إفشاء سر المهنة من قبل الطبيب في القانون المدني

إفشاء سر المهنة من قبل الطبيب في القانون المدني

يُعتبر إفشاء سر المهنة من قبل الطبيب خرقًا خطيرًا للأمانة المهنية والأخلاقية التي تحكم العلاقة بين الطبيب والمريض، وهو فعل يُعاقب عليه القانون المدني والجنائي على حد سواء. ففي القانون المدني، يُعد إفشاء الطبيب لأسرار المريض دون موافقته مخالفة لالتزام السرية المهنية التي تقع على عاتق كل طبيب، مما يترتب عليه مسؤولية مدنية تعويضية إذا تسبب هذا الإفشاء في ضرر للمريض، سواء كان الضرر معنويًا كتشويه السمعة، أو ماديًا كخسائر اقتصادية. ويُشترط في هذا الالتزام أن يبقى السر المهني محصورًا في حدود ما يستلزمه العلاج، ولا يجوز الكشف عنه إلا بأمر قانوني أو بموافقة صريحة من المريض. ويُعد الإفشاء من دون مبرر قانوني من الأعمال التي تنال من ثقة المريض في الطبيب وفي النظام الطبي ككل، ولهذا فإن القضاء ينظر بصرامة إلى هذه المخالفة، وقد يُلزم الطبيب بدفع تعويضات مالية كبيرة، إضافة إلى احتمال تعرضه لعقوبات تأديبية وحتى جنائية في بعض الحالات.

النص القانوني للمادة 310 من قانون العقوبات :-

كل من كان من الأطباء أو الجراحين أو الصيادلة أو القوابل أو غيرهم مودعا إليه مقتضى صناعته أو وظيفته سر خصوصى التمن عليه فأفشاه في عبر الأحوال التي يلزمه القانون فيها بتبليغ ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور ، أو بغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه .

ولا تسرى أحكام هذه المادة إلا فى الأحوال التي لم يرخص فيها قانون بإنشاء أمور معينة كالمقرر فى المواد ۲۰۲ و ۲۰۳ و ٢٠٤ و ٢٠٥ من قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية .

أركان الجريمة

الركن الأول : ركن مادي يتمثل في الإفشاء .

الركن الثاني : أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه سرا .

الركن الثالث : أن يقع إفشاء السر من طبيب أو من حكمة بحكم عمله .

الركن الرابع : القصد الجنائي .

الركن الأول : ركن مادي يتمثل في الإفشاء :

يتمثل الركن المادي في جريمة إفشاء السر الطبي في قيام الطبيب أو من في حكمه بالإفشاء الفعلي لسر من أسرار المريض التي ائتمنه عليها بحكم مهنته. ويتحقق هذا الركن بمجرد صدور سلوك إيجابي يتمثل في نقل السر إلى الغير بأي وسيلة كانت، سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو غير ذلك، دون أن يكون هناك مسوغ قانوني أو إذن صريح من المريض. ويُشترط أن يكون السر قد عرفه الفاعل بسبب مهنته، وأن يكون من الأمور التي يحرص المريض عادة على كتمانها. ولا يُشترط أن يترتب على الإفشاء ضرر فعلي، بل يكفي مجرد الكشف عن السر دون وجه حق لتحقق الركن المادي للجريمة.

المقصود بالإفشاء :

المقصود بـالإفشاء هو الكشف عن أمر مستور أو معلومة خاصة لم يكن يجوز إطلاع الغير عليها، ويقع ذلك عندما يقوم الطبيب أو من في حكمه بإذاعة سر يتعلق بالمريض علمه به بحكم مهنته. ويتحقق الإفشاء سواء تم ذلك بالكلام أو الكتابة أو الإشارة أو بأي وسيلة أخرى تؤدي إلى نقل السر إلى شخص لا يحق له معرفته. ولا يُشترط أن يكون الغير قد استخدم هذه المعلومة أو استفاد منها، بل يكفي مجرد خروج السر من نطاق الكتمان إلى العلن بغير إذن المريض أو دون سبب مشروع.

وسائل الإفشاء :

تتعدد وسائل الإفشاء التي يمكن أن تُرتكب بها جريمة إفشاء السر الطبي، ولا تقتصر على وسيلة معينة، بل تشمل كل طريق يؤدي إلى نقل السر للغير. فقد يكون الإفشاء بالقول كأن يخبر الطبيب شخصًا بمعلومة سرية عن المريض، أو بالكتابة كأن يدونها في خطاب أو تقرير يُرسل إلى غير المختصين، أو بالإشارة أو الإيماء التي يفهم منها الغير مضمون السر، أو حتى عن طريق الوسائل الإلكترونية كالبريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي. والعبرة في ذلك ليست بطريقة الإفشاء، بل بنتيجته، وهي وصول السر إلى شخص لا يحق له معرفته، مما يخل بحق المريض في خصوصية معلوماته الطبية.

تحقق إفشاء السر ولو أنصب على وأقعة معروفة :

يتحقق إفشاء السر الطبي حتى لو انصب الإفشاء على واقعة معروفة لدى الغير، متى كان مصدر علم الطبيب بها هو علاقته المهنية بالمريض. فالعبرة في قيام الجريمة ليست بمدى شيوع الواقعة أو شهرتها، بل بمصدر معرفة الفاعل بها. فإذا كان الطبيب قد علم بحالة المريض أو مرضه أو تفاصيله الشخصية من خلال ممارسته للمهنة، فإن إفشاءه لتلك المعلومات يُعد جريمة، حتى لو كان الغير على علم بها مسبقًا. وذلك لأن واجب الكتمان قائم بذاته، ولا يسقط بزعم أن السر معلوم أو متداول، ما دام أن الإفشاء صدر من شخص ملتزم قانونًا وأخلاقيًا بحفظه.

صور الإفشاء :

تتعدد صور الإفشاء في جريمة إفشاء السر الطبي بحسب الطريقة التي يُذاع بها السر والمقام الذي يحدث فيه ذلك. فقد يقع الإفشاء بشكل صريح، كأن يُخبر الطبيب شخصًا من أقارب المريض أو أي طرف ثالث بمعلومة سرية تتعلق بصحته، وقد يكون الإفشاء ضمنيًا أو بالتلميح، كأن يُلمّح الطبيب أمام الآخرين إلى حالة المريض بما يُفهم منه طبيعة مرضه. كما قد يتم الإفشاء في محادثة خاصة أو علنية، أو في تقرير طبي يُرسل إلى جهة غير مختصة، أو حتى من خلال نشر السر في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. ولا يُشترط أن يكون الإفشاء مقصودًا، فقد يقع بطريق الخطأ أو الإهمال، ما دام قد ترتب عليه كشف السر لغير المصرح لهم بالاطلاع عليه، وتكون المسئولية قائمة متى تحققت هذه الصورة دون مبرر قانوني.

تحقق الإفشاء ولو كان جزئيا :

يتحقق الإفشاء في جريمة إفشاء السر الطبي حتى لو كان جزئيًا، أي إذا كشف الطبيب أو من في حكمه جزءًا من السر الطبي المتعلق بالمريض، دون أن يُفصح عن كامل التفاصيل. فالقانون لا يشترط أن يكون الإفشاء كاملاً أو شاملاً لكل ما يتعلق بالمريض، بل يكفي أن يتضمن عنصرًا جوهريًا أو دلالة تسمح للغير بمعرفة السر أو استنتاجه. ويُعد هذا الإفشاء الجزئي كافيًا لقيام الجريمة، طالما أنه أخل بسرية العلاقة بين الطبيب والمريض، وكشف ما كان يجب أن يظل مستورًا، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن إهمال، وبصرف النظر عن الأثر الذي أحدثه الإفشاء أو الضرر الناتج عنه.

متى ينتهى الإلتزام بعدم الإفشاء :

الأصل أن التزام الطبيب بعدم إفشاء السر المهني هو التزام دائم لا ينتهي بانتهاء العلاقة بينه وبين المريض، ولا حتى بوفاة المريض، إذ يبقى السر محميًا لما له من صلة بحرمة الحياة الخاصة وكرامة الإنسان. ومع ذلك، قد ينتهي هذا الالتزام في حالات استثنائية نص عليها القانون، مثل: إذا أذن المريض صراحة بالإفشاء، أو إذا استدعت الضرورة القانونية ذلك، كأن يُطلب من الطبيب الإدلاء بالشهادة أمام القضاء، بشرط أن يأذن له القاضي أو يُعفيه المريض من السرية. كما قد ينتهي الالتزام إذا كان الإفشاء ضرورياً لمنع وقوع جريمة أو درء خطر جسيم، وفقًا لقاعدة التوازن بين الواجبات. وفيما عدا هذه الحالات، يبقى الطبيب ملزمًا بكتمان السر مدى الحياة.

الركن الثاني : أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه سرا :

لقيام جريمة إفشاء السر الطبي، يشترط أن يكون الأمر الذي حصل إفشاؤه سِرًّا بطبيعته، أي من الأمور التي يحرص المريض عادة على كتمانها، ولا يرغب في اطلاع الغير عليها، مثل حالته الصحية أو مرضه أو تفاصيل علاجه. ويُراعى في ذلك الطبيعة الشخصية والحساسة للمعلومة، بغض النظر عما إذا كانت تافهة في نظر الغير، فالعبرة بما يعده المريض سرًّا يمس خصوصيته. كما يُشترط أن يكون الطبيب أو من في حكمه قد عرف هذا السر بسبب مهنته، لا من خلال وسيلة عرضية أو عامة، لأن الحماية القانونية تنصرف إلى ما يكتسبه من معلومات في إطار العلاقة المهنية. فإذا توافرت هذه الصفات في المعلومة، عُدت سرًّا، ويكون إفشاؤها محظورًا ويشكل جريمة تستوجب المساءلة.

مضمون الشرط :

يتعلق هذا الشرط بمضمون المعلومة التي تم إفشاؤها، ويُقصد به أن يكون ما أفشاه الطبيب أو من في حكمه معلومة ذات طابع سري، تتصل بشخص المريض وتتعلق بصحته أو حياته الخاصة، ويحرص المريض عادة على عدم كشفها للغير. فليس كل ما يُقال للطبيب يُعد سرًّا، بل يجب أن تكون المعلومة غير معروفة للعامة، ولم تُفصح عنها إراديًّا من المريض لغيره، وكان من المفترض أن تظل محاطة بالكتمان. ويتحقق هذا الشرط متى كان للمعلومة طابع شخصي، وكان الطبيب قد علم بها بحكم مهنته، أي نتيجة للفحص أو العلاج أو الحديث المهني مع المريض، وليس من مصدر خارجي أو علني. وبهذا يُشكل مضمون هذا الشرط جوهر الحماية الجنائية للسر الطبي، لأنه يحدد مدى خصوصية المعلومة المستوجبة للصون والكتمان.

الركن الثالث : أن يقع إفشاء السر من طبيب أو من حكمة بحكم عمله :

يشترط لقيام جريمة إفشاء السر الطبي أن يكون مرتكب الإفشاء طبيبًا أو من في حكمه، أي ممن يتصل عملهم بالمجال الطبي ويُؤتمنون على أسرار المرضى، مثل الممرضين، والصيادلة، ومساعدي الأطباء، وفنيي التحاليل، وغيرهم ممن تفرض عليهم طبيعة عملهم واجب الكتمان. كما يشترط أن يكون مصدر علمهم بالسر هو مزاولتهم لمهنتهم أو قيامهم بعملهم الطبي، لا أن يكونوا قد عرفوه بوسيلة عرضية أو من مصدر عام. فالعبرة في هذا الشرط أن يكون السر قد أُؤتُمن عليه الفاعل في إطار علاقة مهنية تفرض عليه الالتزام بالكتمان، وبالتالي فإن إفشاءه يُعد خيانة لهذه الثقة وإخلالًا بواجب مهني وأخلاقي، يُرتب مسؤوليته الجنائية.

مضمون الركن :

يتعلق مضمون الركن المادي في جريمة إفشاء السر الطبي بالفعل الخارجي الذي يصدر عن الجاني ويترتب عليه الكشف عن السر. ويتجسد هذا الركن في قيام الطبيب أو من في حكمه بإفشاء معلومة ذات طابع سري تتعلق بالمريض، يكون قد حصل عليها بسبب مهنته أو بمناسبتها، وتم نقلها إلى شخص غير مُخول بالاطلاع عليها. ويشمل هذا الركن عدة عناصر، هي: وجود سر له طبيعة خاصة، وأن يكون الجاني على علم به بحكم عمله المهني، ثم قيامه بإفشائه بأي وسيلة من وسائل التعبير، سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو النشر. ولا يُشترط لقيام هذا الركن تحقق ضرر فعلي، بل يكفي مجرد الإخلال بسرية العلاقة بين الطبيب والمريض بغير مبرر قانوني أو إذن صريح من صاحب السر.

الركن الرابع : القصد الجنائي :

يتمثل الركن الرابع في جريمة إفشاء السر الطبي في القصد الجنائي، وهو اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل الإفشاء مع علمه بأن ما يقوم به يشكل إفشاءً لسر مهني حصل عليه بحكم عمله، وبأنه غير مُخول بالإفصاح عنه. ويكفي في هذه الجريمة توافر القصد العام، أي العلم والإرادة، دون الحاجة إلى قصد خاص كنية الإضرار بالمريض. فمتى علم الطبيب أو من في حكمه أن ما يبوح به سر يتعلق بالمريض، وأنه علم به بسبب وظيفته، ومع ذلك أفشاه إلى الغير دون مسوغ قانوني أو إذن صريح، تحقّق القصد الجنائي، وقامت مسؤوليته الجنائية، حتى وإن كان يظن أنه لا يُحدث ضررًا أو يتصرف بنية حسنة.

مكتب محامى مصر محمد منيب المستشار القانونى

✔️ تواصل معنا الآن للحصول على استشارة قانونية مدفوعة!
✔️ ضمان السرعة والدقة في إنجاز معاملاتك القانونية.استشارة قانونية شاملة.حرصا منا على وقت عملائنا من قبل المستشار محمد منيب شخصيا خدمة مقابلة اون لاين من خلال تطبيق meet على Gmail توفر لك دعماً قانونياً عبر الانترنت .

📞 للاستفسار أو الحجز خدمة العملاء: 01006321774

📞 التواصل: احجز موعد مسبق  01006321774  –  01223232529

📍 عنوان المكتب: 13 شارع الخليفه من شارع الهرم بجوار السجل المدني

error: