الأثر الكاشف للصلح في القانون المدني
يترتب على الصلح في القانون المدني أثر كاشف وليس منشئًا بالنسبة للحقوق المتنازع عليها، بمعنى أن الصلح لا يُنشئ حقًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل، بل يكشف فقط عن المركز القانوني الصحيح الذي اتفق عليه الطرفان بديلاً عن النزاع. فالحقوق التي يتم التنازل عنها أو الاعتراف بها في عقد الصلح تُعتبر – من الناحية القانونية – أنها كانت قائمة من قبل، غير أن النزاع أو الشك كان يحول دون تحديد مداها أو ثبوتها، فجاء الصلح ليزيل هذا الغموض ويُظهر الحق على حقيقته باتفاق الطرفين. وعلى هذا، فإن أثر الصلح يسري بأثر رجعي من تاريخ النزاع، لا من تاريخ العقد، ما لم يتفق الطرفان صراحة على خلاف ذلك.
الأثر الكاشف للصلح المادة 554 من القانون المدني
يُعد الصلح من العقود المسماة في القانون المدني، وقد خصص له المشرع المصري المواد من 554 إلى 561 مدني. والمادة 554 تمثل الأساس الذي يُبنى عليه هذا العقد، حيث تضع تعريفًا جامعًا مانعًا له، وتوضح العناصر الجوهرية لقيامه.
الصلح هو اتفاق يتم بين طرفين أو أكثر بهدف إنهاء نزاع قائم أو تجنب نزاع محتمل، ويتحقق ذلك بأن يتنازل كل طرف عن جزء من مطالبه أو حقوقه في سبيل الوصول إلى تسوية وسط.
النص القانوني للمادة 554 مدني تنص على :-
للصلح أثر كاشف بالنسبة إلى ما تناوله من الحقوق ويقتصر هذا الأثر على الحقوق المتنازع فيها دون غيرها.
الأثر الكاشف للصلح بالنسبة إلى الحقوق المتنازع فيها :
يترتب على عقد الصلح أثر كاشف بالنسبة للحقوق المتنازع فيها، بمعنى أن الصلح لا يُنشئ حقوقًا جديدة لم تكن قائمة، بل يكشف عما كان للطرفين من حقوق والتزامات قبل النزاع، ويُقرّها ويُزيل عنها الغموض. فهذا الأثر يفترض أن ما تم الاتفاق عليه في الصلح كان موجودًا من الأصل، ولكن كان محل نزاع أو غموض، فلما انعقد الصلح، كشف حقيقته وثبت مركز الطرفين القانوني بأثر رجعي. ويترتب على ذلك نتائج مهمة، منها أن التصرفات التي أجراها أحد المتنازعين قبل الصلح على الحق المتنازع فيه – إذا ثبت بالصلح أنه لا يملكه – تُعد باطلة بالنسبة لصاحب الحق الثابت بالصلح. كما يمتد هذا الأثر إلى الحقوق العينية التي قد تكون محلاً للنزاع، إذ يعتبر الصلح كاشفًا لها منذ تاريخ نشأتها لا منذ تاريخ الصلح ذاته.
النتائج التي تترتب على الأثر الكاشف للصلح :
يترتب على الأثر الكاشف لعقد الصلح نتائج قانونية مهمة، لعل أبرزها أن الصلح يُعتبر كاشفًا للحقيقة القانونية التي كانت محل نزاع، لا منشئًا لها، ومن ثم فإن آثاره تمتد بأثر رجعي إلى تاريخ قيام النزاع أو إلى تاريخ نشوء الحق المتصالح عليه، لا إلى تاريخ إبرام الصلح. ومن أهم النتائج المترتبة على ذلك، أن من تصرف في الحق المتنازع فيه قبل الصلح وثبت بالصلح أنه لا يملكه، يُعتبر تصرفه غير نافذ في مواجهة من ثُبت له الحق، كما لو باع أحد المتنازعين عقارًا، ثم أظهر الصلح أن العقار مملوك للآخر، فإن البيع لا يسري في حق المالك الحقيقي. كذلك، فإن الأثر الكاشف قد يؤدي إلى تصحيح أو إبطال قيود أو تصرفات قانونية سابقة كانت مبنية على فهم خاطئ للمركز القانوني، طالما أن الصلح كشف عن الحقيقة القانونية بشكل نهائي وملزم.
الطعن بالصلح بالدعوى البوليصية :
يجوز للدائن أن يطعن في عقد الصلح الذي يبرمه مدينه مع الغير إذا توافرت شروط الدعوى البوليصية، وهي الدعوى التي يُقيمها الدائن للمحافظة على حقوقه عند قيام المدين بتصرف من شأنه الإضرار بحقوق دائنيه. فإذا أبرم المدين صلحًا ينزل فيه عن حق أو يدّعي فيه خلاف الحقيقة بقصد الإضرار بالدائنين، كأن يتنازل عن دعوى له أو يُقر بحق للغير على غير وجه حق، جاز للدائن أن يطعن في هذا الصلح بالدعوى البوليصية بشرط أن يكون الدين محققًا وحالًا، وأن يكون التصرف مُضرًّا بالدائن، وأن يكون المدين عالمًا بالإضرار، وأن يكون المتصالح الآخر يعلم أو كان من المفترض به أن يعلم بذلك الضرر. وفي حال قبول الدعوى، يُقضى بعدم نفاذ عقد الصلح في حق الدائن الطاعن، فيُبطل أثره بالنسبة له مع بقائه صحيحًا بين طرفيه.
الأثر الناقل للصلح بالنسبة للحقوق غير المتنازع عليها :
فيما يخص الحقوق غير المتنازع عليها، فإن الصلح لا يقتصر على كشف المركز القانوني القائم، بل يكون له أثر ناقل للحق، إذا تضمّن تخلي أحد الطرفين عن حقه ابتداءً للآخر أو منح هذا الأخير حقًا جديدًا لم يكن محل نزاع. ففي هذه الحالة، لا يكون الصلح كاشفًا فحسب، بل يؤدي إلى إنشاء حق جديد أو نقل حق من طرف إلى آخر. ومثال ذلك: إذا اتفق شخصان في عقد صلح على أن يتنازل أحدهما عن جزء من ملكه للآخر دون أن يكون هناك نزاع حول هذا الجزء، فإن هذا الاتفاق يُعد تصرفًا ناقلًا للملكية، ويُخضع في آثاره وشروطه للقواعد العامة في نقل الحقوق، كالتسجيل بالنسبة للعقارات. ومن ثم، يكون الصلح هنا ذا طبيعة مركبة، يجمع بين أثر كاشف بالنسبة لما هو محل نزاع، وأثر ناقل بالنسبة لما لم يكن محل نزاع وتم التنازل عنه أو منحه للغير بمقتضى الصلح.
الأثر السلبي للصلح :
يُقصد بالأثر السلبي لعقد الصلح الأثر المانع من الرجوع إلى القضاء بشأن النزاع الذي حُسم بموجب هذا الصلح، سواء تعلّق بنزاع قائم بالفعل أو بنزاع محتمل في المستقبل. فالصلح يُغلق باب التقاضي نهائيًا بشأن ما اتفق عليه الطرفان، فلا يجوز لأحدهما بعد إبرامه أن يُطالب الآخر بالحق الذي نزل عنه أو يعيد فتح النزاع أمام المحكمة، لأن الصلح يُعد بمثابة حكم نهائي رضائي. ويستوي في ذلك أن يكون النزاع محل الصلح موضوع دعوى منظورة أمام القضاء أو لم يُرفع بشأنه أي دعوى. ويترتب على هذا الأثر أن الدفع بانقضاء النزاع بالصلح يُعد دفعًا جوهريًا، يمكن التمسك به أمام المحكمة لدفع الدعوى أو الطعن في قبولها.
المقصود بالأثر السلبي للصلح
إتحاد الإطراف :
يُقصد باتحاد الأطراف أن تجتمع صفة الدائن والمدين في شخص واحد بالنسبة إلى ذات الحق، وهو ما يؤدي إلى انقضاء الالتزام بحكم القانون، لأن الشخص لا يُمكن أن يُطالب نفسه. ويُعد اتحاد الذمة من الأسباب العامة لانقضاء الالتزام طبقًا للقواعد العامة في القانون المدني. ويقع اتحاد الأطراف عادة في حالات مثل الإرث، إذا ورث الدائن مدينه أو العكس، أو في حالة الوفاء بمقابل إذا اشترى المدين الحق محل النزاع. وفي نطاق عقد الصلح، قد يتحقق اتحاد الأطراف كأثر من آثار الصلح ذاته إذا اعترف أحد المتصالحين للآخر بحق، ثم آل هذا الحق إليه بسبب قانوني، كالميراث أو التنازل، فينقضي الالتزام بهذا الاتحاد. ويشترط لانقضاء الالتزام باتحاد الذمة ألا يكون هناك مانع قانوني يمنع من الاعتداد به، كأن يكون الاتحاد مؤقتًا أو معلقًا على شرط.
الأشخاص الذين يتأثرون بالصلح ولو لم يكونو طرفا فيه :
الأصل أن أثر الصلح لا ينسحب إلا على أطرافه وخلفائهم العامّين، إلا أن هناك حالات استثنائية يمتد فيها أثر الصلح ليشمل أشخاصًا لم يكونوا طرفًا فيه. ومن هؤلاء مثلًا: الورثة، إذا أبرم أحدهم صلحًا مع الغير بشأن تركة مشتركة، فيسري هذا الصلح على باقي الورثة إذا كان متعلقًا بحق مشاع يملكونه مجتمعين. كما يتأثر الدائنون بالصلح إذا كان المدين قد تصالح بشأن حق يدخل في ضمانهم العام، وكان في الصلح ما يضر بمصالحهم، فيجوز لهم الطعن عليه بالدعوى البوليصية. كذلك قد يمتد أثر الصلح إلى الكفيل أو الضامن، إذا انقضى الدين الأصلي به، ما لم يُتفق على خلاف ذلك. وهكذا، فرغم أن الصلح عقد رضائي يرتب آثاره بين عاقديه، إلا أن بعض الغير قد يتأثر به قانونًا، بحسب طبيعة الحق المتنازع عليه والروابط القانونية القائمة بين هؤلاء الغير وأطراف الصلح.
إتحاد الموضوع :
يُقصد باتحاد الموضوع أن يكون محل الالتزامات أو الحقوق واحدًا لدى أطراف متعددين، سواء كدائنين أو مدينين، بما يؤدي إلى قيام علاقة قانونية موحدة في محلها، وإن اختلفت الأطراف. ويظهر اتحاد الموضوع بوضوح في الالتزامات التضامنية أو غير القابلة للتجزئة، كأن يكون هناك عدة مدينين ملتزمين جميعًا بأداء نفس الشيء، أو عدة دائنين يستحقون معًا ذات الأداء. وفي نطاق عقد الصلح، يترتب على اتحاد الموضوع أن يكون للصلح الذي يتم مع أحد المدينين أو الدائنين أثر في مواجهة الباقين، إذا كانت طبيعة الالتزام تقتضي ذلك، كما هو الحال في الالتزام غير القابل للتجزئة. فمثلًا، إذا تصالح الدائن مع أحد المدينين المتضامنين، فإن هذا الصلح قد يُنتج أثرًا بالنسبة للباقين، بحسب ما إذا كان الصلح يتضمن إبراء أو مجرد تخفيض في الدين أو تسوية في كيفية الوفاء. ومن ثم، فإن اتحاد الموضوع يعد عنصرًا مهمًا في تحديد نطاق آثار الصلح وشموله أو عدم شموله للغير.
مكتب محامى مصر محمد منيب أشطر محامي في القضايا المدنية
✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .
📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني