حفظ الشئ المودع في عقد الوديعة في القانون المدني
يُعد حفظ الشيء المودَع هو الالتزام الجوهري في عقد الوديعة، ويقع على عاتق الوديع منذ لحظة تسلُّمه للشيء، ويجب عليه أن يبذل في ذلك عناية الشخص المعتاد، أي ذات العناية التي يوليها في حفظ ماله الخاص، دون أن يُطلب منه بذل عناية الشخص الحريص ما لم يتفق على خلاف ذلك. ويُحظر على الوديع أن يستعمل الشيء أو ينتفع به أو يسلّمه للغير دون إذن من المودِع، وإلا عُدّ متعديًا وضمن ما يلحق بالشيء من ضرر أو هلاك. ويشمل واجب الحفظ اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على الشيء بحسب طبيعته وظروفه، كالتخزين الملائم، أو التهوية، أو الحماية من السرقة أو التلف. وإذا أخلّ الوديع بهذا الالتزام وتسبب في ضياع الشيء أو تلفه، كان مسؤولًا مسؤولية عقدية تُلزمه بالتعويض، ما لم يُثبت أن الضرر وقع بسبب أجنبي لا يد له فيه.
الإلتزام بحفظ الوديعة إلتزام ببذل عناية :
إن الالتزام بحفظ الوديعة هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، بمعنى أن الوديع لا يُسأل عن ضياع الشيء أو تلفه إلا إذا ثبت أنه قصر أو تعدى في واجب الحفظ، ولم يبذل العناية المطلوبة منه قانونًا. والعناية المطلوبة هنا هي عناية الشخص المعتاد، أي العناية التي يبذلها الشخص العادي في حفظ ماله الخاص، ما لم يتفق الطرفان على رفع مستوى العناية أو خفضها. وبما أن الالتزام هو ببذل عناية، فإن مسؤولية الوديع لا تقوم لمجرد وقوع الضرر، بل لا بد من إثبات أنه أهمل أو أخلّ بالتزامه في اتخاذ ما يلزم للمحافظة على الشيء. أما إذا هلك الشيء أو تلف بسبب أجنبي لا يد له فيه، كالسبب القهري أو القوة القاهرة، فلا يُسأل الوديع، ويُعفى من التعويض، طالما أثبت أنه قام بواجب الحفظ بما تمليه عليه ظروف الحال.
النص القانوني للمادة 720 مدني :-
(1) إذا كانت الوديعة بغير أجر وجب على المودع عنده أن يبذل من العناية فى حفظ الشيء ما يبذله فى حفظ ماله ، دون ان يكلف فى ذلك أزيد من عناية الرجل المعتاد.
(2) أما إذا آانت الوديعة بأجر فيجب أن يبذل فى حفظ الوديعة عناية الرجل المعتاد .
(أ) الوديعة غير المأجورة :
هي الوديعة التي يلتزم فيها الوديع بحفظ الشيء المودَع دون أن يتقاضى أجرًا على ذلك، وتُعد هذه الصورة هي الأصل في عقد الوديعة، لأن العقد في طبيعته يُعد من عقود التبرع. وفي الوديعة غير المأجورة، يلتزم الوديع ببذل عناية الشخص المعتاد في حفظ الشيء، دون أن يُطلب منه عناية الشخص الحريص، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يُوجب خلاف ذلك. وتُعتبر مسؤولية الوديع هنا أخفّ من مسؤوليته في الوديعة المأجورة، فلا يُسأل عن الهلاك أو التلف إلا إذا ثبت أنه تعمد الإهمال أو ارتكب خطأ جسيمًا. كما يجوز للوديع أن يرد الشيء في أي وقت، وله أن يضع حدًا للعقد متى شاء، نظرًا لكونه غير ملزم بمقابل. وتستند هذه الأحكام إلى مبدأ التبرع وعدم الإضرار بالمحسن، وهو ما يميز هذا النوع من الودائع في القانون المدني.
(ب) الوديعة المأجورة :
هي تلك التي يتقاضى فيها الوديع أجرًا مقابل حفظ الشيء المودَع، سواء تم الاتفاق على هذا الأجر صراحة أو استُفِيد ضمنًا من طبيعة العلاقة أو العرف. وتُعد الوديعة المأجورة من عقود المعاوضة، وتترتب عليها التزامات أشد من الوديعة غير المأجورة، إذ يُلزم الوديع في هذه الحالة ببذل عناية الشخص الحريص، لا مجرد عناية الشخص المعتاد، ما يعني أنه يُسأل عن أي ضرر يصيب الشيء إذا ثبت مجرد إهمال يسير. كما أن الوديع لا يجوز له التنصل من الالتزام قبل الأجل المتفق عليه أو قبل إنذار المودِع، إلا إذا وُجد عذر مقبول. وتُخضع الوديعة المأجورة كذلك لقواعد المحاسبة عن الأجر والنفقات، ويجوز للوديع أن يمتنع عن رد الشيء حتى يُؤدى له الأجر المستحق، استنادًا إلى حق الحبس.
أمثلة للعناية الواجبة على الوديع في الوديعة المأجورة والوديعة غير المأجورة :
تختلف درجة العناية الواجبة على الوديع بحسب ما إذا كانت الوديعة مأجورة أو غير مأجورة. ففي الوديعة غير المأجورة، يلتزم الوديع ببذل عناية الشخص المعتاد فقط، أي أن يتخذ ما يتخذه الشخص العادي من احتياطات لحفظ ماله الخاص، ومن أمثلة ذلك: وضع الشيء في مكان مغلق وآمن داخل منزله، أو تجنُّب تعريضه للخطر الواضح، دون أن يُطلب منه إجراءات خاصة أو استثنائية. أما في الوديعة المأجورة، فإن الوديع يلتزم ببذل عناية الشخص الحريص، أي عناية تفوق المعتاد وتقترب من الاحتراف، ومن أمثلتها: تخزين الشيء في مكان مخصص وآمن، استخدام وسائل الحماية المناسبة كأنظمة الإنذار أو التأمين، المتابعة الدورية لحالة الشيء، وتجنُّب تعريضه لأي احتمال للتلف أو الضياع. وكلما زادت درجة مقابل الحفظ أو حساسية الشيء المودَع، ارتفعت درجة العناية المطلوبة من الوديع.
تعددهم المودع عندهم :
إذا تعدد الأشخاص الذين أُودِع لديهم الشيء، فإن ذلك يُثير مسألة تعدد المودَع لديهم، ويختلف الحكم بحسب ما إذا كان التسليم قد تم إليهم على سبيل الانفراد أو على سبيل التضامن. فإذا اتفق الطرفان أو اقتضت طبيعة الحال أن يكون الوديعون متضامنين، فإن كل واحد منهم يُعد مسؤولًا عن حفظ الشيء وردّه كليًا، ويجوز للمودِع مطالبته وحده، دون حاجة إلى الرجوع على الآخرين، مع احتفاظ هذا الوديع بحقه في الرجوع عليهم بما دفعه. أما إذا كانت الوديعة قد سُلّمت إليهم بشكل غير متضامن، أي أن يكون لكل منهم دور أو حصة معينة في الحفظ، فلا يسأل أحدهم إلا في حدود الجزء الذي يتولاه. ويُشترط في جميع الأحوال أن يُراعى في الحفظ درجة العناية المفروضة بحسب ما إذا كانت الوديعة مأجورة أو غير مأجورة، وأن يُرد الشيء إلى المودِع أو من يمثله وفقًا لما تم الاتفاق عليه عند التعاقد.
عدم مسئولية الوديع عن السبب الأجنبي :
لا يُسأل الوديع عن هلاك الشيء المودَع أو تلفه إذا وقع ذلك نتيجة سبب أجنبي لا يد له فيه، كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو فعل الغير أو خطأ المودِع نفسه، لأن التزام الوديع هو ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة. فإذا أثبت الوديع أن الضرر قد حدث رغم بذله للعناية الواجبة، وأن السبب يرجع إلى ظرف خارج عن إرادته لم يكن في وسعه دفعه أو توقعه، أُعفي من المسؤولية، ولا يُلزم بالتعويض. ومثال ذلك أن يُحترق المكان الذي تُحفظ فيه الوديعة بسبب صاعقة، أو أن يُنهب بفعل قوة مسلحة، أو أن يتلف الشيء نتيجة عيب خفي لم يكن في مقدور الوديع اكتشافه. ويشترط على الوديع في هذه الحالة أن يُثبت تحقق السبب الأجنبي، وأنه لم يرتكب تقصيرًا أو خطأً ساهم في وقوع الضرر، وإلا سقط عنه هذا الإعفاء.
الإتفاق على تعديل المسئولية :
يجوز للطرفين في عقد الوديعة أن يتفقا على تعديل نطاق مسؤولية الوديع، سواء بتخفيفها أو بتشديدها، ما دام ذلك لا يتعارض مع النظام العام أو الآداب. فيجوز مثلًا أن يُتفق على إعفاء الوديع من المسؤولية عن بعض صور الإهمال، خاصة في الوديعة غير المأجورة، حيث يكون الدافع للتبرع واضحًا. كما يجوز تشديد مسؤوليته، بأن يُلزم مثلًا بـعناية خاصة تفوق العناية المعتادة، أو أن يتحمل الهلاك حتى في حالة السبب الأجنبي، إذا وافق على ذلك صراحة. غير أن هذا الاتفاق لا يُعتد به إذا كان من شأنه الإعفاء من الخطأ الجسيم أو الغش، لأن مثل هذا الشرط يُعد باطلًا بطلانًا مطلقًا لمخالفته لمبدأ حسن النية وحماية الطرف الضعيف. ويخضع تفسير هذه الشروط لقواعد التفسير العامة، مع تغليب نية الطرفين وظروف التعاقد.
المستشار القانونى محمد منيب المحامى
بفضل خبرته القانونية التي تمتد لأكثر من 20 عامًا، يمكنك الاعتماد عليه للحصول على أفضل تمثيل قانوني وضمان حقوقك أمام القضاء.
للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774
📞 التواصل: احجز موعد مسبق 01006321774 – 01223232529
📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني
محامى مدني خبير قانوني 20 عامًا في المحاكم المدنية
المحامى الخبير والافضل فى قضايا المدنى