تغيير طريقة تنفيذ الوكالة بما لا يضر بالموكل في القانون المدني
إذا غيَّر الوكيل طريقة تنفيذ الوكالة عن الشكل الذي رسمه له الموكل، ولكن دون أن يترتب على هذا التغيير ضرر بالمُوكِّل، فإن تصرفه يُعد صحيحًا ونافذًا في حق الموكل. فالغاية من تنفيذ الوكالة هي تحقيق مصلحة الموكل، فإذا تحقق ذلك دون الإضرار به، فإن مجرد مخالفة الشكل أو الأسلوب لا تُؤثر في صحة التصرف. ويُستند في ذلك إلى أن جوهر الالتزام بتنفيذ الوكالة لا يتعلق بالتقيد الحرفي بطريقة الأداء، وإنما بتحقيق الهدف المرسوم من الوكالة دون مخالفة الحدود الجوهرية أو إلحاق ضرر بالمُوكِّل.
إجازة الخروج على الحدود المرسومة للوكالة :
إذا خرج الوكيل عن الحدود المرسومة له في الوكالة، فإن تصرفه لا يكون ملزمًا للموكل، إلا إذا أجازه الأخير صراحةً أو ضمنًا. وتُعد الإجازة بمثابة تصحيح بأثر رجعي للتصرف الذي وقع خارج حدود الوكالة، فيُعامل كأن الوكيل قد تصرف في حدود سلطته منذ البداية. وقد تكون الإجازة صريحة، كأن يقر الموكل التصرف كتابة أو شفاهة، أو ضمنية، كأن يسكت الموكل عن الاعتراض مع علمه الكامل بالتصرف، أو أن يستفيد من آثاره دون تحفظ. ويشترط لصحة الإجازة أن تصدر عن إرادة حرة من الموكل وأن يكون عالماً بكافة تفاصيل التصرف الخارج عن حدود الوكالة.
أثر توافر شرطى تجاوز حدود الوكالة :
إذا توافر شرطان أساسيان في تصرف الوكيل، وهما: تجاوز حدود الوكالة وعدم إجازة الموكل للتصرف، فإن التصرف الصادر من الوكيل لا ينصرف أثره إلى الموكل، ولا يُعد ملزمًا له. ويُعامل التصرف حينئذ على أنه صادر من غير ذي صفة، ويقع باطلاً في حق الموكل، إلا إذا أجازه لاحقًا. أما في مواجهة الغير حسن النية، فقد يثور التساؤل حول مدى إمكانية التمسك بعدم نفاذ التصرف، ويُرجع في ذلك إلى القواعد العامة في نظرية النيابة ومبدأ حماية التعامل.
لا يعيب الحكم الذي إستظهر حدود الوكالة تزيده في أسبابه :
لا يعيب الحكم القضائي كونه قد استظهر حدود الوكالة من وقائع الدعوى أو المستندات المقدمة، ولو أورد في سبيل ذلك تفصيلًا زائدًا أو أسبابًا إضافية، طالما أن هذه الأسباب ليست متناقضة، ولم تؤدِّ إلى خطأ في التطبيق أو تحريف في الوقائع. فاستظهار حدود الوكالة يدخل ضمن السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، ولها أن تستعين بكل ما تراه لازمًا من عناصر الإثبات، ولو زادت في تسبيبها، ما دام ذلك لم يؤثر على سلامة النتيجة التي انتهت إليها.
تعاقد الوكيل مع نفسه :
تعاقد الوكيل مع نفسه يُعد في الأصل باطلًا أو موقوفًا على إجازة الموكل، وذلك تطبيقًا لقاعدة منع تعارض المصالح، إذ لا يجوز للوكيل أن يجمع بين صفتي البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر مثلًا، لأن ذلك يُفضي إلى تغليب مصلحته الشخصية على مصلحة الموكل. ومع ذلك، يجوز هذا التعاقد إذا أذن به الموكل صراحة، أو إذا كان من طبيعة التصرفات التي لا يحتمل فيها تعارض المصالح، أو كان القانون أو العرف يجيزانه، وفي كل الأحوال يجب أن يكون ذلك في حدود الأمانة وحسن النية.
العناية الواجبة في تنفيذ إلتزام الوكيل :
يُلتزم الوكيل في تنفيذ الوكالة بأن يبذل في أدائه لها عناية الرجل المعتاد، أي العناية التي يبذلها الشخص الحريص في شؤونه الخاصة، وذلك وفقًا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية. فلا يُطلب من الوكيل تحقيق نتيجة معينة، بل يكتفى بأن يؤدي مهمته بما يلزم من الحيطة والانتباه، ودون تقصير أو إهمال. وإذا أخلّ الوكيل بهذا الواجب وألحق بالموكل ضررًا، التزم بالتعويض، ما لم يثبت أن الضرر قد وقع بسبب أجنبي لا يد له فيه.
النص القانوني للمادة 704 مدني تنص على :-
(1) إذا كانت الوكالة بلا أجر وجب على الوآيل أن يبذل فى تنفيذها العناية التى يبذلها فى أعماله الخاصة ، دون أن يكلف فى ذلك أزيد من عناية الرجل المعتاد .
(2) فإن كانت بأجر وجب على الوكيل أن يبذل دائماً فى تنفيذها عناية الرجل المعتاد .
إلتزام الوكيل ببذل عناية الوكيل :
يتمثل التزام الوكيل ببذل عناية الوكيل في وجوب أن يؤدي المهام الموكلة إليه بما يبذله الوكيل المعتاد من حرص واهتمام، أي العناية التي يبذلها في شؤونه الخاصة إذا كان في مثل ظروف الموكل. فلا يُطلب من الوكيل تحقيق نتيجة محددة، بل يكفي أن يقوم بتنفيذ الوكالة بقدر معقول من الانتباه والجدية. وإذا قصر الوكيل في هذا الواجب، كأن يهمل أو يتراخى، فإنه يكون مسؤولًا عن تعويض الضرر الذي أصاب الموكل نتيجة هذا التقصير، ما لم يثبت أن الضرر لم يكن نتيجة فعله أو إهماله.
مسئولية الوكيل عن الخطأ العادي :
يسأل الوكيل عن الخطأ العادي الذي يصدر منه أثناء تنفيذ الوكالة، ويقصد بالخطأ العادي ذلك الإخلال بواجب العناية المعتادة التي يبذلها الشخص العادي في مثل ظروف الوكيل، دون أن يصل إلى مرتبة الخطأ الجسيم. وتقوم هذه المسؤولية إذا ثبت أن الوكيل قد تصرف برعونة أو إهمال أو قلة احتراز، سواء أكان ذلك في تنفيذ التصرف الموكَّل فيه أو في اتخاذ ما يلزم من الاحتياطات. وتُقدَّر هذه المسؤولية بحسب طبيعة الوكالة، ومدى تخصص الوكيل، وظروف الزمان والمكان، ولا يُعفى منها إلا إذا أثبت الوكيل أنه بذل العناية التي يبذلها الشخص المعتاد في مثل حاله.
مسئولية الوكيل عن الغش والخطأ الجسيم :
يُسأل الوكيل في جميع الأحوال عن الغش والخطأ الجسيم الذي يصدر منه أثناء تنفيذ الوكالة، سواء كان مأجورًا أو غير مأجور، وسواء نُص على ذلك في عقد الوكالة أو لم يُنص. فالغش يتمثل في تعمد الإضرار بالموكل أو إخفاء الحقيقة عنه، أما الخطأ الجسيم فهو تجاوز جسيم لواجب الحيطة والعناية إلى درجة لا يُعذر بها الشخص العادي. ولا يجوز الاتفاق على إعفاء الوكيل من هذه المسؤولية، لأن ذلك يُعد مخالفة للنظام العام، فالغش والخطأ الجسيم يُعدّان من صور الإخلال الجسيم بالأمانة والثقة المفترضتين في علاقة الوكالة.
مسئولية الوكيل عن السبب الأجنبي :
لا يُسأل الوكيل عن الضرر الذي يصيب الموكل إذا ثبت أن هذا الضرر لم ينشأ عن خطأ منه، وإنما كان نتيجة لسبب أجنبي لا يد له فيه، كالقوة القاهرة أو خطأ الغير أو خطأ الموكل نفسه. فالوكالة من العقود التي تترتب فيها المسؤولية على أساس الخطأ، وبالتالي فإذا انتفى الخطأ وانتفى الإهمال، ووجد سبب أجنبي حال دون تنفيذ الوكالة أو أدى إلى وقوع الضرر، فإن مسؤولية الوكيل تنتفي. ويقع على عاتق الوكيل عبء إثبات هذا السبب الأجنبي دفعًا للمسؤولية، ولا يُعفى من هذا الإثبات إلا إذا وجد نص خاص أو اتفاق بين الطرفين يقرر خلاف ذلك.
إثبات مسئولية التوكيل :
إثبات مسؤولية الوكيل يقتضي أن يثبت الموكل وقوع خطأ من الوكيل أثناء تنفيذ الوكالة، وأن هذا الخطأ كان سببًا مباشرًا في حدوث الضرر الذي أصابه. فلا يكفي مجرد وقوع الضرر لتحقق المسؤولية، بل يجب إقامة الدليل على أن الوكيل قد قصر في تنفيذ التزامه ببذل العناية المعتادة، أو أنه ارتكب خطأً جسيماً أو غشًّا أو تجاوز حدود الوكالة. ويقع عبء الإثبات هنا على الموكل باعتباره المدعي، فإذا أثبت الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، قامت مسؤولية الوكيل، ما لم ينجح هذا الأخير في دفعها بإثبات السبب الأجنبي أو نفي وقوع الخطأ.
التعويض :
التعويض في عقد الوكالة هو الجزاء المدني الذي يُلزم به الوكيل إذا أخلّ بالتزاماته وأدى ذلك إلى إلحاق ضرر بالموكل. ويُشترط للحكم بالتعويض توافر أركان المسؤولية المدنية الثلاثة: الخطأ، والضرر، وعلاقة السببية. فإذا ثبت أن الوكيل لم يبذل العناية المطلوبة منه، أو تجاوز حدود وكالته دون مسوغ، أو تصرف على نحو يلحق بالموكل ضررًا، التزم بتعويض هذا الضرر. ويشمل التعويض ما لحق الموكل من خسارة، وما فاته من كسب، ويقدره القاضي وفقًا لظروف كل حالة. وقد يكون التعويض نقدًا أو عينًا بحسب طبيعة الضرر.
الإتفاق على تعديل أحكام المسئولية :
يجوز للموكل والوكيل الاتفاق على تعديل أحكام المسؤولية المقررة قانونًا، سواء بالتخفيف منها أو بتوسيع نطاقها، ما لم يكن في ذلك مخالفة للنظام العام أو تهرب من المسؤولية عن الغش أو الخطأ الجسيم. فإذا اتفق الطرفان على إعفاء الوكيل من المسؤولية عن الخطأ اليسير، فإن هذا الاتفاق يكون صحيحًا ونافذًا، أما إذا شمل الإعفاء الغش أو الخطأ الجسيم، فإنه يكون باطلًا لمخالفته للنظام العام. ويشترط في مثل هذه الاتفاقات أن تكون صريحة وواضحة، ولا يُفترض التعديل الضمني في المسؤولية، ويُفسَّر أي غموض في هذه الشروط لمصلحة الطرف الملتزم، وهو غالبًا الموكل.
أكبر محامى قضايا المدنى المستشار / محمد منيب المحامى
- 📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
- 📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
- 📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني