أركان عقد الوكالة في القانون المدني

أركان عقد الوكالة في القانون المدني

تقوم أركان عقد الوكالة في القانون المدني على ثلاثة عناصر أساسية: الركن الأول هو التراضي، أي تلاقي إرادة الموكل والوكيل على إنشاء الوكالة، ويكفي في ذلك التراضي دون حاجة لشكل معين إلا إذا نص القانون على خلافه؛ والركن الثاني هو المحل، ويتمثل في التصرف القانوني المطلوب من الوكيل القيام به، ويجب أن يكون ممكنًا ومشروعًا؛ أما الركن الثالث فهو السبب، أي الغرض القانوني المشروع الذي من أجله أُبرمت الوكالة. ويُشترط كذلك أن تتوافر الأهلية القانونية في الوكيل للقيام بالتصرف الموكل به، وأن يكون محل الوكالة مما يجوز التوكيل فيه قانونًا.

الرضاء في عقد الوكالة :

يُعد الرضاء الركن الجوهري في عقد الوكالة، إذ لا ينعقد العقد إلا بتلاقي إرادتين: إرادة الموكل في تفويض الوكيل للقيام بتصرف قانوني لحسابه، وإرادة الوكيل في قبول هذا التفويض. ويُشترط أن يكون الرضاء خاليًا من عيوب الإرادة كالغلط أو الإكراه أو التدليس، وإلا كان العقد قابلًا للإبطال. ويُعتبر عقد الوكالة من العقود الرضائية التي لا يشترط فيها القانون شكل معين لانعقادها، ما لم يتعلق محل الوكالة بتصرف يشترط فيه الشكل، كبيع عقار، فتكون الوكالة بدورها شكلية. كما يجوز أن يتم التعبير عن الرضاء صراحة أو ضمنًا، وقد تثبت الوكالة بكل طرق الإثبات ما لم تتعلق بتصرف شكلي. ويترتب على توافر الرضاء الصحيح التزام كل طرف بما رتبه العقد من آثار قانونية.

توافق الإيجاب والقبول :

يشترط لانعقاد عقد الوكالة توافر توافق الإيجاب والقبول بين الموكل والوكيل، أي تطابق إرادتيهما على إبرام العقد، بحيث يعرض أحد الطرفين تفويض الآخر للقيام بتصرف قانوني (الإيجاب)، ويقابله قبول صريح أو ضمني من الطرف الآخر. ويجوز أن يتم الإيجاب والقبول شفهيًا أو كتابيًا أو حتى ضمنًا من خلال السلوك، ما لم يشترط القانون شكلًا خاصًا للوكالة بحسب طبيعة التصرف، كما في بيع العقار. ويجب أن يكون القبول مطابقًا للإيجاب دون تعديل، فإن اقترن بشرط جديد اعتُبر إيجابًا جديدًا. ويُعد توافق الإيجاب والقبول هو ما يُنشئ الرابطة التعاقدية بين الطرفين، ويترتب عليه التزامات قانونية متبادلة وفقًا لأحكام القانون المدني.

الوكالة الضمنية :

الوكالة الضمنية هي تلك التي لا يُصرّح بها صراحة، وإنما تُستفاد من تصرفات الموكل أو من طبيعة العلاقة بين الطرفين، بما يفيد تفويض الوكيل في القيام بتصرف قانوني معين. ويعترف القانون المدني بالوكالة الضمنية متى توافرت قرائن قوية تدل على وجود إرادة ضمنية لدى الموكل في تفويض الغير، كأن يترك شخص لآخر إدارة أمواله أو التوقيع باسمه في معاملات متكررة دون اعتراض. وتخضع الوكالة الضمنية لنفس الأحكام التي تنطبق على الوكالة الصريحة من حيث الآثار والالتزامات، إلا أنها قد تُثير صعوبات في الإثبات، لذا تُقبل فيها القرائن والسلوك الظاهر كوسيلة لإثباتها. ويشترط أن يكون محل التصرف مما يصح التوكيل فيه ضمنًا، وألا يكون القانون قد اشترط للوكالة شكلاً خاصًا كما في بيع العقار.

صورتان للوكالة الضمنية في إجراءات التقاضي :

أولًا: عندما يَمثُل المحامي أمام المحكمة ويترافع دون تقديم توكيل، ثم يُقدّم التوكيل لاحقًا، فتُعتبر تصرفاته السابقة قائمة على وكالة ضمنية أقرها الموكل بتقديم التوكيل، ما دام لم يعترض عليها؛
ثانيًا: في حالة قيام شخص باتخاذ إجراءات قضائية باسم غيره، ثم يُقرّ الأخير هذه الإجراءات أو يستفيد منها دون اعتراض، كأن يقبل الحكم الصادر أو ينفذه، فيُعد ذلك إقرارًا ضمنيًا لما قام به الأول من إجراءات، وتُعتبر هذه وكالة ضمنية. وتُقبل هذه الصور من الوكالة في حدود ما لا يتطلب القانون فيه تفويضًا خاصًا، كتوجيه اليمين أو الطعن بطريق غير عادي، حيث يشترط القانون في هذه الحالات وكالة صريحة.

صور للوكالة الضمنية تقوم على صلة بين شخص وآخرين

(1) وكالة الزوج لزوجته :

تُعد وكالة الزوج لزوجته من صور الوكالة الضمنية التي تُفترض في العلاقات الزوجية بحكم العُرف وطبيعة الحياة المشتركة، حيث يُفترض أن الزوج يأذن لزوجته ضمنًا في القيام ببعض التصرفات القانونية أو الأعمال اليومية نيابة عنه، وخاصة تلك المتعلقة بإدارة شؤون المنزل والأسرة، مثل شراء الحاجات المنزلية أو التعاقد مع مقدمي خدمات أو دفع الفواتير. وقد تمتد هذه الوكالة في بعض الحالات إلى التصرف في أموال الزوج، بشرط ألا تكون من التصرفات الجسيمة أو غير المعتادة، ما لم يكن هناك تفويض صريح. وتُعتبر هذه الوكالة الضمنية قائمة طالما لم يعترض الزوج أو يسحب تفويضه، وتُستخلص من السكوت أو الاعتياد أو الاستفادة من التصرف، وتُقرها المحاكم في حدود ما يتفق مع العرف والضرورة وظروف الحياة المشتركة. ومع ذلك، فإن التصرفات ذات الطبيعة المالية الكبيرة أو التي تتعلق بحقوق الغير لا يُفترض فيها وجود وكالة إلا إذا كانت صريحة أو أقرّها الزوج لاحقًا.

(2) وكالة الزوجة لزوجها :

تُعد وكالة الزوجة لزوجها من صور الوكالة الضمنية التي يُقرها العرف والاجتهاد القضائي، خاصة في إطار المعاملات اليومية والعائلية. فبحكم العلاقة الزوجية، يُفترض أن الزوجة قد تأذن ضمنًا لزوجها بالتصرف في بعض شؤونها، كإدارة أموالها المنقولة أو التوقيع نيابة عنها في الأمور البسيطة التي تتعلق بالمصلحة المشتركة، ما دام ذلك بعلمها ورضاها الضمني، أو كانت تستفيد من تلك التصرفات دون اعتراض. غير أن هذه الوكالة الضمنية لا تمتد إلى التصرفات الجسيمة أو المتعلقة بالعقارات أو الحقوق المالية الكبيرة، حيث يشترط القانون فيها تفويضًا صريحًا وواضحًا. ويُستدل على وجود الوكالة من الظروف المحيطة والعلاقة بين الطرفين وسلوك الزوجة، كما يُعتد بإقرارها اللاحق لما قام به الزوج، وتُعد تصرفاته في هذه الحالة نافذة في حدود الوكالة المفترضة.

(3) وكالة المخدوم للمستخدم :

تُعد وكالة المخدوم للمستخدم من صور الوكالة الضمنية المستفادة من طبيعة العلاقة بين الطرفين، وخاصة في الأعمال التي يُفوض فيها المستخدم أو الخادم للقيام بتصرفات نيابة عن مخدومه في حدود الخدمة المعتادة. فمثلاً، إذا اعتاد المستخدم شراء حاجيات المنزل أو دفع فواتير أو استلام طرود باسم مخدومه، فإن هذه التصرفات يُفترض أن المخدوم قد أذن له بها ضمنًا، وتُعد وكالة ضمنية قائمة على الاعتياد أو سكوت المخدوم أو استفادته من العمل. غير أن هذه الوكالة لا تمتد إلى التصرفات القانونية الجسيمة أو غير المألوفة، مثل بيع ممتلكات أو توقيع عقود باسم المخدوم، ما لم يكن هناك تفويض صريح. وتُقدّر حدود هذه الوكالة الضمنية وفقًا لطبيعة الخدمة، والعُرف، ومدى تكرار التصرف مع علم المخدوم وسكوته عنه.

