثبت أن الضرر الذي لحق بالمريض كان نتيجة سبب أجنبي لا يد له فيه، كأن يكون راجعًا إلى حالة مرضية متقدمة، أو قوة قاهرة، أو تدخل من المريض نفسه خالف به تعليمات الطبيب. وقد يستند الطبيب أيضًا إلى رضاء المريض الواعي والمستنير بالإجراء الطبي إذا أُجري وفقًا للمعايير الفنية، ما دام الرضاء قد صدر عن إرادة حرة وعن علم كافٍ بالمخاطر. ولا يكفي للدفع بالمسؤولية مجرد القول ببذل الجهد، بل يجب أن يثبت الطبيب أنه تصرف كما يتصرف الطبيب الحريص في ذات الظروف، وأن النتيجة الضارة لم تكن بفعل تقصير منه.

الإلتزام بالسلامة :

يُعد الالتزام بالسلامة من الالتزامات الأساسية التي تقع على عاتق الطبيب في علاقته بالمريض، ويُقصد به أن يبذل الطبيب كل ما يلزم لحماية المريض من الأضرار غير المتوقعة أو غير الضرورية أثناء تقديم الرعاية الطبية. ويشمل هذا الالتزام اتخاذ جميع الاحتياطات والتدابير الوقائية، كتعقيم الأدوات، وضمان صلاحية الأجهزة الطبية، وتفادي نقل العدوى، ومراقبة الحالة الصحية للمريض بدقة قبل وأثناء وبعد العلاج أو الجراحة. ويُعتبر الإخلال بهذا الالتزام – ولو لم يكن هناك خطأ فني في التشخيص أو العلاج – سببًا لقيام المسؤولية المدنية للطبيب أو للمؤسسة الطبية، إذا نتج عنه ضرر للمريض. ويختلف هذا الالتزام عن التزام الطبيب ببذل العناية، لأنه لا يتعلق بتحقيق الشفاء، بل بتفادي وقوع ضرر إضافي بسبب الإهمال أو ضعف التنظيم أو انعدام الحيطة. وبالتالي، فإن الإخلال بواجب السلامة يُعد قرينة على التقصير، ويُرتب التعويض متى ثبتت علاقة السببية بين الخلل والضرر.

العلاج بالأشعة :

يُعد العلاج بالأشعة من الوسائل الطبية الدقيقة والخطيرة في آنٍ واحد، ويُستخدم غالبًا في علاج الأورام السرطانية وبعض الحالات الأخرى، ويتطلب مهارة خاصة ودقة علمية عالية نظرًا لما للأشعة من آثار جانبية محتملة على الأنسجة السليمة. ويقع على الطبيب المختص مسؤولية تقدير مدى حاجة المريض لهذا النوع من العلاج، وتحديد الجرعة المناسبة، ومواقع التركيز، وعدد الجلسات، والفواصل الزمنية بينها. كما يلتزم الطبيب بإحاطة المريض علمًا بطبيعة العلاج، ومدى فعاليته، والمضاعفات المحتملة، والحصول على رضاء مستنير ومسبق قبل البدء في الجلسات. وإذا أخطأ الطبيب في تحديد الجرعة أو استعمل الأجهزة بشكل غير دقيق، أو أهمل في مراقبة الحالة أثناء العلاج، فإنه يُسأل مسؤولية مدنية إذا ترتب على ذلك ضرر، لأن العلاج بالأشعة لا يُعد مجرد تدخل علاجي عادي، بل هو عمل طبي دقيق قد يُفضي إلى نتائج خطيرة عند التقصير فيه، وتُقاس مسؤوليته وفقًا لمعيار الطبيب المختص الحريص في نفس الظروف.

نقل الدم :

يُعد نقل الدم من الإجراءات الطبية الضرورية في العديد من الحالات كالنزيف الحاد، أو فقر الدم الشديد، أو أثناء العمليات الجراحية، إلا أنه يُمثل في ذات الوقت تدخلاً طبياً خطيراً قد يترتب عليه مضاعفات جسيمة إذا لم يتم وفقًا للأصول العلمية الدقيقة. ويقع على عاتق الطبيب قبل النقل أن يتأكد من مدى الحاجة الطبية لنقل الدم، وتوافق فصيلة الدم المنقول مع فصيلة المريض، وخلو الدم من الأمراض المعدية، كالتهاب الكبد الوبائي أو فيروس نقص المناعة (الإيدز). كما يلتزم الطبيب بالحصول على رضاء صريح ومستنير من المريض متى كانت حالته تسمح، وشرح المخاطر المحتملة، وتوثيق الإجراء في السجلات الطبية. وإذا أهمل الطبيب هذه الضوابط أو تهاون في فحص الدم أو تطابق الفصائل، ونتج عن ذلك ضرر، فإنه يُسأل مسؤولية مدنية عن الإخلال بواجب الحيطة والسلامة، وقد يُسأل المستشفى أيضًا عن التقصير في إجراءات التنظيم أو الرقابة.

التحاليل الطبية :

تُعد التحاليل الطبية من الوسائل الأساسية التي يعتمد عليها الطبيب في تشخيص الأمراض ومتابعة فعالية العلاج، ويقع على عاتق الطبيب عند طلب التحاليل أن يُحدد بدقة ما يلزم منها وفقًا لحالة المريض، وأن يُحسن تفسير نتائجها في ضوء الأعراض والبيانات الإكلينيكية الأخرى. كما يلتزم الطبيب بإحالة المريض إلى معمل موثوق ومُرخص تتوفر فيه الكفاءة الفنية والشروط الصحية. وإذا أخطأ الطبيب في اختيار نوع التحليل، أو أغفل تحليلًا لازمًا، أو فسّر النتيجة بشكل خاطئ أدى إلى تشخيص غير دقيق أو علاج خاطئ، فإنه يُسأل مسؤولية مدنية عن ذلك. وينصرف هذا الالتزام أيضًا إلى المختبر أو المعمل، إذ يتحمل مسؤولية جودة العينات ودقة النتائج وسلامة الإجراءات الفنية. وتقوم المسؤولية في هذا الإطار على أساس الإخلال بواجب العناية، خاصة أن التحاليل تُعد أداة علمية دقيقة، والخطأ فيها قد يُفضي إلى أضرار صحية جسيمة.

أفضل محامٍ قضايا المحاكم المدنية 

المستشار / محمد منيب المحامي 

للإستفادة من خبرات المستشار محمد منيب وفريقه،

زوروا موقعنا الإلكتروني mohamymasr.com أو تواصلوا معنا للحصول على استشارة قانونية. نحن هنا لدعمكم وتحقيق العدالة التي تستحقونها.

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

error: