هل يجب أن يسبق رضاء الموكل بالوكالة التصرف القانوني الذي يعقده الوكيل
الأصل في عقد الوكالة أن يسبق رضاء الموكل التصرف القانوني الذي يقوم به الوكيل، أي أن يصدر من الموكل تفويض سابق أو معاصر للتصرف محل الوكالة. غير أن القانون المدني يُجيز – كاستثناء – أن يلحق رضاء الموكل بالتصرف بعد وقوعه، فيُعتبر ذلك إقرارًا للوكالة بأثر رجعي، فينصرف أثر التصرف إليه كما لو كان قد فوّض الوكيل ابتداءً. ويشترط في هذا الإقرار أن يكون صريحًا أو ضمنيًا، وأن يصدر من الموكل وهو عالم بجميع عناصر التصرف، وألا يكون التصرف قد تم باسم الوكيل لنفسه
إجبار الوكيل على الوكالة :
الأصل في عقد الوكالة أنه عقد رضائي يقوم على إرادة الطرفين، ولا يجوز فيه إجبار الوكيل على قبول الوكالة، لأنها تفترض الثقة والنية في تمثيل الموكل، كما أنها تُرتّب التزامات قانونية ومسؤوليات شخصية على الوكيل، لا يُمكن تحميله إياها دون رضاه. ولذلك، لا يجوز قانونًا إلزام شخص بأن يكون وكيلًا عن غيره ما لم يُبدِ موافقته صراحة أو ضمنًا. وحتى إذا صدر منه قبول أولي، يبقى له الحق في العدول عن الوكالة قبل تنفيذها، ما لم يكن قد ارتبط بها بعقد مُلزم أو ترتب على عدوله ضرر جسيم للموكل دون مبرر، ففي هذه الحالة قد يُسأل عن التعويض لا عن التنفيذ. وقد استقر القضاء على أن الوكالة عمل تطوعي في الأصل، ولا يلتزم الوكيل بها إلا برضاه، ولا يُجبر على تنفيذها إلا إذا قبِلها صراحة وبدأ في تنفيذها أو استفاد منها.
التوكيل على بياض :
يُقصد بـ التوكيل على بياض أن يُوقِّع الموكل على ورقة توكيل دون أن يُحدد فيها نوع التصرف القانوني أو مداه، تاركًا للوكيل ملء البيانات لاحقًا. وقد أثار هذا النوع من التوكيلات جدلًا فقهيًا وقضائيًا، لما ينطوي عليه من خطر إساءة الاستعمال من قِبل الوكيل. ورغم ذلك، فإن التوكيل على بياض ليس باطلًا في ذاته، بل يُعد صحيحًا متى ثبت أن الموكل سلّم التوكيل للوكيل عن رضا وإرادة حرة، وكان الوكيل قد تصرف في حدود ما فُوّض فيه عرفًا أو ضمنًا. ومع ذلك، يُعامل هذا التوكيل بحذر شديد، ويخضع في الإثبات لتفسير دقيق، ويجوز للموكل أن يُثبت بجميع طرق الإثبات أن الوكيل جاوز حدود الإذن أو استعمل التوكيل خلافًا للغرض الذي سُلّم من أجله. وقد استقرت محكمة النقض المصرية على أن التوكيل على بياض يفترض ثقة خاصة بين الطرفين، وأن الوكيل ملتزم بأداء مهمته بحسن نية وفي حدود التفويض، وإلا تعرّض للمساءلة المدنية، وربما الجنائية في حال التزوير أو التدليس.
التوكيل لحامله :
يُقصد بـ التوكيل لحامله أن يُصدر الموكل توكيلاً عامًا أو خاصًا دون تعيين اسم الوكيل، بحيث يُصبح التوكيل قابلاً للاستعمال من أي شخص يحمله ويقدمه، ويُعامل هذا النوع من التوكيلات بحذر بالغ في القانون، نظرًا لما قد يترتب عليه من مخاطر إساءة الاستعمال أو انتحال الصفة. وقد استقر الرأي في الفقه والقضاء على أن التوكيل لحامله لا يُعتد به في التصرفات القانونية ذات الأثر الجسيم، مثل التصرف في العقارات أو المال العام أو إبرام العقود المالية الكبرى، والتي يشترط فيها القانون تحديد شخص الوكيل صراحة، تحقيقًا للأمان القانوني وحمايةً للموكل. كما أن الجهات الرسمية والجهات القضائية غالبًا ما ترفض التعامل بموجب توكيل لحامله، لغياب ركن أساسي في الوكالة وهو تعيين الوكيل بوضوح. وبالتالي، لا يُعد هذا النوع من التوكيلات صحيحًا في نطاق واسع من التصرفات، ويُفترض فيه البطلان أو على الأقل التقييد، ما لم يكن مجرد تفويض في إجراء مادي بسيط لا يترتب عليه أثر قانوني جوهر .
الشكل الواجب توافرة في الوكالة :
الأصل أن الوكالة عقد رضائي لا يشترط لصحته شكل خاص، فيصح انعقاده بمجرد توافق الإيجاب والقبول سواء كان ذلك صراحة أو ضمنًا، وبأي وسيلة من وسائل التعبير عن الإرادة. ومع ذلك، قد يتطلب القانون شكلًا خاصًا للوكالة إذا تعلق محلها بتصرف قانوني يشترط فيه هذا الشكل، كأن تكون الوكالة متعلقة ببيع عقار أو رهنه أو التصرف فيه، ففي هذه الحالة يجب أن تُحرر الوكالة في نفس الشكل الذي يتطلبه القانون لذلك التصرف، أي بالكتابة الرسمية أو العرفية حسب الأحوال. فإذا لم تُستوفَ هذه الشكليات، كانت الوكالة باطلة بالنسبة لهذا التصرف. ويُفهم من ذلك أن شكل الوكالة يتبع شكل التصرف القانوني محلها، فإذا كان التصرف باطلًا لعدم توافر الشكل، بطلت الوكالة المرتبطة به أيضًا .
حالة وجود نص يقضي بغير القاعدة الواردة بالمادة 700 مدني :
بعد أن نصت المادة ۷۰۰ مدنى فى صدرها على أن : ” يجب أن يتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره فى العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة … ” أردفت بعبارة ” ما لم يوجد نص يقضى بغير ذلك ” .
والمقصود بالعبارة الأخيرة أنه إذا نص القانون على شكل معين يجب أن يتم فيه التوكيل فإنه يجب اتباع هذا الشكل ، دون النظر إلى ما إذا كان التصرف محل التوكيل يستوجب فيه القانون شكلا ما أم لا يستوجب ذلك ، وبصرف النظر عن الشكل الذي يتطلبه القانون إن كان يتطلب فيه شكلا معينا .
أمثلة للتصرفات التي يشترط فيها القانون شكلا معينا
1- عقد الهبة بالنسبة للواهب :
يُعد الواهب طرفًا أساسيًا في عقد الهبة، وهو الشخص الذي يتنازل عن مال مملوك له دون مقابل، تبرعًا منه للموهوب له. ويشترط لصحة الهبة أن يكون الواهب مالكًا لما يَهَب، وأن تتوافر لديه أهلية التبرع، وهي الأهلية الكاملة، لأن الهبة تصرف تبرعي من شأنه إنقاص المال، فلا يجوز لمن هو ناقص الأهلية أو ممنوع من التصرف في أمواله أن يُبرم هبة صحيحة إلا في الحدود التي يسمح بها القانون. كما يجب أن تصدر الهبة عن إرادة خالية من العيوب، فإذا شاب إرادة الواهب غش أو إكراه، جاز له أن يطلب إبطال العقد. ويجوز للواهب أن يشترط في الهبة بعض القيود كحق الانتفاع أو الاسترداد أو حتى فرض عوض رمزي، طالما لم تخل تلك الشروط بجوهر التبرع. وقد منح القانون الواهب بعض الحقوق، كحقه في الرجوع في الهبة في حالات محددة، وحقه في فسخ الهبة إذا أخل الموهوب له بالشرط، مما يوازن بين مبدأ التبرع واعتبارات العدالة.
2- محو قيد الرهن الرسمي ( شطب الرهن الرسمي) :
يُقصد بـ شطب الرهن الرسمي أو محو قيده، إنهاء أثره القانوني بالنسبة للغير، إذ أن قيد الرهن الرسمي في السجل العقاري هو الذي يُرتب له النفاذ في مواجهة الغير. ومتى تم شطب هذا القيد، زال الرهن ولم يعد له أي أثر تجاه الغير أو الدائنين الآخرين. ويتم شطب الرهن بناءً على موافقة الدائن المرتهن بموجب طلب يُقدم إلى مكتب الشهر العقاري، أو بموجب حكم نهائي يصدر بإلغاء الرهن. ويجوز للمدين أو أي ذي مصلحة أن يطلب الشطب إذا زال الدين بالرهن، كأن يتم الوفاء به أو ينقضي بأي سبب من أسباب الانقضاء. والشطب لا يؤثر في العلاقة الأصلية بين الطرفين، لكنه يُنهي الحجية الخارجية للرهن ويُخرج العقار من دائرة الضمان العيني لصالح الدائن، فيصبح قابلاً للتصرف فيه خاليًا من الرهن، ولا يُعتد به في ترتيب الحقوق العينية بعد الشطب.
3- عقد الشركة :
تنص المادة ٥٠٧ مدنى على أن : “ يجب أن يكون عقد الشركة مكتوبا وإلا كان باطلا ، وكذلك يكون باطلا كل ما يدخل على العقد من تعديلات دون أن تستوفى الشكل الذي فرغ فيه ذلك العقد “
وعلى ذلك يجب أن يكون التوكيل الصادر للغير بإبرام عقد الشركة أو بإدخال تعديلات على عقد قائم مكتوبا في ورقة عرفية ، وإلا كان التوكيل باطلا .
4 – التصرفات التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو إنقضاء حق ملكية السفينة أو غيره من الحقوق العينية عليها :
تنص المادة ١/١١ من القانون رقم 8 لسنة ١٩٩٠ بإصدار قانون التجارة البحرى على أن : ” تقع التصرفات التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو انقضاء حق الملكية أو غيره من الحقوق العينية على السفينة بمحرر رسمي وإلا كانت باطلة ” .
وبالترتيب على ذلك فإن توكيل الغير فى أحد التصرفات سالفة الذكر يجب أن يكون بورقة رسمية . وكذلك كل توكيل صادر برهن السفينة ، لأن رهن السفينة لا ينعقد إلا بعقد رسمى (٤١) من القانون رقم (۱۹۹۰/۸) .
القانون الذي يخضع له شكل العقود :
تنص المادة ۲۰ من التقنين المدنى على أن : ” العقود ما بين الأحياء ضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه ، ويجوز أيضا أن تخضع انون الذى يسرى على أحكامها الموضوعية ، كما يجوز أن تخضع نون موطن المتعاقدين أو قانونهما الوطنى المشترك ” .
المستشار محمد منيب / محامى قضايا مدنى فى الهرم الجيزة
محامٍ متخصص في القضايا المدنية ، حاصل على دبلومة في القانون الخاص، ويتميز بخبرة واسعة في تمثيل العملاء أمام المحاكم وحل النزاعات المتعلقة بالإيجارات والعقود المدنية.
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774