(4) الوكالة الصادرة من الشركاء على الشيوع لشريك منهم في إدارة المال الشائع :

يجوز قانونًا أن يُصدر الشركاء على الشيوع وكالة ضمنية أو صريحة لأحدهم ليتولى إدارة المال الشائع نيابة عنهم، وذلك ما دام التصرف داخلاً في نطاق الإدارة المعتادة. وتُستفاد هذه الوكالة من سكوت بقية الشركاء، أو من تركهم لهذا الشريك مهمة الإشراف والتصرف في المال المشترك دون اعتراض، وهو ما يُعتبر وكالة ضمنية أقرها العرف والقضاء. ويحق لهذا الشريك، في حدود هذه الوكالة، اتخاذ ما يلزم من إجراءات الحفظ والصيانة، وتأجير المال الشائع أو قبض الريع، بشرط عدم الإضرار بحقوق بقية الشركاء. أما إذا تجاوز نطاق الإدارة المعتادة – كبيع المال الشائع أو رهنه – فلا يُعتد بتصرفه إلا إذا كان مفوضًا صراحة من باقي الشركاء أو حصل على إذن قضائي. وتستند هذه القاعدة إلى مبدأ حسن النية وتسيير المصلحة المشتركة للشركاء، مع بقاء حق كل شريك في الاعتراض على أي تصرف يجاوز حدود الوكالة المفترضة.

الوكالة الصادرة للمحضر في قبض الدين :

تُعتبر الوكالة الصادرة للمحضر في قبض الدين من الوكالات الخاصة التي يقرها القانون ضمن إجراءات التنفيذ، حيث يجوز للدائن أن يُفوّض المحضر – صراحة أو ضمنًا – في قبض المبالغ المحكوم بها نيابة عنه، متى تم تنفيذ الحكم لصالحه. وتُستفاد هذه الوكالة من طبيعة عمل المحضر، ومن قيامه بإجراءات الحجز والتنفيذ نيابة عن الدائن، سواء بإيداع المبلغ خزينة المحكمة أو تسليمه للدائن مباشرة. ولا تُعد هذه الوكالة تفويضًا عامًا، بل تقتصر على التحصيل الفعلي للدين المحكوم به، ولا تُجيز للمحضر التنازل عن المبلغ أو الاتفاق على تخفيضه ما لم يُمنح تفويضًا خاصًا بذلك. ويكتسب المحضر بهذه الوكالة صفة الممثل القانوني للدائن في مرحلة التنفيذ، وتترتب على قبضه الصحيح للمبلغ آثار قانونية تُلزم المدين، كبراءة ذمته من الدين في حدود ما تم دفعه.

مكررا – هل يعتبر المستأجر نائبا نيابة ضمنية عن المساكين له في إبرام عقد الإيجار ؟

لا يُعتبر المستأجر نائبًا نيابة ضمنية عن المساكن له في إبرام عقد الإيجار، لأن النيابة – سواء كانت صريحة أو ضمنية – تفترض وجود إرادة في تمثيل الغير وتفويضًا يُستفاد من ظروف واضحة تدل على الإذن أو الاعتياد أو الاستفادة دون اعتراض. أما مجرد مشاركة شخص في السكنى مع المستأجر الأصلي، فلا يُرتب بذاته وكالة ضمنية تخوّل هذا الأخير إبرام العقد نيابة عن المساكن له، خاصة إذا لم يكن هناك ما يُفيد علم المؤجر أو رضاه الضمني بذلك. بل إن الأصل أن العلاقة الإيجارية تنشأ بين المؤجر والمستأجر فقط، ولا يُعد المساكن له طرفًا في العقد ولا ملتزمًا بأحكامه، ما لم يكن هناك تفويض صريح أو قرائن قوية تُفيد قيام المستأجر بإبرام العقد لحساب الجميع. وبالتالي، فإن القول بوجود وكالة ضمنية في هذه الحالة لا يستقيم قانونًا إلا في حدود ضيقة وبشروط دقيقة لا تتوافر عادة بمجرد السكنى المشتركة.

أفضل محامٍ قضايا المحاكم المدنية 

المستشار / محمد منيب المحامي 

للإستفادة من خبرات المستشار محمد منيب وفريقه،

زوروا موقعنا الإلكتروني mohamymasr.com أو تواصلوا معنا للحصول على استشارة قانونية. نحن هنا لدعمكم وتحقيق العدالة التي تستحقونها.

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

error: