تضامن المهندس والمقاول في الضمان في القانون المدني
في القانون المدني، يُقرّ مبدأ تضامن المهندس المعماري والمقاول في ضمان العيوب التي تهدد متانة البناء أو تجعله غير صالح للغرض الذي أُنشئ من أجله، إذا اشتركا في تنفيذ العمل أو في الإشراف عليه. ويقع هذا التضامن حتى ولو كان لكل منهما دور مختلف، كأن يتولى المهندس التصميم أو الرقابة ويتولى المقاول التنفيذ. ويترتب على هذا التضامن أن يُسأل كل منهما عن كامل الضرر، ولصاحب الحق أن يرجع على أي منهما بجميع التعويضات، على أن يبقى للمسؤول الذي وفى بالضمان حق الرجوع على الآخر بما يخصه من نسبة المسئولية. ويهدف هذا التضامن إلى حماية المالك أو رب العمل من تحميله عبء إثبات التحديد الدقيق لمسئولية كل طرف على حدة، لما في ذلك من صعوبة فنية.
إقتسام المسئولية بين المهندس والمقاول :
اقتسام المسؤولية بين المهندس المعماري والمقاول في دعوى الضمان يخضع لقواعد توزيع الخطأ بينهما، ويُراعى فيه دور كل طرف في وقوع العيب أو الخلل. فالمحكمة تُقدّر نسبة مساهمة كل من المهندس والمقاول في الضرر، فإذا ثبت أن العيب ناشئ عن خطأ في التصميم، تحمل المهندس النصيب الأكبر من المسؤولية، أما إذا كان العيب راجعًا إلى سوء التنفيذ، فإن العبء يقع على عاتق المقاول. وفي الحالات التي يتداخل فيها الخطأ بين التصميم والتنفيذ، تقسم المسؤولية بينهما بنسبة ما ارتكبه كل منهما من خطأ. ويظل التضامن قائمًا في مواجهة رب العمل، لكن بعد الوفاء بالضمان، يحق للمسؤول الذي دفع كامل التعويض أن يرجع على الآخر بنسبة خطئه، وفقًا لما تقرره المحكمة من قسمة للمسؤولية.
أساس رجوع كل من المهندس المعماري والمقاول على الآخر :
يرجع أساس رجوع كل من المهندس المعماري والمقاول على الآخر في دعوى الضمان إلى مبدأ المسؤولية التقصيرية المشتركة وتوزيع الخطأ بينهما بحسب مساهمة كل منهما في حدوث العيب. فبعد أن يُلزما متضامنين أمام رب العمل بدفع التعويض، يجوز لمن تحمل عبء الوفاء كاملاً أن يرجع على الآخر بدعوى الاستحقاق الجزئي لاسترداد ما دفعه فيما يجاوز نصيبه في المسؤولية. ويستند هذا الرجوع إلى ما تقرره المحكمة من نسبة الخطأ، فإذا ثبت أن المقاول ارتكب خطأً تنفيذياً .
تعلق أحكام الضمان بالنظام العام :
تتعلق أحكام الضمان في عقد المقاولة، وبخاصة الضمان عن العيوب التي تهدد متانة البناء أو تجعله غير صالح للاستعمال، بالنظام العام، وذلك لما لها من صلة وثيقة بسلامة المنشآت وحماية الأرواح والممتلكات. وبناءً على ذلك، لا يجوز الاتفاق على إعفاء المهندس المعماري أو المقاول من هذا الضمان، ولا على الحد منه، ويُعد كل شرط يقضي بخلاف ذلك باطلًا. كما أن هذا الضمان يقوم بقوة القانون ولا يحتاج إلى نص خاص في العقد، ويُمنح لصاحب الحق فيه مهلة محددة (عادة عشر سنوات) لرفع الدعوى، ويجوز للمحكمة إعماله من تلقاء نفسها متى توافرت شروطه، مما يؤكد طابعه الآمر وعدم جواز التنازل عنه مسبقًا.
جواز نزول رب العمل عن الضمان بعد تحقق سببه :
يجوز لرب العمل التنازل عن حقه في الضمان بعد تحقق سببه، أي بعد ظهور العيب وثبوت مسؤوليته على المقاول أو المهندس المعماري، ما دام التنازل قد صدر عن إرادة حرة وعن علم تام بوجود العيب وآثاره. ويُشترط لصحة هذا التنازل أن يكون صريحًا أو ضمنيًا لا يحتمل الشك، كأن يُخطر رب العمل المهندس أو المقاول بأنه لا ينوي الرجوع عليه رغم علمه بالعيب، أو أن يقبل الإصلاح دون تحفظ. أما قبل تحقق سبب الضمان، فإن أي اتفاق على الإعفاء من المسؤولية يُعد باطلًا لمخالفته للنظام العام، لكن بعد تحقق العيب، يصبح الحق في الضمان حقًا شخصيًا لرب العمل، ويجوز له التصرف فيه كغيره من الحقوق، بما في ذلك التنازل عنه كليًا أو جزئيًا.
تقادم دعوى الضمان :
تتقادم دعوى الضمان في عقد المقاولة بمدة عشر سنوات تبدأ من وقت تسلُّم رب العمل للأعمال تسلُّمًا فعليًا، سواء كان العيب ناشئًا عن خطأ في التصميم أو في التنفيذ أو في المواد المستعملة، ما دام العيب من شأنه أن يهدد متانة البناء أو يجعله غير صالح للاستعمال. ويُعد هذا التقادم من قبيل التقادم المسقط، فيجوز التمسك به من قِبل المهندس أو المقاول إذا رُفعت الدعوى بعد انقضاء المدة. ومع ذلك، لا يسري هذا التقادم إذا ثبت أن المقاول أو المهندس قد أخفى العيب غشًا منه، حيث يبدأ التقادم في هذه الحالة من وقت اكتشاف العيب لا من وقت التسلُّم. وتُعتبر مدة التقادم من النظام العام الجزئي، فلا يجوز تقصيرها باتفاق، ولكن يمكن إطالتها إذا رغب الأطراف في ذلك.
الأسباب التي تعفي المهندس المعماري والمقال من المسئولية
القوة القاهرة :
القوة القاهرة هي حادث خارجي غير متوقع ولا يمكن دفعه، ويترتب عليه استحالة تنفيذ الالتزام أو حصول ضرر دون خطأ من المدين. وتُعد القوة القاهرة سببًا من أسباب الإعفاء من المسؤولية، سواء في العقود أو في المسؤولية التقصيرية، لأنها تقطع رابطة السببية بين الفعل الضار والنتيجة. ويشترط لقيام القوة القاهرة أن يكون الحادث غير ممكن التوقع عند التعاقد، وأن يكون مستحيل الدفع حتى ولو بُذل أقصى الجهد. ومن أمثلتها: الزلازل، الفيضانات الجارفة، الحروب، والقرارات السيادية المفاجئة. ويجب على من يتمسك بالقوة القاهرة أن يثبت توافر شروطها، ولا يُفترض قيامها بمجرد وقوع حادث طارئ، بل تُقدَّر في ضوء ظروف كل حالة على حدة، وبما تقرره المحكمة.
خطأ رب العمل :
يُعد خطأ رب العمل من الأسباب التي قد تُعفي المقاول أو المهندس المعماري من المسؤولية عن العيوب أو الأضرار، إذا ثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في حدوث الضرر. ويتحقق خطأ رب العمل، مثلاً، إذا قدَّم مواد غير صالحة للبناء رغم تحذير المقاول، أو فرض تعديلات جوهرية أثناء التنفيذ أخلّت بسلامة المنشأة، أو رفض تنفيذ توصيات فنية ضرورية. ويشترط لإعفاء المقاول أو المهندس أن يثبتا أن العيب يرجع إلى تصرف رب العمل، وأنهما قد نبَّهاه إلى الخطر كتابة ولم يستجب، فإذا تحقق ذلك، انقطعت رابطة السببية بين فعلهما والضرر، وانتفت مسؤوليتهما. ومع ذلك، إذا اشترك المقاول أو المهندس في الخطأ أو قصر في واجب التنبيه، فلا يُعفيهما خطأ رب العمل وحده.
خطأ الغير :
يُعتبر خطأ الغير من الأسباب التي قد تُعفي المهندس المعماري أو المقاول من المسؤولية عن العيوب أو الأضرار، إذا ثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر والوحيد في وقوع الضرر. ويقصد بالغير كل شخص أجنبي عن عقد المقاولة، كعامل من الباطن أو جهة خارجية تدخلت في التنفيذ أو التوريد. فإذا كان العيب راجعًا إلى خطأ جهة أخرى تولت أحد جوانب العمل دون إشراف من المقاول أو المهندس، أو إذا تدخل طرف ثالث وأحدث تغييرات أخلت بسلامة البناء، جاز الدفع بخطأ الغير. ومع ذلك، لا يُعفى المقاول أو المهندس إذا ثبت أنه كان يستطيع توقع هذا الخطأ أو تفادي آثاره، أو إذا قصَّر في الرقابة على من يعمل تحت إشرافه، كالمقاول من الباطن، لأن مسؤوليته هنا تظل قائمة عن خطأ التابع أو المُساعد.
المستشار محمد منيب
أفضل محامي لكتابة عقود البيع والشراء والمقاولة والمشاركات
- 📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
- 📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
- 📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني