المحل والسبب في عقد الصلح في القانون المدني

المحل والسبب في عقد الصلح في القانون المدني

يشترط لصحة عقد الصلح، كغيره من العقود، أن يكون له محل وسبب مشروعان. فالمحل في الصلح يتمثل في التنازلات المتبادلة التي يقدّمها الطرفان لحسم النزاع، سواء تمثلت في إسقاط حق أو الالتزام بعدم المطالبة بشيء أو الاعتراف بمركز قانوني معين. ويجب أن يكون هذا المحل ممكنًا ومشروعًا وغير مخالف للنظام العام أو الآداب. أما السبب، فهو الرغبة في إنهاء نزاع قائم أو تجنب نزاع محتمل، وهذا السبب مشروع في ذاته متى كان النزاع حقيقيًا وليس صوريًا أو مفتعلًا. ويترتب على انعدام المحل أو السبب، أو إذا كان أي منهما غير مشروع، بطلان عقد الصلح بطلانًا مطلقًا. ويؤكد القضاء المصري على أن الصلح لا يصح إذا كان محله أمرًا غير جائز قانونًا، أو إذا قام على سبب غير مشروع كالاتفاق على إخفاء جريمة أو التحايل على القانون، لما في ذلك من إخلال بالنظام العام.

المحل في عقد الصلح :

المحل في عقد الصلح هو التنازلات المتبادلة التي يقدّمها كل من المتصالحين بهدف إنهاء نزاع قائم أو تفادي نزاع محتمل، وقد يكون التنازل عن حق قائم أو الادعاء بحق متنازع عليه أو الالتزام بأداء معين أو الامتناع عن المطالبة. ويشترط في محل الصلح، وفقًا للقواعد العامة، أن يكون مشروعًا وممكنًا ومحددًا أو قابلاً للتحديد. ولا يُشترط أن يكون الحق محل النزاع ثابتًا أو قائمًا فعلاً، بل يكفي أن يكون النزاع جديًا وقائمًا أو محتملاً بشأن واقعة أو مركز قانوني. وإذا كان محل الصلح أمرًا غير جائز قانونًا، كالتصالح على حق غير قابل للتصرف فيه أو مخالف للنظام العام، كان الصلح باطلًا. وهكذا، فإن المحل في عقد الصلح ليس مجرد موضوع النزاع، بل هو التنازل أو الالتزام الذي يقدّمه كل طرف في مقابل ما يقدمه الآخر، ويُعد ذلك جوهر الرابطة العقدية في الصلح.

تطبيق القواعد العامة :

محل الصلح هو الحق المتنازع فيه ، ونزول كل من الطرفين عن جزء ثنا يدعيه في هذا الحق ، والذى لا يشترط فيه التكافؤ بين ما ينزل عنه كل من المتعاقدين للآخر .

وقد يتضمن الصلح نزول أحد المتصالحين عن الحق المتنازع فيه حميد مقابل مال يؤديه إليه الطرف الآخر ، فيكون هذا البدل محلا للصلح أيضا وكل نزاع يمكن أن يكون محلا للصلح بصرف النظر عن مصدره وطبيعة الحق المتنازع فيه ، سواء تعلق بوجود الحق أو بصحته أو بأوصافه أوبمداه

وأيا كان محل الصلح ، فإنه يجب أن تتوافر فيه الشروط الواجب توافرها في المحل طبقا للقواعد العامة .

فيجب أن يكون موجودا ، ممكنا ، معينا أو قابلا للتعيين ، غير أنه يمكن أن يكون محل الصلح حقوقا احتمالية ، كالتصالح على النتائج المحتملة لحادث يترتب عليه مسئولية فاعله عن تعويض المجنى عليه .

بطلان الصلح في المسائل المتعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة :

يُبطل عقد الصلح إذا انصب على مسائل تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة، لأن هذه المسائل لا يجوز للأفراد التصرف فيها أو الاتفاق على مخالفتها، سواء بالتصالح أو بغيره. ويُقصد بالنظام العام القواعد القانونية التي تمس كيان المجتمع ومصالحه الأساسية، كالحق في الحياة، وحرمة الأسرة، وعدم جواز التصالح على الجرائم الجنائية، أما الآداب العامة فهي مجموعة القيم الأخلاقية والاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع. ومثال ذلك، بطلان الصلح الذي يتضمن التنازل عن نفقة مستقبلية لأحد الأولاد، أو الاتفاق على عدم الاعتراف بنسب صحيح، أو التسامح في جرائم لا يجوز فيها التنازل، أو التصالح على عقد باطل لمخالفته للقانون. فمثل هذه التصرفات تعد باطلة بطلانًا مطلقًا، لا تنتج أثرًا ولا تنشئ التزامًا، ولو تمت برضاء الأطراف، لأن النظام العام والآداب ليست محلاً للمساومة أو التنازل.

الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية :

يصح الصلح في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية والأهلية إذا كان النزاع فيها جائزًا فيه التصالح قانونًا، وكان محل الصلح مشروعًا لا يخالف النظام العام أو الآداب. فمثلًا، يجوز الصلح بشأن الحقوق المالية المترتبة على الزواج أو الطلاق، كالنفقة أو المتعة أو قائمة المنقولات، كما يجوز الصلح بشأن أهلية شخص إذا كان النزاع متعلقًا بتقدير حالته أو التصرفات الصادرة عنه. أما إذا تعلّق الصلح بأمور لا يجوز الاتفاق عليها، مثل صحة الزواج أو بطلانه، أو النسب، أو سن الحضانة المقررة قانونًا، أو التنازل عن حق في الولاية على القاصر بالمخالفة للقانون، فإن مثل هذا الصلح يكون باطلاً بطلانًا مطلقًا. فالقانون يمنع التصالح في المسائل التي تتعلق بالحالة القانونية للإنسان أو تمس النظام العام الأسري، حرصًا على استقرار الروابط الأسرية وحمايةً للمصالح العليا للأطراف الضعيفة كالقصّر والنساء.

بطلان الصلح على فوائد ربوية :

يُعد الصلح الذي يتضمن تقرير أو تأكيد فوائد ربوية باطلاً بطلانًا مطلقًا، لمخالفته للنظام العام والآداب وفقًا لما استقر عليه القضاء والفقه في القانون المدني. فالفوائد الربوية، وهي تلك التي تتجاوز الحد الأقصى المقرر قانونًا أو تُشترط دون مسوغ مشروع، تُعد باطلة في ذاتها، ويترتب على بطلانها بطلان كل تصرف يقرّ بها أو يُسوّي نزاعًا بشأنها، بما في ذلك عقد الصلح. فإذا تصالح الدائن مع المدين على تثبيت مبلغ معين يشمل فوائد ربوية، أو تنازل له عن جزء من الدين مقابل التزامه بدفع تلك الفوائد، فإن هذا الصلح يكون باطلاً، لأن ما بُني على باطل فهو باطل. ويهدف هذا الحكم إلى حماية المدين من الاستغلال، وتطبيق مبدأ أن الاتفاقات المخالفة للنظام العام لا يُعتد بها حتى لو جاءت في صورة صلح ظاهره الرضائية والقبول.

بطلان الصلح على مقدار التعويض عن نزع الملكية للمنفعة العامة :

يُعد الصلح باطلاً إذا انصب على تحديد مقدار التعويض المستحق عن نزع الملكية للمنفعة العامة بالمخالفة للقواعد القانونية الآمرة، وذلك لأن تقدير هذا التعويض يخضع لضوابط محددة تضعها الدولة، ويجب أن يكون تعويضًا عادلًا يتناسب مع قيمة المال المنزوع وقت النزع. ولا يجوز للأفراد الاتفاق على النزول عن جزء من هذا التعويض أو التسوية بشأنه بما يُخل بحق المالك أو ينتقص من الحد الأدنى الذي تضمنه القانون، لأن الحق في التعويض العادل في هذه الحالة يُعد من النظام العام. وقد استقر القضاء على أن أي صلح يترتب عليه انتقاص هذا التعويض، سواء صدر عن جهل بالحقوق أو نتيجة تفاوض، يكون باطلاً بطلانًا مطلقًا، ولا تنتج عنه أي آثار قانونية، حمايةً لحق المالك وصونًا لمبدأ المساواة أمام القانون في المعاملات المتعلقة بالمنفعة العامة.

بطلان الصلح على منازعات تقدير أجرة الأماكن الخاضعة للتشريعات الإستثنائية :

يُعد الصلح باطلاً إذا انصب على منازعة تتعلق بتقدير أجرة الأماكن الخاضعة للتشريعات الاستثنائية، كالمرسوم بقانون رقم 121 لسنة 1947 وغيره من قوانين تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، لأن هذه التشريعات تضمنت قواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، سواء قبل التعاقد أو بعده، ولو في صورة صلح. فإذا اتفق المؤجر والمستأجر على تحديد أجرة تزيد على المقررة قانونًا، أو تنازل المستأجر عن حقه في الاعتراض على الأجرة، أو أقرّ المؤجر بأجرة أقل بغرض التهرب من حكم القانون، فإن هذا الصلح يكون باطلاً بطلانًا مطلقًا لمخالفته للنظام العام. وقد استقر الفقه والقضاء على أن قواعد الأجرة في ظل هذه التشريعات تمس المصلحة العامة ولا يجوز التصالح بشأنها، إذ أن الهدف منها هو حماية المستهلك الضعيف – المستأجر – من جشع المؤجر في ظروف اقتصادية استثنائية.

المستشار محمد منيب دراسات عليا القانون الخاص

✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

error: