هل يجوز الصلح على الضرائب والرسوم في القانون المدني ؟

هل يجوز الصلح على الضرائب والرسوم في القانون المدني ؟

الأصل في القانون المدني أن الضرائب والرسوم تُعد من الحقوق العامة التي تتعلق بسيادة الدولة ومصالح الخزانة العامة، ومن ثم فهي تخضع لقواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، ولا يصح الصلح بشأنها إلا في الحدود التي يجيزها القانون صراحة. فلا يجوز للمكلف بالضريبة أو الرسم أن يُبرم صلحًا مع جهة الإدارة يتضمن الإعفاء منها أو تخفيضها أو تأجيلها، ما لم يكن ذلك استنادًا إلى نص قانوني يُجيز التسوية أو التصالح في حالات معينة، كالمواد التي تنظم الإعفاءات أو الجدولة أو تسوية النزاعات الضريبية. وبناءً عليه، فإن أي صلح يتم خارج هذه الإطار القانوني يكون باطلاً لمخالفته للنظام العام المالي. وقد أكدت محكمة النقض أن الحقوق المتعلقة بالضرائب والرسوم لا يجوز النزول عنها أو تعديلها بالتراضي، لأن مصدرها ليس العقد بل القانون، ولا يجوز الاتفاق على مخالفة أحكامه إلا بنص خاص.

السبب في عقد الصلح في القانون المدني :

السبب في عقد الصلح هو الرغبة في إنهاء نزاع قائم أو تفادي نزاع محتمل بين الطرفين، سواء تعلّق النزاع بمسائل واقعية أو قانونية. ويُعد هذا السبب مشروعًا ومعتدًا به قانونًا إذا كان النزاع جديًا وليس صوريًا أو مفتعلًا. فالصلح لا يقوم إلا إذا وُجدت منازعة حقيقية بين الطرفين، أو على الأقل احتمال قيامها، ويكون الهدف من الصلح هو حسم هذه المنازعة عن طريق تنازلات متبادلة. ويشترط في السبب، وفقًا للقواعد العامة، أن يكون مشروعًا وغير مخالف للنظام العام أو الآداب العامة، فإذا كان الباعث على الصلح غير مشروع، كأن يُبرم الصلح للتستر على جريمة، أو للتحايل على القانون، فإن العقد يكون باطلًا لانعدام السبب المشروع. ومن ثم، فالسبب في الصلح ليس مجرد وجود التنازلات، بل الغاية القانونية من وراء هذه التنازلات، وهي تسوية النزاع بشكل نهائي ومستقر.

المفهوم التقليدي للسبب :

يقوم المفهوم التقليدي للسبب في القانون المدني على أنه الغرض أو الدافع المباشر الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد، أي الباعث القانوني الذي يوجد في ذهن كل من الطرفين ويُفسّر التزامه. فسبب التزام أحد المتعاقدين هو ما يتلقاه من الطرف الآخر، فمثلًا في عقد البيع يكون سبب التزام البائع بنقل الملكية هو حصوله على الثمن، وسبب التزام المشتري بدفع الثمن هو حصوله على المبيع. ووفقًا لهذا المفهوم، يكون السبب عنصرًا موضوعيًا في العقد، يفترض القانون وجوده ما لم يقم الدليل على انعدامه أو عدم مشروعيته. ويُشترط لصحة السبب أن يكون موجودًا، حقيقيًا، ومشروعًا، فإذا ثبت أن السبب غير موجود أو غير حقيقي أو مخالف للنظام العام أو الآداب، كان العقد باطلًا. ويتميز المفهوم التقليدي بالتركيز على التبادل في الالتزامات دون التوسع في بحث البواعث النفسية أو الدوافع الشخصية إلا إذا أُعلن عنها وجعلت جزءًا من التعاقد.

المفهوم الحديث للسبب :

يقوم المفهوم الحديث للسبب على أن السبب هو الباعث الدافع أو الغرض الشخصي الذي حمل المتعاقد على إبرام العقد، أي الدافع النفسي أو الاقتصادي الذي كان لولا وجوده لما صدر الرضا بالعقد. وعلى خلاف المفهوم التقليدي الذي يركز على التبادل الموضوعي بين الالتزامات، يُعلي المفهوم الحديث من شأن البواعث الذاتية للمتعاقد، ويرى أن هذه البواعث إذا كانت مشروعة وصرّح بها الطرف الآخر أو علم بها، فإنها تُعتبر جزءًا من السبب ويُعتد بها في تقدير صحة العقد. فإذا ثبت أن هذا الدافع غير مشروع – كأن يتعاقد شخص على بيع شيء بدافع التهرب من دين، أو يُبرم عقدًا للتستر على عمل غير قانوني – فإن العقد يكون باطلًا لانعدام السبب المشروع، حتى وإن كان محل العقد صحيحًا في ظاهره. ويُعد هذا الاتجاه أكثر مرونة، لأنه يراعي النية الحقيقية وراء التعاقد ويُدخل الاعتبارات النفسية في تقييم مشروعية السبب، مما يحقق قدرًا أكبر من العدالة والواقعية في المعاملات.

آثار الصلح :

يترتب على عقد الصلح آثار قانونية هامة، أبرزها إنهاء النزاع القائم أو منع النزاع المحتمل بين الطرفين، بحيث يُعد الصلح بمثابة تسوية نهائية لما كان بينهما من خلاف، ولا يجوز بعده الرجوع إلى ذات النزاع أو إعادة طرحه أمام القضاء. كما يُعد الصلح ملزمًا لطرفيه، وتترتب عليه نفس آثار العقد الملزم للجانبين، فيلتزم كل طرف بتنفيذ ما تعهد به بموجب الاتفاق، سواء كان أداءً معينًا أو تنازلًا عن حق أو التزامًا بعدم التعرض. ويترتب على الصلح كذلك حجية الشيء المحكوم فيه إذا صدّقت عليه المحكمة، فلا يجوز لأحد الطرفين أن يدعي خلاف ما تم الاتفاق عليه. كما أنه ينقضي به الالتزام الأصلي محل النزاع ويحل محله الالتزامات الجديدة التي تولدت عن الصلح. ويجوز التنفيذ الجبري لعقد الصلح إذا تضمن التزامات محددة، وخاصة إذا أُفرغ في حكم قضائي أو تم التصديق عليه، مما يُضفي عليه قوة تنفيذية.

حسم النزاع بين المتصالحين :

يُعد حسم النزاع بين المتصالحين الأثر الجوهري والأساسي لعقد الصلح، إذ يقوم هذا العقد ابتداءً على إرادة الطرفين في إنهاء خصومة قائمة أو تفادي نزاع محتمل، من خلال تنازلات متبادلة يتفقان عليها. ومتى انعقد الصلح صحيحًا، فإنه يُسقط جميع الحقوق أو الادعاءات التي كانت محل النزاع بين الطرفين، فلا يجوز لأحدهما العودة للمطالبة بما سبق الاتفاق عليه أو إعادة طرح النزاع أمام القضاء، لأن الصلح يُعد بمثابة تسوية نهائية وملزمة. وتتحقق بذلك غاية المشرّع في تحقيق الاستقرار القانوني بين الخصوم وتخفيف العبء عن القضاء، ويُغني الصلح عن الحكم في أصل الحق متى كان النزاع جديًا، ليحل محله اتفاق رضائي يتمتع بذات القوة الملزمة.

النص القانوني للمادة 553 مدني تنص على :-

(1) تنحسم بالصلح المنازعات التي تناولها.

(2) ويترتب عليه انقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها أي من المتعاقدين نزولا نهائيا.

آثار الصلح

الأثر الأول : إنقضاء ما نزل عنه كل من الطرفين من الحقوق والإدعاءات نزولا نهائيا :

يتمثل الأثر الأول لعقد الصلح في إنقضاء الحقوق والادعاءات التي نزل عنها كل من الطرفين نزولًا نهائيًا لا رجعة فيه، سواء تعلّق النزاع بحق ثابت أو بادعاء محتمل. فالصلح يقوم على التنازل المتبادل بين المتصالحين، وكل طرف يُسقِط بمقتضى العقد جزءًا من مطالبه أو يتمسك بجزء منها فقط، في مقابل ما تنازل عنه الطرف الآخر، وبذلك تنقضي الحقوق التي كانت محل نزاع بمجرد إبرام الصلح. ويترتب على هذا الأثر أن لا يجوز لأحد الطرفين بعد ذلك الرجوع في تنازله أو المطالبة بما سبق أن نزل عنه، لأن هذا التنازل يتم بإرادة حرة ولغرض تسوية النزاع. ويُعد هذا الأثر جوهريًا لتحقيق الاستقرار في المراكز القانونية، ويمنع إعادة إثارة النزاع بعد تسويته رضائيًا، مما يُكسب الصلح قوة مانعة من تجديد النزاع ذاته مستقبلاً.

الآثر الثاني : تثبيت ما اعترف به كل من الطرفين للآخر من حقوق وحسم النزاع بينهما في ذلك :

يترتب على عقد الصلح أيضًا تثبيت ما اعترف به كل من الطرفين للآخر من حقوق، حيث يُعد هذا الإقرار جزءًا من التسوية الرضائية التي ينشئها الصلح. فإذا أقر أحد المتصالحين بحق معين للطرف الآخر، فإن هذا الإقرار يُصبح ملزمًا له بموجب الصلح، ويكتسب صفة النهائية والقطعية، ولا يجوز له بعد ذلك التراجع عنه أو إنكاره. ويترتب على ذلك حسم النزاع في هذا الجزء تحديدًا، إذ لا يكون محلًا للمنازعة مرة أخرى، ويُعامل كما لو كان حقًا ثابتًا بموجب حكم قضائي. وبذلك يُسهم الصلح في تحقيق الاستقرار في العلاقة القانونية بين المتصالحين، من خلال إنهاء الخصومة القائمة أو المحتملة، وتحديد نطاق الحقوق والالتزامات التي يقر بها كل طرف، مما يمنع إثارة ذات النزاع مستقبلاً ويحول دون التقاضي بشأنه مجددًا.

الدفع بإنتهاء النزاع بالصلح :

يُعد الدفع بانتهاء النزاع بالصلح من الدفوع الشكلية التي يجوز للمدعى عليه التمسك بها أمام المحكمة، إذا ما ثبت أن النزاع المطروح قد تم حسمه سابقًا بعقد صلح صحيح. ففي هذه الحالة، يُدفع بأن الدعوى أصبحت غير مقبولة، لأن الخصومة قد انتهت باتفاق رضائي ملزم، ولم يعد هناك محل للفصل فيها قضائيًا. ويستند هذا الدفع إلى القاعدة التي تقضي بأن الصلح ينهي النزاع ويمنع تجديده، متى تعلق بذات الموضوع والأطراف والسبب. فإذا أثبت المدعى عليه وجود صلح نافذ بينه وبين المدعي بشأن النزاع ذاته، وجب على المحكمة الحكم بعدم قبول الدعوى، ما لم يطعن المدعي ببطلان الصلح أو عدم سريانه عليه. ويُشترط لقبول هذا الدفع أن يكون عقد الصلح مكتوبًا أو ثابتًا بشكل قانوني، وأن يتوافر فيه سائر شروط الصحة، ومنها الرضا السليم والمحل المشروع.

محامى مصر محمد منيب المحامى ماجستير القانون الدولى

خبرة 20 سنة – ماجستر القانون الدولى – معادلة ماجستير الشريعة الاسلامية – دراسات عليا القانون الخاص

✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.

استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

error: