علاقة المقاول الأصلي برب العمل في القانون المدني

القانون المدني والعقاري في مصر

علاقة المقاول الأصلي برب العمل في القانون المدني

تقوم علاقة المقاول الأصلي برب العمل في القانون المدني على عقد المقاولة، الذي يلتزم بموجبه المقاول الأصلي بإنجاز عمل معين لحساب رب العمل، مقابل أجر متفق عليه. ويكون المقاول مسؤولًا أمام رب العمل عن تنفيذ العمل وفقًا للشروط والمواصفات المتفق عليها، سواء قام به بنفسه أو استعان بمقاول من الباطن، ما لم يُشترط عليه تنفيذ العمل بذاته. وتشمل التزامات المقاول الأصلي تسليم العمل في الموعد المحدد، وضمان خلوه من العيوب، وتحمل المسؤولية عن أي إخلال أو تأخير. وفي المقابل، يلتزم رب العمل بدفع الأجر المستحق، وتمكين المقاول من تنفيذ العمل، وتقديم ما تم الاتفاق عليه من مواد أو معلومات لازمة إذا كان ذلك شرطًا في العقد.

إلتزامات رب العمل نحو المقاول الأصلي :

يترتب على عقد المقاولة التزامات قانونية في ذمة رب العمل تجاه المقاول الأصلي، أهمها التزامه بدفع الأجرالمتفق عليه في المواعيد المحددة، سواء كان دفعة واحدة أو على أقساط بحسب مراحل التنفيذ. كما يلتزم رب العمل بتمكين المقاول من البدء في العمل وإنجازه، وذلك بتسليمه الموقع أو تقديم المواد أو البيانات اللازمة، إذا كان العقد ينص على ذلك. ويجب عليه أيضًا قبول العمل إذا تم تنفيذه طبقًا للشروط والمواصفات المتفق عليها، ما لم يظهر به عيب أو إخلال. وإذا أخل رب العمل بأي من هذه الالتزامات، يكون مسؤولًا عن تعويض الضرر الذي يلحق بالمقاول، ويحق للأخير المطالبة بفسخ العقد أو وقف تنفيذ العمل إلى حين الوفاء بما هو مستحق له.

إلتزامات المقاول الأصلي نحو رب العمل :

يترتب على عقد المقاولة التزام المقاول الأصلي بعدّة التزامات جوهرية تجاه رب العمل، أبرزها تنفيذ العمل المتفق عليه بنفسه أو بواسطة الغير إذا لم يكن هناك مانع تعاقدي، وذلك وفقًا للمواصفات الفنية والشروط المحددة في العقد، وفي الميعاد المحدد. كما يلتزم المقاول بضمان جودة العمل وخلوّه من العيوب، ويتحمل مسؤولية أي تقصير أو إخلال، سواء في التنفيذ أو في المواد التي يقدمها – إذا كان ملتزمًا بتقديمها. ويجب عليه أيضًا المحافظة على سلامة الموقع وعدم الإضرار بالأشخاص أو الممتلكات أثناء تنفيذ العمل. كما يلتزم بتسليم العمل في حالته المتفق عليها، وفي حال الإخلال بأي من هذه الالتزامات، يحق لرب العمل مطالبته بالتعويض أو بفسخ العقد بحسب الأحوال.

مدى مسئولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن :

يُسأل المقاول الأصلي مسؤولية كاملة أمام رب العمل عن جميع الأعمال التي يقوم بها المقاول من الباطن، كما لو كان قد نفذها بنفسه، سواء تعلق الأمر بجودة التنفيذ أو التأخير أو الأضرار الناتجة عن العمل. فالمقاول الأصلي يظل الطرف الوحيد المرتبط قانونًا برب العمل، ولا يُعتد في مواجهته بالعلاقة بينه وبين المقاول من الباطن. وتقوم هذه المسؤولية على أساس أن المقاول الأصلي هو من اختار المقاول من الباطن وتعاقد معه، وبالتالي يتحمل تبعة أعماله وتصرفاته، ما لم يوجد اتفاق أو نص قانوني يُقرر خلاف ذلك.

أساس مسئولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن :

يقوم أساس مسؤولية المقاول الأصلي عن المقاول من الباطن على فكرة تحمل التبعة، إذ يُعد المقاول الأصلي هو المسؤول المباشر أمام رب العمل عن تنفيذ كامل العمل المتفق عليه، سواء قام به بنفسه أو استعان بغيره. فالمقاول من الباطن لا تربطه علاقة قانونية برب العمل، ولا يتحمل هذا الأخير نتائج إخلاله، بل تقع المسؤولية كاملة على عاتق المقاول الأصلي باعتباره المتعاقد الرئيسي. وتُبنى هذه المسؤولية أيضًا على مبدأ الثقة، إذ يختار رب العمل المقاول الأصلي بناءً على كفاءته الشخصية، ولذلك لا يُعتد بمن يُنيبهم أو يتعامل معهم من الباطن. ومن ثم، فإن أي خطأ أو تأخير أو عيب في تنفيذ الأعمال التي أوكلها المقاول الأصلي للغير يُعد خطأً يُسأل عنه هو شخصيًا أمام رب العمل.

علاقة رب العمل بالمقاول من الباطن :

لا تقوم علاقة قانونية مباشرة بين رب العمل والمقاول من الباطن، لأن هذا الأخير يتعاقد مع المقاول الأصلي وليس مع رب العمل. وبالتالي، لا يلتزم رب العمل تجاه المقاول من الباطن بدفع أجره أو قبول العمل منه، كما لا يجوز للمقاول من الباطن الرجوع على رب العمل بأي حق ناشئ عن عقده مع المقاول الأصلي. ومع ذلك، قد تنشأ علاقة مباشرة واستثنائية بين رب العمل والمقاول من الباطن إذا وُجد اتفاق صريح بذلك، أو إذا قام رب العمل بالتعامل معه مباشرة على نحو يفيد قيام علاقة قانونية مستقلة. لكن في الأصل، تبقى علاقة المقاول من الباطن محصورة مع المقاول الأصلي، ويتحمل هذا الأخير وحده مسؤولية أعماله أمام رب العمل.

علاقة غير مباشرة بين رب العمل والمقاول من الباطن :

تقوم بين رب العمل والمقاول من الباطن علاقة غير مباشرة في الأصل، لأن هذا الأخير يتعامل تعاقديًا مع المقاول الأصلي فقط، وليس مع رب العمل. وتترتب هذه العلاقة غير المباشرة على أن المقاول من الباطن يُنفذ جزءًا من الأعمال التي التزم بها المقاول الأصلي تجاه رب العمل، وبالتالي فإن ما يقوم به المقاول من الباطن يُعتبر تنفيذًا لالتزامات المقاول الأصلي. ومع أن المقاول من الباطن لا يملك حق الرجوع مباشرة على رب العمل، إلا أن الأخير قد يستفيد من عمله، كما أن له مصلحة في حسن تنفيذه. وتتحول هذه العلاقة غير المباشرة إلى علاقة مباشرة في حالات استثنائية، كأن يوافق رب العمل صراحة على التعاقد معه، أو يتعامل معه بما يدل على وجود علاقة قانونية قائمة بينهما.

الإستثناء المقرر للمقاول من الباطن وعماله في الرجوع بالأجرة مباشرة على رب العمل :

رغم أن الأصل في القانون المدني أن المقاول من الباطن لا يملك الرجوع مباشرة على رب العمل بالأجرة، إلا أن هناك استثناءً مقررًا لصالحه ولصالح عماله، يجيز لهم مطالبة رب العمل مباشرة بما هو مستحق لهم في حدود ما يكون باقيًا في ذمته للمقاول الأصلي وقت المطالبة. ويُعد هذا الاستثناء حماية للحقوق المالية للمقاول من الباطن والعمال الذين ساهموا فعليًا في تنفيذ المشروع، ويحول دون ضياع أجورهم إذا أخلّ المقاول الأصلي بالتزاماته المالية. ويُشترط لتطبيق هذا الاستثناء ألا يكون رب العمل قد أوفى كامل ما في ذمته للمقاول الأصلي، وأن تكون المطالبة في حدود هذا الباقي فقط، مما يُحقق توازنًا بين مصلحة رب العمل في عدم ازدواج الأداء، ومصلحة المقاول من الباطن في ضمان أجره.

النص القانوني للمادة 662 مدني :-

(1) يكون للمقاولين من الباطن وللعمال الذين يشتغلون لحساب المقاول فى تنفيذ العمل ، حق مطالبة رب العمل مباشرة بما لا يجاوز القدر الذى يكون مديناً به للمقاول الأصلى وقت رفع الدعوى ، ويكون لعمال المقاولين من الباطن مثل هذا الحق قبل آل من المقاول الأصلى ورب العمل .

(2) ولهم فى حالة توقيع الحجز من أحدهم تحت يدرب العمل أو المقاول الأصلى امتياز على المبالغ المستحقة للمقاول الأصلى أو للمقاول من الباطن وقت توقيع الحجز ، ويكون الامتياز لكل منهم بنسبة حقه ويجوز أداء هذه المبالغ إليهم مباشرة .

(3) وحقوق المقاولين من الباطن والعمال المقررة بمقتضى هذه المادة مقدمة على حقوق من ينزل له المقاول عن دينه قبل رب العمل . 

الحكمة من الدعوى المباشرة :

تقوم الحكمة من تقرير الدعوى المباشرة على حماية المقاول من الباطن والعمال الذين يبذلون جهدهم في تنفيذ العمل، دون أن تكون لهم علاقة مباشرة برب العمل. فهذه الدعوى تُعد استثناءً على مبدأ نسبية أثر العقد، وتهدف إلى ضمان حقوق من لا تربطهم برب العمل علاقة تعاقدية، ولكن لهم دور فعّال في تنفيذ المشروع. وتمنحهم هذه الدعوى وسيلة قانونية لاستيفاء مستحقاتهم مباشرة من رب العمل، في حدود ما يكون غير مدفوع للمقاول الأصلي، مما يمنع ضياع حقوقهم إذا أعسر المقاول الأصلي أو امتنع عن الدفع. وبهذا تُحقق الدعوى المباشرة التوازن بين مصلحة رب العمل في عدم تحمل التزامات مزدوجة، ومصلحة المقاول من الباطن والعمال في الحصول على أجرهم نظير ما قدموه من عمل.

أصحاب الحق في الدعوى المباشرة

1- المقاول من الباطن :

المقاول من الباطن هو الشخص الذي يتعاقد مع المقاول الأصلي، وليس مع رب العمل، لتنفيذ جزء من الأعمال المتفق عليها في عقد المقاولة الأصلي. ويُعد المقاول من الباطن طرفًا تابعًا في العلاقة التعاقدية، إذ تربطه علاقة قانونية مباشرة بالمقاول الأصلي فقط، وليس له أي التزامات أو حقوق تجاه رب العمل، إلا في حالات استثنائية يجيزها القانون. ويُستخدم نظام المقاولة من الباطن لتوزيع العمل وتخصيص المهام، خاصة في المشروعات الكبيرة التي تتطلب خبرات متنوعة. وعلى الرغم من استقلال عقد المقاولة من الباطن، فإن المقاول الأصلي يظل مسؤولًا أمام رب العمل عن أعمال المقاول من الباطن وكأنها صادرة عنه، ضمانًا لحسن تنفيذ المشروع وفقًا للشروط المتفق عليها.

2- العامل الذي يعمل لدى المقاول الأصلي :

العامل الذي يعمل لدى المقاول الأصلي يُعد طرفًا في علاقة عمل مباشرة مع هذا المقاول، وليس مع رب العمل. وتنشأ بين العامل والمقاول الأصلي علاقة تعاقدية تخضع لأحكام قانون العمل، يلتزم بموجبها العامل بأداء العمل المتفق عليه، في حين يلتزم المقاول الأصلي بأداء الأجر وتوفير شروط السلامة والرعاية، وتنفيذ الالتزامات الأخرى المقررة في عقد العمل. ولا يكون لرب العمل أي التزام مباشر تجاه هذا العامل، إلا إذا ثبت وجود علاقة عمل مستقلة معه. ومع ذلك، يتمتع العامل ببعض الحماية القانونية، كحقه في الرجوع مباشرة على رب العمل في حدود الأجر المستحق له، إذا توافرت الشروط التي يقرها القانون، وذلك ضمانًا لحقوقه وعدم تعريضه للضياع بسبب تقصير المقاول الأصلي.

3- العامل الذي يعمل لدى المقاول من الباطن :

العامل الذي يعمل لدى المقاول من الباطن يُعد في حكم التابع له قانونًا، وتقوم بينهما علاقة عمل مباشرة تخضع لأحكام قانون العمل، يلتزم فيها العامل بأداء مهامه مقابل أجر يتكفل به المقاول من الباطن. ولا تربط هذا العامل أي علاقة تعاقدية مباشرة برب العمل أو المقاول الأصلي، وبالتالي فإن الأصل أن مطالبته تكون موجهة إلى المقاول من الباطن فقط. ومع ذلك، ولحماية حقوقه، أجاز له القانون في حالات معينة أن يرجع مباشرة على رب العمل للمطالبة بأجره أو مستحقاته، وذلك في حدود ما يكون رب العمل مدينًا به للمقاول الأصلي وقت المطالبة، وتُعرف هذه الوسيلة بالدعوى المباشرة، وتُعد استثناءً يهدف إلى منع ضياع حقوق العمال نتيجة تعثر المقاول من الباطن أو تهربه من الوفاء بالتزاماته.

نتائج الدعوى المباشرة :

تترتب على الدعوى المباشرة نتائج قانونية هامة، أبرزها تمكين المقاول من الباطن أو العامل من مطالبة رب العمل مباشرة بمستحقاتهم، رغم عدم وجود علاقة تعاقدية بينهم. فإذا توافرت شروط الدعوى المباشرة، فإن رب العمل يُصبح ملزمًا بأداء الأجرة أو المستحقات في حدود ما تبقى في ذمته للمقاول الأصلي وقت المطالبة. ويترتب على ذلك أن المقاول الأصلي يُحرم من هذا الجزء من الأجر الذي كان يستحقه من رب العمل، لأنه يُخصم منه ما تم دفعه للمقاول من الباطن أو العامل. كما تؤدي هذه الدعوى إلى نوع من الضمان العملي للمستحقات، وتُحقق التوازن بين أطراف العمل، وتحد من مخاطر مماطلة المقاول الأصلي أو إفلاسه، مما يسهم في استقرار العلاقات المهنية وتنظيم تنفيذ المشاريع.

مكتب المحامى محمد منيب فى الهرم 

 

error: