التنفيذ العيني بعقد الصلح في القانون المدني
يخضع عقد الصلح، بوصفه عقدًا ملزمًا للجانبين، لأحكام التنفيذ العيني وفقًا للقواعد العامة في القانون المدني. فإذا تضمن الصلح التزامات محددة قابلة للتنفيذ، كان للدائن أن يطلب تنفيذها عينًا من المدين، أي أن يُنفّذ كل طرف ما التزم به وفقًا لما ورد في عقد الصلح، دون أن يُقبل منه عرض مقابل نقدي أو تعويض بدلاً من التنفيذ ما دام التنفيذ العيني ممكنًا. وهذا يشمل مثلًا تسليم شيء، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل، بحسب ما تم الاتفاق عليه. ويُعد التنفيذ العيني هو الأصل، ولا يُلجأ إلى التنفيذ بمقابل (أي التعويض) إلا إذا استحال التنفيذ العيني لسبب لا يُنسب إلى الدائن. كما أن عقد الصلح، متى تم التصديق عليه من المحكمة أو أُفرغ في صورة حكم، يكتسب قوة تنفيذية، ويُنفذ وفقًا لقواعد تنفيذ الأحكام القضائية، مما يُضفي عليه ضمانة إضافية تيسر تنفيذ بنوده جبريًا عند الامتناع.
الإتفاق على شرط جزائي في الصلح :
يجوز للمتصالحين أن يتفقوا في عقد الصلح على إدراج شرط جزائي يُلزم الطرف الذي يُخل بتنفيذ التزاماته بدفع مبلغ معين من المال، على سبيل التعويض المتفق عليه سلفًا. ويُعد هذا الشرط وسيلة لضمان تنفيذ بنود الصلح، وردعًا لأي طرف عن الإخلال بما تم الاتفاق عليه، لا سيما أن الصلح يُبرم غالبًا لإنهاء نزاع قضائي أو تجنب قيامه. ويخضع هذا الشرط الجزائي من حيث صحته وآثاره للأحكام العامة في القانون المدني، فيُشترط ألا يكون المبلغ مبالغًا فيه إلى حد يجعله تعسفيًا، ويجوز للقاضي عند النزاع أن يُعدل في قيمة الشرط الجزائي، بالزيادة أو النقصان، إذا ثبت أن التقدير المتفق عليه لا يتناسب مع الضرر الفعلي. ووجود الشرط الجزائي في عقد الصلح يُضفي عليه طابعًا أكثر إلزامًا، ويُشجع على احترام الاتفاق وتنفيذه طوعًا، تفاديًا للجزاء المتفق عليه.
فسخ عقد الصلح :
عقد الصلح، كغيره من العقود الملزمة للجانبين، يجوز فسخه إذا أخل أحد الطرفين بالتزاماته الجوهرية المنصوص عليها فيه، وكان هذا الإخلال جسيماً بحيث يحرم الطرف الآخر من الفائدة التي كان يرجوها من العقد. ويُطبق في ذلك أحكام الفسخ العامة المنصوص عليها في القانون المدني، فيجوز للطرف المتضرر أن يطلب الفسخ قضائيًا، أو أن يكتفي بفسخ العقد بإرادته المنفردة إذا كان ذلك منصوصًا عليه في العقد. ويترتب على الفسخ أن يُعاد المتصالحان إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرام الصلح، ما لم يتعذر ذلك، وفي هذه الحالة يُلزم الطرف المخل بالتعويض. ويجدر التنبيه إلى أن فسخ عقد الصلح لا يكون جائزًا إذا كان هذا الصلح قد تم بحكم قضائي أو تم التصديق عليه من المحكمة، حيث يكتسب في هذه الحالة حجية الأحكام القضائية، ويجب الطعن فيه بالطرق المقررة قانونًا لا بطلب الفسخ.
الإتفاق على شرط الصريح الفاسخ :
يجوز للمتصالحين أن يُدرجوا في عقد الصلح شرطًا صريحًا فاسخًا يقضي باعتبار العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إنذار أو حكم قضائي، إذا أخل أحد الطرفين بتنفيذ التزاماته. ويُعد هذا الشرط تطبيقًا لما يجيزه القانون المدني من الاتفاق على فسخ العقد بقوة الشرط المتفق عليه، ويهدف إلى تحقيق سرعة الحسم والفعالية في التنفيذ، دون الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء لإثبات الإخلال وطلب الفسخ. ومع ذلك، يشترط أن يكون الإخلال جسيمًا ومُرتبطًا بالتزام جوهري، وألا يُنازع المدين في صحة النسبة إليه نزاعًا جديًا، وإلا كان للدائن أن يلجأ إلى القضاء للفصل في النزاع. كما يُشترط أن يُصاغ هذا الشرط بصيغة واضحة لا تحتمل اللبس، وأن يكون منصوصًا عليه صراحة في العقد. ويترتب على تحقق الشرط الصريح الفاسخ اعتبار عقد الصلح كأن لم يكن، ويحق للطرف غير المخل المطالبة بالتعويض إن كان له مقتضى.
التقايل في الصلح :
التقايل في الصلح هو اتفاق الطرفين، بعد إبرام عقد الصلح، على إنهائه برضاهما المتبادل، أي إنهاء العقد بالتراضي، وهو ما يُعرف أيضًا بفسخ العقد اتفاقًا. ويُعد التقايل عملاً مشروعًا وفقًا للقواعد العامة في القانون المدني، طالما تم باتفاق صريح بين المتصالحين ودون إكراه أو غش، ويترتب عليه زوال أثر الصلح بأثر رجعي، أي كأن لم يكن، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. ويجوز إثبات التقايل بجميع طرق الإثبات، متى لم يكن الصلح مكتوبًا أو مشمولًا بالتصديق القضائي، أما إذا كان الصلح مصدقًا عليه بحكم أو تم ضمن محضر رسمي، فيجب إثبات التقايل بالكتابة. ويترتب على التقايل زوال الالتزامات والاعترافات والتنازلات المتبادلة التي تضمّنها عقد الصلح، ويجوز لكل طرف أن يطالب باسترداد ما أداه للآخر تنفيذًا لهذا العقد، ما لم يكن هناك اتفاق على خلاف ذلك.
تفسير عقد الصلح
النص القانوني للمادة 555 مدني تنص على :-
يجب أن تفسر عبارات التنازل التي يتضمنها الصلح تفسرا ضيفا ، وأيا كانت تلك العبارات فن التنازل لا ينصب إلا على الحقوق التي كانت وحدها بصفة جلية محلا للنزاع الذي حسمه الصلح.
تفسير الصلح تفسيرا ضيقا :
يذهب الفقه والقضاء إلى أن عقد الصلح يجب أن يُفسر تفسيرًا ضيقًا، نظرًا لما يترتب عليه من آثار خطيرة أهمها التنازل عن الحقوق وقطع النزاع بوجه نهائي. فالأصل في الصلح أنه يتناول فقط المسائل التي كانت محل نزاع بين الطرفين أو التي يُحتمل أن تُثار، ولا يجوز التوسع في تفسير عباراته أو حمله على ما لم يُصرّح به صراحة. ومن ثم، فإن أي تنازل أو إقرار لا يُفترض ولا يُستنتج من عبارات عامة أو محتملة، بل يجب أن يكون صريحًا وواضحًا. وإذا ثار شك في مدى شمول الصلح لأمر معين، تعيّن ترجيح التفسير الذي يُضيّق من نطاقه، حفاظًا على الحقوق وعدم إسقاطها بغير وضوح. وهذا التوجه يجد أساسه في أن الصلح عقد استثنائي يقطع النزاع وينهي الحقوق، فيجب أن يُفسر بقدر الحاجة وبما لا يتجاوز نية المتعاقدين وقت إبرامه.
الفرق بين عقد الصلح والحكم :
يُميز الفقه بين عقد الصلح والحكم القضائي من حيث الطبيعة القانونية والآثار. فعقد الصلح هو اتفاق إرادي يتم بين الطرفين لحسم نزاع قائم أو محتمل، ويُعد من العقود الملزمة التي تنشأ عن توافق الإرادتين، وتستند قوته إلى التراضي بين المتصالحين، ولا يشترط فيه تدخل القضاء إلا إذا تعلق به تصديق. أما الحكم، فهو عمل قضائي يصدر من سلطة عامة – هي المحكمة – بناءً على دعوى مرفوعة أمامها، ويترتب عليه إلزام أحد الخصوم أو كليهما بوجه ملزم ونهائي. ومن حيث القوة التنفيذية، فإن الحكم يكتسب حجية الأمر المقضي به بقوة القانون، بينما لا يرقى الصلح إلى هذه المرتبة إلا إذا تم التصديق عليه من المحكمة المختصة، فيكتسب آنذاك قوة السند التنفيذي. كذلك، فإن الطعن في الحكم لا يتم إلا بالطرق القانونية المحددة، أما عقد الصلح فيمكن الطعن فيه كباقي العقود بالعيوب الإرادية أو لعدم توافر الشروط القانونية.
مكتب محامى مصر محمد منيب
✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني