عقد الصلح في القانون المدني
يُعد عقد الصلح من العقود المسماة في القانون المدني، ويُعرف بأنه عقد يُنهي به الطرفان نزاعًا قائماً أو يتوقَّع قيامه، وذلك بتنازل كل منهما عن جزء من ادعاءاته أو حقوقه أو بمقابل يمنحه للآخر. ويتميز عقد الصلح بكونه مُلزمًا للطرفين وله حجية الشيء المقضي فيه، فلا يجوز لأحدهما الرجوع عنه أو الطعن فيه لمجرد الخطأ في التقدير، طالما لم يشبه غش أو تدليس أو غلط جوهري. ويجوز أن يكون الصلح في المسائل المدنية أو التجارية أو حتى في بعض الأمور الأسرية، ما لم يكن متعلقًا بالنظام العام. ويشترط لصحة عقد الصلح توافر الأركان العامة للعقود من تراضٍ ومحل وسبب، بالإضافة إلى وجود نزاع حقيقي أو محتمل يُراد حسمه، مما يجعل الصلح وسيلة فعالة لإنهاء النزاعات دون اللجوء إلى القضاء.
تعريف الصلح لغة :
الصلح في اللغة مأخوذ من الفعل “صَلَحَ” ويُقال: “صَلَحَ الشيء” أي استقام واعتدل، والصلح نقيض الفساد. ويُطلق لفظ الصلح على الاتفاق الذي يُنهى به الخصام ويزيل به النزاع، فهو من المصالحة، أي إحلال السلم والوفاق محل الشقاق والخلاف. ويُقال: “صالَح فلانٌ فلانًا” أي أنهى ما بينهما من خصومة أو عداوة باتفاق يرضي الطرفين. ومن هذا المعنى اللغوي اشتُق المعنى الاصطلاحي في الفقه والقانون، حيث يدل الصلح على تسوية النزاع بالتراضي.
تعريف الصلح شرعا :
الصلح شرعا عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة بين المتصالحين بتراضيهما، فإذا ادعى إنسان على آخر حقا فصالحه عنه المدعى عليه جاز، وكان طالب الحق مصالحا والمطالب به مصالحا ، والحق المطلوب مصالحا عنه ، وما أعطى للطالب مصالحا عليه ، أو بدل صلح .
تعريف الصلح قانونا :
عرف المشرع الصلح فى المادة ٥٤٩ من التقنين المدنى الجديد بأنه :
عقد يحسم به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان به نزاعا محتملا وذلك بأن ينزل كل منهما على وجه التقابل عن جزء من ادعائه ” .
وهذا التعريف أدق من التعريف الذى أتى به المشرع الفرنسي في المادة ٢٠٤٤ من المجموعة المدنية ، إذ جاء هذا التعريف غفلا من الإشارة إلى أهم خصائص الصلح وهى تنازل كل من الطرفين عن جزء من ادعائه .
كما أنه أدق من التعريف الذي أورده التقنين المدني الملغى في المادة ٥٣٢ / ٦٥٣ بأن الصلح ” عقد به يترك كل من المتعاقدين جزءا من حقوقه على وجه التقابل لقطع النزاع أو لمنع وقوعه ” ، ذلك أنه لا يلزم حتما أن يكون لكل من المتصالحين حقوق ثابتة فيتنازل عن جزء منها .
إنما يكفى أن يكون لأحد الطرفين مجرد ادعاء ليقوم الصلح على أساس التنازل عن هذا الادعاء ، ولو لم يكن هذا الادعاء مستندا إلى حق ثابت لا مرية فيه .
فائدة الصلح :
يُعد الصلح من أهم الوسائل الودية لحل المنازعات، لما يحققه من فوائد متعددة، أبرزها إنهاء النزاع بين الأطراف دون الحاجة إلى التقاضي، وما يترتب عليه من مشقة وتكاليف مادية ومعنوية. كما يُسهم الصلح في المحافظة على العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية والتجارية، ويُجنب الخصوم ضياع الوقت والجهد. ويتميز الصلح بكونه قائمًا على الرضا المتبادل، مما يعزز الاستقرار ويمنع تجدد الخصومة، فضلاً عن أن له حجية تعادل حجية الأحكام القضائية متى تم وفقًا للقانون، مما يمنح المتصالحين ضمانًا قانونيًا على ما تم الاتفاق عليه.
مقومات الصلح
اولا : نزاع قائم أو محتمل :
يُشترط لصحة عقد الصلح أن يكون هناك نزاع قائم بين الطرفين، أي نزاع فعلي حصل بالفعل بينهما، أو نزاع محتمل، أي متوقع حدوثه في المستقبل. ويُقصد بالنزاع القائم ذلك الخلاف الذي نشأ بين الطرفين حول حق أو التزام معين، سواء كان هذا النزاع منظورًا أمام القضاء أو لا. أما النزاع المحتمل، فهو الحالة التي يخشى فيها أحد الطرفين أن يُنازع الآخر في حق معين، فيبادر إلى الصلح لتفادي الخصومة. ويُشترط في هذا النزاع – سواء كان قائمًا أو محتملاً – أن يكون جديًا وحقيقيًا، لا وهميًا أو صوريًا، لأن الغرض من الصلح هو حسم خلاف جدي لا مجرد ترتيب آثاره القانونية في الظاهر.
هل يجب توافر عنصر الشك في النزاع :
نعم، يشترط في النزاع الذي يُبرم الصلح بشأنه أن يتسم بقدر من الشك أو عدم اليقين، سواء في الواقع أو في القانون، فلا يجوز إبرام الصلح إذا كان الحق محل النزاع ثابتًا بشكل قاطع لأحد الطرفين دون جدال أو احتمال. ويُقصد بالشك هنا أن يكون هناك غموض أو التباس في تحديد من له الحق، أو أن يكون هناك اختلاف في تفسير القانون أو تقدير الوقائع، مما يبرر إبرام الصلح لتفادي الحكم أو لحسم الخلاف. أما إذا كان الحق واضحًا لا نزاع فيه، فالصلح في هذه الحالة يُعد تبرعًا أو تصرفًا آخر، وليس صلحًا بالمعنى القانوني الدقيق، لأن عنصر الشك هو ما يبرر التنازل المتبادل الذي يقوم عليه عقد الصلح.
الصلح بعد صدور حكم نهائي :
يجوز قانونًا إجراء الصلح حتى بعد صدور حكم نهائي في النزاع، طالما لم يتم تنفيذ الحكم بعد، أو كان الصلح يرمي إلى إنهاء آثار الحكم أو تنظيم تنفيذ ما قضى به. فالصلح في هذه الحالة لا يُعد طعنًا في الحكم أو مساسًا بحجيته، بل هو اتفاق جديد بين الطرفين على إنهاء الخصومة أو تعديل ما اتفقا عليه سابقًا، ويترتب عليه وقف تنفيذ الحكم أو التنازل عن بعض الحقوق. ويُشترط أن يتم هذا الصلح برضا الطرفين، وأن لا يتضمن مخالفة للنظام العام أو انتقاصًا من حقوق الغير. وقد يُفرغ هذا الصلح في محرر رسمي أو عرفي، وتكون له قوة السند التنفيذي إذا توافرت شروطه القانونية.
ثانيا : نية حسم النزاع :
تُعد نية حسم النزاع من العناصر الجوهرية في عقد الصلح، إذ لا يُتصور انعقاد الصلح الصحيح ما لم يكن الغرض الأساسي منه هو وضع حد نهائي للنزاع القائم أو المحتمل بين الطرفين. فالقصد من الصلح ليس مجرد تأجيل النزاع أو تسكينه مؤقتًا، بل حسمه حسمًا نهائيًا يُنهي كل ما بين الخصوم من خلافات تتعلق بالحق موضوع الاتفاق. ويُفترض في الصلح وجود هذه النية، لكن إذا ثبت أن أحد الطرفين لم يقصد إنهاء النزاع فعليًا، وإنما استخدم الصلح كوسيلة احتيالية لكسب وقت أو تضليل الطرف الآخر، جاز طلب بطلانه لعيب في الإرادة. لذلك، فإن تحقق نية حسم النزاع يُعد شرطًا لضمان جدية الصلح وفاعليته القانونية.
ثالثا : نزول كل من الخصمين عن جزء من إدعائه :
يقوم عقد الصلح – في جوهره – على مبدأ التنازل المتبادل، أي أن ينزل كل من الخصمين عن جزء من إدعائه أو حقه في سبيل الوصول إلى اتفاق يُنهي النزاع بينهما. وهذا التنازل المتبادل هو ما يُميز الصلح عن غيره من العقود، ويُظهر طابعه التوفيقي، إذ يتخلى كل طرف عن بعض مطالبه أو حقوقه مقابل تخلي الطرف الآخر عن جزء مماثل، تحقيقًا للتوازن والعدل في التسوية. ولا يشترط أن يكون التنازل متكافئًا من حيث القيمة أو الأهمية، وإنما يكفي أن يكون صادرًا عن إرادة حرة وقصد جدي في إنهاء النزاع. فإذا لم يتنازل أحد الطرفين بشيء، وكان التنازل من طرف واحد فقط، فإن العقد يُعد تصرفًا من نوع آخر، كالإبراء أو التبرع، وليس صلحًا بالمعنى القانوني.
لايشترط تكافؤ التنازل من الجانبين :
لا يُشترط في عقد الصلح أن يكون التنازل المتبادل بين الطرفين متكافئًا أو متساويًا من حيث القيمة أو الأثر، بل يكفي أن يكون كل طرف قد قدم تنازلًا ما، ولو كان يسيرًا، في سبيل إنهاء النزاع. فالعبرة في الصلح ليست بتوازن التنازلات حسابيًا، وإنما بتحقيق الغاية الأساسية منه، وهي حسم الخلاف بشكل يرضى عنه الطرفان. وقد يُقدّر أحد الطرفين أن مصلحته في إنهاء النزاع تفوق ما يتنازل عنه، فيقبل بشروط قد تبدو غير متعادلة. وبالتالي، لا يؤثر عدم التكافؤ في صحة الصلح طالما تم برضا صحيح ولم يشبه غبن فاحش أو استغلال أو إكراه.
مكتب المحامى محمد منيب فى الهرم
✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني