موانع الرجوع في الهبة في القانون المدني

موانع الرجوع في الهبة في القانون المدني

نصّ القانون المدني المصري على مجموعة من الموانع التي تحول دون رجوع الواهب في الهبة، ولو توافرت الأعذار التي تبرر الرجوع، وذلك تحقيقًا لاستقرار التعاملات وصيانة لروابط القرابة أو الاعتبارات الأخلاقية. ومن أبرز هذه الموانع: أولًا – إذا كانت الهبة صادرة من أحد الزوجين للآخر أثناء قيام الزوجية، فلا يجوز الرجوع فيها ما دامت العلاقة الزوجية قائمة. ثانيًا – إذا كانت الهبة لذي رحم محرم، كالابن أو الأب أو الأخ، لما في الرجوع من قطيعة رحم تتنافى مع مقاصد الشريعة والنظام العام. ثالثًا – إذا كانت الهبة تنفـيذًا لواجب أدبي، كالهبة لمعلم أو صديق وفاءً لمعروف سابق. رابعًا – إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له أو استحال رده لسبب خارج عن إرادته. خامسًا – إذا تصرف الموهوب له في الشيء تصرفًا نهائيًا كبيعه للغير حسن النية، أو إذا أدخل عليه تعديلًا جوهريًا يُغير من طبيعته. ويترتب على توافر أي من هذه الموانع سقوط حق الواهب في الرجوع، ولو أثبت العذر.

موانع الرجوع في الهبة في القانون المدني

المانع الأول : زيادة الموهوب زيادة متصلة :

تُعد زيادة الشيء الموهوب زيادة متصلة مانعًا من الرجوع في الهبة، إذا كانت هذه الزيادة تغير من طبيعة الشيء أو تندمج فيه بحيث يصبح من غير الممكن فصله عنها دون ضرر. ومن أمثلة ذلك أن يُبنى على الأرض الموهوبة، أو تُغرس فيها أشجار، أو يُدخل تحسين جوهري على العقار أو المنقول الموهوب. والسبب في اعتبار هذه الزيادة مانعًا من الرجوع هو أن الشيء الموهوب لم يعد على حالته التي تم التبرع بها، مما يجعل استرداده كما كان غير ممكن دون إضرار بالموهوب له أو تفويت لحق اكتسبه. ويُراعى في ذلك مبدأ استقرار الملكية واحترام ما أُضيف إلى الموهوب من عمل أو مال، فلا يجوز للواهب أن يطلب استرداد الشيء وقد تغيّر جوهريًا على يد غيره.

النص القانوني للمادة 502 مدني تنص على :-

إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته فإذا زال المانع عاد حق الرجوع.

المانع الثاني : موت أحد طرفي عقد الهبة :

يُعد موت أحد طرفي عقد الهبة مانعًا من الرجوع فيها، سواء توفي الواهب أو الموهوب له، وذلك لأن الرجوع في الهبة، وفقًا للقانون المدني المصري، لا يتم إلا بحكم قضائي يصدر بناءً على طلب من الواهب، طالما لم يتحقق الرجوع بالتراضي. فإذا توفي الواهب قبل رفع الدعوى، سقط حقه في الرجوع، ولا ينتقل هذا الحق إلى ورثته، لأن الرجوع في الهبة يُعد من الحقوق اللصيقة بشخص الواهب. كما أن موت الموهوب له قبل الرجوع يجعل من غير الممكن التنفيذ العيني للرجوع، خاصة إذا انتقل الشيء الموهوب إلى ورثته أو تصرف فيه قبل الوفاة. ويهدف هذا الحكم إلى تحقيق الاستقرار في الملكية وحماية الحقوق المكتسبة للغير بعد تمام الهبة.

المانع الثالث : تصرف الموهوب له في الشئ الموهوب تصرفا نهائيا :

يُعد تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفًا نهائيًا أحد الموانع القانونية للرجوع في الهبة، وفقًا لأحكام القانون المدني المصري. ويُقصد بالتصرف النهائي أن ينقل الموهوب له ملكية الشيء الموهوب إلى الغير، كبيعه أو التبرع به أو رهنه رهنًا رسميًا أو حيازيًا، إذا تم ذلك قبل صدور حكم بالرجوع. والهدف من هذا المانع هو حماية الغير حسن النية الذي اكتسب حقًا على الشيء، ومنع زعزعة استقرار التعاملات. فإذا تحقق هذا التصرف، لم يعد من الممكن استرداد الشيء الموهوب عينًا، وبالتالي يسقط حق الواهب في الرجوع، ولو كان له عذر قانوني يبرر ذلك، ما لم يثبت سوء نية المتصرف إليه أو أن التصرف صدر بقصد التحايل على الرجوع.

المانع الرابع : الهبة بين الزوجين :

الهبة بين الزوجين تُعد صحيحة ومنتجة لآثارها القانونية إذا استوفت شروط الهبة العامة، غير أن القانون المدني المصري وضع قيدًا خاصًا عليها فيما يتعلق بإمكانية الرجوع، إذ نص صراحة على أنه لا يجوز الرجوع في الهبة الصادرة من أحد الزوجين للآخر أثناء قيام الزوجية، إلا إذا تراضيا معًا على الرجوع. ويهدف هذا الحكم إلى حماية العلاقة الزوجية من النزاعات، وتعزيز الاستقرار الأسري، فلا يُسمح للواهب بأن يهدد الطرف الآخر برجوع في الهبة حال نشوب خلافات. أما إذا تم الرجوع بالتراضي بين الزوجين، أو زالت العلاقة الزوجية بوقوع الطلاق مثلًا، فقد يُعاد النظر في الأمر بحسب ظروف كل حالة، ولكن الأصل أن الهبة بين الزوجين أثناء قيام الزوجية لا يجوز الرجوع فيها إلا باتفاق الطرفين.

المانع الخامس : الهبة لذى رحم محرم :

تُعد الهبة لذي رحم محرم من الحالات التي يمنع فيها الرجوع في الهبة وفقًا لأحكام القانون المدني المصري، وذلك مراعاة لروابط القرابة وصلة الرحم التي يحرص القانون على حمايتها. وذو الرحم المحرم هو القريب الذي يحرم الزواج به شرعًا على وجه التأبيد بسبب القرابة أو المصاهرة، كالأب، والأم، والابن، والبنت، والأخ، والأخت. ويقوم هذا المنع على اعتبارات أدبية واجتماعية، إذ يُفترض أن الهبة صدرت بدافع المودة والبر، ولا يصح أن يُنقض هذا التبرع بالتقاضي أو المطالبة بالرجوع، لما في ذلك من قطيعة رحم وتنافر بين الأقارب. وبالتالي، لا يجوز للواهب أن يطلب الرجوع في الهبة إذا كانت لمثل هؤلاء الأقارب،

المانع السادس : هلاك أو إستهلاك الشئ الموهوب :

يُعد هلاك الشيء الموهوب أو استهلاكه مانعًا من الرجوع في الهبة، وفقًا لأحكام القانون المدني المصري، لأن الرجوع يقتضي إعادة الشيء الموهوب إلى الواهب عينًا، فإذا هلك أو استُهلك بحيث لم يعد له وجود مادي، استحال التنفيذ العيني، وسقط حق الواهب في الرجوع. ويُقصد بالهلاك زوال الشيء الموهوب كليًا بسبب قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو بفعل الموهوب له نفسه، ويقصد بالاستهلاك استعمال الشيء على نحو ينفي إمكانية رده، كما هو الحال في المال القابل للاستهلاك كالأطعمة أو النقود إذا أنفقت. ولا يُؤثر في ذلك ما إذا كان الهلاك بفعل الموهوب له أو بغير فعله، طالما لم يثبت سوء النية أو التعمد في إهلاك الشيء بقصد منع الرجوع، إذ يمكن في هذه الحالة الرجوع بقيمة الشيء بدلًا من عينه، بحسب تقدير المحكمة.

المانع السابع : العوض في الهبة :

العوض في الهبة هو ما يلتزم الموهوب له بأدائه مقابل ما تلقاه من الواهب، ويُخرج الهبة من صورتها المجردة كعقد تبرع بحت إلى ما يُعرف بالهبة بعوض. ويشترط أن يكون العوض معلومًا ومشروعًا، سواء كان مالًا أو عملاً أو التزامًا معينًا، ويجب أن يكون العوض منصوصًا عليه في العقد أو ثابتًا بصورة قاطعة. ولا يشترط أن يتكافأ العوض مع الشيء الموهوب، لكن يجب أن يكون له قيمة تُخرج العقد من دائرة الهبة المجانية. وتخضع الهبة بعوض لبعض أحكام البيع، خاصة ما يتعلق بالضمان، لكنها تظل عقد تبرع من حيث الدافع والغرض، ولا تسري عليها قواعد الفسخ أو الضمان بنفس قوة البيع. وإذا لم يُنفذ الموهوب له العوض المتفق عليه، جاز للواهب أن يطلب الفسخ، ما لم يكن قد احتفظ لنفسه بحق الرجوع أو اشترط شروطًا أخرى.

المانع الثامن : إذا كانت الهبة صدقة أو عملا من أعمال البر :

إذا كانت الهبة في حقيقتها صدقة أو عملاً من أعمال البر والإحسان، فإنها تُعد من الهبات التي لا يجوز الرجوع فيها وفقًا لأحكام القانون المدني المصري، وذلك احترامًا للنية التي صدر بها التبرع وتحقيقًا للاستقرار الأخلاقي والاجتماعي. فالواهب في هذه الحالة يُفترض أنه تصرف بدافع ديني أو إنساني خالص، دون انتظار رد أو عوض، مما يجعل الرجوع فيها مخالفًا لما قصده المتبرع. ويشمل ذلك الهبات الموجهة إلى دور العبادة، أو الجمعيات الخيرية، أو الفقراء والمحتاجين، أو تلك التي تصدر عن التزام أدبي أو عرفي .

مكتب المحامى محمد منيب ماجستير القانون الدولى

error: